في الوقت الذي كانت فيه لجنة أغرنات تبحث في اخفاقات حرب أكتوبر 1973، كان غائبا عن ذهنها تماما موضوع الحسابات السياسية الاستراتيجية لحكومة غولدا مئير. ولم يكن ذلك صدفة. فقد خلا كتاب تعيين اللجنة الذي اصدرته لها الحكومة، من أية اشارة الى الموضوع السياسي وبإمكان اللجنة أن تقول إن هذا الموضوع ليس من صلاحياتها. ولكن هذا ليس السبب الوحيد، فاللجنة، مثل غيرها من المسؤولين، انطلقت في تحقيقاتها من المفاهيم الاسرائيلية التي كانت وما زالت سائدة حتى اليوم، باعتبار ان الفشل في الحرب نجم عن «أخطاء» في التكتيك العسكري وليس عن أخطاء في الرؤية الاستراتيجية.
فقد ركزت على الاستعدادات للحرب، ولم تبحث في أسباب نشوبها. لم تفحص ما إذا كان بالامكان منع حرب أكتوبر بالوسائل السلمية. ولم تسأل عن سبب تشبث الحكومة بالخيار العسكري. (بالمناسبة، فإن هذا هو الأمر نفسه الذي تميزت به أيضا أبحاث لجنة فينوغراد للبحث في اخفاقات اسرائيل في الحرب في لبنان. فهناك أيضا لم يسألوا عن امكانية منع الحرب، مع أنهم توصلوا الى قناعة بأن الجيش هو الذي جرّ الحكومة إلى الحرب).
وقد شغلت هذه القضية العديد من الباحثين فيما بعد. ورأى دافيد أربل وأوري نئمان، في كتابهما «ذنب بلا غفران»، ان الحكومة الاسرائيلية من جهة والإدارة الأميركية من جهة ثانية، أظهرتا حرصا واضحا في التهرب من الدخول في عملية سياسية قبل الحرب. وهما يطرحان هذا الموقف من باب الاتهام بأنه حتى في نقل البلاغ الى الولايات المتحدة الأميركية بشأن الاستعدادات الحربية المصرية ـ السورية والطلب الاسرائيلي منها أن توجه رسالة طمأنة وتهديد مبطن الى كل من مصر وسورية والاتحاد السوفياتي، انطوى الأمر على اهمال. يذكر ان وزير الدفاع الاسرائيلي، موشيه دايان، كان قد اعترض على ارسال رسالة كهذه، لأنه كان يخشى من أن تفهم واشنطن بأن اسرائيل في موقف ضعيف، وهو الذي يعتقد بأن الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل لأنها القوة الأولى في الشرق الأوسط ، كما كان يخشى من قيامها بالضغط لمنع الحرب. فهو ببساطة معني بهذه الحرب، للأسباب التي عددناها في حلقة سابقة. ولكن في نهاية المطاف أقنعته رئيسة الوزراء، غولدا مئير، بضرورة ارسال الرسالة من أجل تبرئة اسرائيل أمام العالم والقول انها حاولت منع الحرب. ولكن اتفق على أن ترسل بالقنوات الدبلوماسية العادية، من دون حاجة لطلب لقاء خاص بين ابا ايبان وكيسنجر.
ويتضح فيما بعد ان ايبان أيضا لم يكن مرتاحا لطلب لقاء عاجل مع كيسنجر، خصوصا أنه كان قد التقى كيسنجر فقط قبل يوم واحد. وكتب ايبان في مذكراته ان كيسنجر معروف بعصبيته ولن يقبل بارتياح أن يعقد معه لقاء طارئا على هذا النحو فقط لكي يبلغ بأن عليه أن لا يقلق من خطر حرب مصرية ـ سورية على اسرائيل. وهكذا، فقد اكتفوا بالرسالة. ولكن ايبان يكتب في مذكراته منتقدا حكومته على الغاء اللقاء، ويقول ان الغاء اللقاء كان خطأ، إذ ان لقاء كهذا كان سينتهي حتما بخطوات اجرائية من كيسنجر لمعرفة ما جرى.
