آخر الأخبار

وقفات مع أسد الجبل -أسد الدين شيركوه

هو الفارس أسد الدين شيركوه بن شاذى بن مروان بن يعقوب الدونيى الكردي، وهو عم صلاح الدين الأيوبى وأستاذه فى الجهاد ، ولد ببلدة 'دوين' بأذربيجان سنة 500 هجرية تقريباً، نشأ هو وأخوه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين، بتكريت لما كان أبوهما شاذى 'ومعناها فرحان' نقيب قلعتها، ويغلب على نجم الدين العقل والحكمة والتؤدة، في حين كان أسد الدين كالشهاب الحارق لا يصبر على إساءة أو عدوان أو انتهاك حرمات...وعن معنى الاسم فهو بالعربية أسد الجبل، فشير : أسد، وكوه : جبل.

وقفات وتأملات

(1)

لا يطمع فى ملك

* عمل فى جيش عماد الدين زنكي، وخاض معه كل حروبه ضد الصليبيين وكان معه يوم فتح الرها وكان عماد الدين- الخبير بمواهب الرجال- يحب شيركوه، ويقدره وظل هكذا حتى كان معه في معسكره ليلة أن قتل عماد الدين سنة 541 هجرية، وعندها حفظ أسد الدين شيركوه معسكر المسلمين من الهرج والمرج الذي يحدث عادة عند مقتل القائد ثم قام بإعطاء خاتم الملك الخاص بعماد الدين لولده نور الدين محمود كناية عن خلافته لأبيه الشهيد، ثم قام بحراسة نور الدين محمود حتى وصل سالماً أمناً إلى مدينة 'حلب'، فعرف نور الدين هذا الجميل لأسد الدين، وصار من أقرب الناس إليه .

ومن ذلك اليوم أصبح أسد الدين شيركوه قائد جيوش نور الدين محمود أمير الشام الجديد وأصبح أخلص وأقوى أمراء الجيوش الشامية، ورجل المهام الصعبة الذي يعتمد عليه نور الدين محمود في النوازل وصعاب الأمور.

(2)

صانع القادة الربانيين

وجد أسد الدين شيركوه فى ابن أخيه أنه يتمتع بصفات القائد الربانى حيث:
* حكمة الشيوخ رغم صغر سنه.
* أخلاق الفرسان رغم فورة الشباب.
* ورع الزهاد رغم حياة الإمارة.
* بصيرة المؤمن وفراسته.
* لا تلين له قناة فما يعرف الضعف ولا الوهن.

ومن ثم تعهد أسد الدين شيركوه ابن أخيه ليعده على موعد مع القدر إعداد المجاهدين الأفذاذ
القادرين حين يضعف الناس حيث تعهده بالرباية الجهادية ، وإنبات الخصائص القيادية، واستصحبه معه إلى مصر وهو ابن سبعة وعشرين عاما بعد إذ أظهر مهارة فى قيادة الشرطة بدمشق، ليعينه على أمر الجهاد ويصير بعدئذ وزيره المعتمد ولربما كان القدر يعده من حيث لا يدرى لفتح بيت المقدس.

(3)

الأسد فاتح الديار المصرية

كتب الأستاذ شريف عبد العزيز(بتصرف):كان أسد الدين شيركوه بحكم خبرته العسكرية الطويلة وبصيرته السياسية لأوضاع العالم الإسلامي وقتها يرى أهمية الديار المصرية وضرورة فتحها وإزالة الدولة الفاطمية والتي تسببت في ضياع بيت المقدس سنة 492 هجرية، فقد كان أسد الدين شيركوه متأثراً بفكرة توحيد العالم الإسلامي ضد الوجود الصليبي، وكان يرى أن النصر على الصليبيين لن يتم إلا بتوحيد مصر والشام ...لذلك كان دائم الإلحاح على نور الدين ليفتح مصر ونور الدين يرى أن الوقت غير مناسب والإمكانيات غير متاحة، فالجيوش مشغولة في قتال البؤر الصليبية في جميع أنحاء الشام، ولكن نور الدين لم يترك فكرة فتح مصر بالكلية، بل انتظر الفرصة المناسبة...وحين تهيأت باستنجاد شاور بنور الدين محمود ضد خصمه ضرغام فى مصر كلف نور الدين قائد جيوشه أسد الدين شيركوه بأن يتوجه إلى مصر لذلك الغرض، ففرح الأسد بهذه المهمة وخرج في صحبته تلميذه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ومعه ألف رجل فقط وذلك سنة 559 هجرية . انتهى

وتروى مصادر التاريخ أن مهارة أسد الدين العسكرية والتمويهية قد جنبته جيوش الفرنج فى الطريق من الشام إلى مصر، وحين حنث شاور فى وعده واستنجد بالصليبيين ضد أسد الدين وطوقه ومعه جنود الفرنج فى بلبيس ثلاثة أشهر دون جدوى وذلك وحسبما تروى كتب التاريخ أن الفرنج كانوا يرتعدون من مجرد سماع اسم أسد الدين شيركوه وهذا يفسر لنا عدم جدوى الحصار رغم طول مدته، وقلة تحصين شيركوه، وقلة عتاد شيركوه مقارنة بكثرة عتاد الفرنج وشاور الخائن... وما فُك الحصار إلا بعد ذكاء نور الدين محمود الذى نقل المعركة إلى الشام بدلا من مصر ليفك الحصار عن شيركوه وذلك حين حاصر تل حارم ففزع الفرنج لذلك وتوافدوا إلى الشام دفاعا عن حارم ، وطلبا للصلح، وبعد حين تمت سيطرة شيركوه على مصر كاملة
بعد محاولات متعددة وحروب متكررة مع الفرنج وشاور، حيث تولى أسد الدين شيركوه الوزارة في مصر وأخذ في التدبير والعمل من أجل إسقاط الدولة الفاطمية وتوحيد مصر والشام تحت حكم نور الدين محمود خاصة بعد إلحاح الخليفة العباسي المستضيء بالله على ذلك الأمر،
ولم يمهله القدر سوى ثلاثة أشهر حتى جاءه أمر الله على إثر ذبحة صدرية قتلته رحمه الله في 22 جمادى الأخر 564 هجرية ( وقيل على إثر وقوعه من جواده) بعد حياة حافلة بالجهاد وبصناعة القادة الربانيين.

فى النهاية

خاض صاحبنا أكثر من مائة وخمسين موقعة، وعاش حياته وقفا للإسلام والجهاد، وإليه يرجع الفضل فى صناعة صلاح الدين كقائد، وفى توحيد مصر والشام ذلك السلاح الحاسم فى معركتنا مع اليهود ومع أعداء الأمة فى المستقبل لو أن قومى كانوا يعقلون!