تتجدد آفاق التوريث فى مصر كلما عقد الحزب الوطنى مؤتمره السنوى وتزداد تكهنات الناس
وتأتى سيناريوهات المحللين مرة على استحياء، وأخرى بوضوح شديد، والناس فى بلادى حول مسألة توريث مبارك الحكم لنجله عبر تمثيلية غبية ما بين مصدق أو مكذب أو متهكم وكأنهم ينتظرون من غيرهم تحريك بقية الكتل الصامتة من شعبنا الذى غُيّب تحت القهر والفقر والبحث عن كسرة خبز يسد بها جوع ذويه، فضلا عن وجود نخبة بعضها يرتزق من الفضائيات على حساب الفقراء باسم الدفاع عن الفقراء وعن حرياتهم ثم لا يلبثون أن تبح حناجرهم بأن لا فائدة من المصريين زاعمين أن المصريين لا يثورون ولا يتحركون!!
والحق أن الناس لا تتحرك من تلقاء أنفسها بل لابد لها من قيادة تحركها، والقوة الفاعلة الآن والتى يمكن الارتكان إليها لاعتبارات عدة لتحريك الناس هى الإخوان المسلمون، وللإخوان حساباتهم وحساسيتهم، - وقد يتفق أو يختلف بعضنا فى تقدير حساباتهم- لكن حتى يتحركوا بالناس وببقية الناس فى بلادي فإنهم يحتاجون أن يحدث وفاق عام بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية، وأن يسلموا قيادة الأمور لهم، وأن توافق الأجهزة التى تتحكم فى مصائر البلاد على خيار الديمقراطية، وأن يسمح المناخ الدولي والإقليمي بهذا الخيار فى مصر، وهو الأمر الذى يصعب - جدا- تحقيقه فى الوقت الراهن لاعتبارات عدة.
إن من السفاهة تصور أن نجل مبارك لا يتطلع إلى الحكم لا سيما وهو يتسول مباركة الأمريكان له عبر إرضاء العصابات الصهيونية( فبوابة أمريكا تبدأ من إسرائيل حيث اتفاقيات الغاز الطبيعي& والكويز& والإفراج عن عزام عزام & ومصراطى& التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية مع تواجد تلك الأسلحة لدى الكيان الصهيوني & خدمة قضايا أمن الكيان الصهيوني على حساب قضية فلسطين & القبول بدور الوسيط فيما يتعلق بمطالب أمريكا من الحكام العرب & أخرى )، ومن السفاهة أيضا تصديق الذين يخدرون الوعي العام بألا نية لديه لترشيح نفسه - والنيات تتبدل كما يعرف الجميع عند اللزوم- لا سيما وقد أصبحت مسألة التوريث للنظام الحاكم مسألة حياة أو موت...وما الإيعاز إلى أصحاب المصالح فى النظام الحالي بتسويق فكرة وجود فراغ - ولو متوهم للاستغلال والاصطياد فى الماء العكر- حال اختفاء الحاكم لأمر ما وتسويق فكرة أن أمن البلاد أهم من أى متغير آخر وبناء عليه يتم تسويق نجل الرئيس مبارك عنا ببعيد، وأما مسألة تعديل الدستور بما يخدم مسألة التوريث فقد كفانا الحديث عنها معظم المحللين الشرفاء.
والغريب أن الذى يسعى نحو التوريث عليه- حسب قواعد المنطق- أن يتقرب إلى الناس لا أن يسحل قضاتهم، ويغرق فقراءهم، ويحرق مواطنيهم، ويرمى بعضهم من طوابق عليا، ويعتقل الشرفاء، ويبيع بنوك بلادى وغيرها، ويهدد الأمن القومى لبلادنا، وغير ذلك!! لكن ماذا نقول؟! إنه العمى الممزوج بالفُجْرِ والغباء.
أيها ينتصر الغباء أم الطغيان؟
النتيجة الطبيعية لغبائه تجعل النظام الحاكم يفشل فى ما يريد أو النتيجة الطبيعية لطغيانه تجعله قد ينجح فيما يريد رغم ما فى داخل الناس من بركان غضب، ونكرر أنه ليس فى مصلحة نجل الرئيس، ولا حتى الصهاينة، ومعهم الأمريكان أن يحكم بلدا كبيرا كمصر- بما لها من تاريخ وما يثقل كاهلها من مشكلات ترقى للكوارث - امرؤ كنجل مبارك فمصر أكبر من نجل مبارك، وتثقلها مشكلات لا يقوى عليها نجل الرئيس، وحدوث التوريث ينذر بكارثة لا محالة حتى وإن وٌئدت مؤقتا تحت ضغط القهر والاعتقالات، فلا شك أن الأحداث لا تبعث على التفاؤل لا سيما وأن هذا النظام يلعب بالنار فى هذا الوطن.
ربما تكون هناك قناعة لدى كثير من عامة الناس فى بلادى بصعوبة وقف التوريث لكنهم يؤكدون - والتاريخ يؤيدهم- أن استمرار واستقرار الأوضاع بعد ذلك أمر مشكوك فيه، وإن كانت صورة تفجر الأوضاع غير واضحة الملامح الآن، ولست أستبعد أن تكون هذه الصورة - شديدة القتامة- واضحة أيضا للغرب ومن ثم فهو يستعد بالبديل الذى يخفف درجة الاحتقان فى الشارع المصرى، وما حديث السفير الأمريكي عن بديل مبارك مذ أيام قلائل خلت حسبما أشارت بعض الصحف إلا نذيرا بأن القلق يكتنف الغرب أيضا.