ويتضح من الحوار في لجنة التحقيق بأن الرسالة خرجت من اسرائيل في الساعة السادسة من مساء الجمعة 5 أكتوبر (ما يعادل الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم نفسه حسب توقيت واشنطن)، ولكنها وصلت الى القائم بأعمال السفير الاسرائيلي في واشنطن في الرابعة والنصف بعد الظهر، أي بعد أربع ساعات ونصف الساعة. وحسب شهادة وزير الخارجية الاسرائيلي، أبا ايبان، الذي كان يومها في نيويورك، فقد مضت ساعة أخرى حتى وصلت اليه هذه الرسالة.
لكن الأنكى من ذلك، يقول ايبان، انه والقائم بالأعمال لم يعتريهما القلق من فحوى الرسالة. فالتقرير الذي أرفق بها من شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي يقول بوضوح ان التقديرات الاسرائيلية تقول ان هذه التحركات الحربية ناجمة عن خوف مصر وسورية من هجوم اسرائيلي. وتقول ان مغادرة الخبراء الروس بشكل مهرول انما يعبر عن أزمة في العلاقات بين مصر والاتحاد السوفياتي.
وتشير تطورات الأمور الى ان وزير الخارجية الأميركي، هنري كسينجر، تلقى الرسالة في الساعة الثامنة مساء، أي في الثانية فجرا حسب ساعة القدس. ويقول الباحثان أربيل ونئمان بان هذا التسلسل يشير الى التناقضات في العلاقات الاسرائيلية مع الولايات المتحدة ـ «فمن جهة، كانت هناك رغبة اسرائيلية في اطلاع الولايات المتحدة على المعلومات حول الاستعدادات الحربية وذلك من أجل الفوز بالدعم العسكري واجهاض الضغط السوفياتي المتوقع والتأييد السياسي لاسرائيل طيلة فترة الحرب وبعدها، ومن جهة أخرى لديها رغبة في طرح المعلومات بطريقة ضبابية حتى تمنع الإدارة الأميركية من استغلال المعلومات لتحريك المسار السياسي بطريقة غير مريحة لاسرائيل».
وفي الوقت نفسه ـ يضيفان ـ ان الأميركيين والسوفيات نظروا الى الأمور بنفس المنظار. وكلاهما لم يبذلا جهدا خاصا لمنع التدهور الحربي في المنطقة، على الرغم من أن مثل هذا التدهور قد يدفعهما الى صدام. ويتابعان: «في صبيحة اليوم التالي، السادس من أكتوبر، عندما طرحت رسالة غولدا مئير على طاولة كسينجر وفيها تبشر بالحرب العتيدة، فقد تصرف بطريقة لا تشير الى انه في حالة استعجال. وهناك سببان لذلك: الأول ـ انه آمن بأن اسرائيل ستضرب المصريين والسوريين وهذا بالتالي سيخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية. والثاني ـ انه، أي كيسنجر، أدرك بأنه إذا توجه الى الاتحاد السوفياتي ليطلب من «زبائنه» العرب ان يمتنعوا عن اشعال الحرب، فإن هذا الطلب سيكون له ثمن لا يبدي استعدادا لدفعه في الوقت الحاضر. كما ان الرئيس السوفياتي، ليونيد بريجنيف، عرف عن الحرب قبل يومين من وقوعها، وهو أيضا لم يفعل شيئا مع زبائنه لمنعها أو الولايات المتحدة لتقليص حجم أضرارها».
ويؤكد وزير الخارجية، أبا ايبان، في مذكراته هذه الصورة ولكن بشكل غير مباشر، حيث يكتب بأن «كيسنجر بدا هادئا (اثر قراءته التقارير الإسرائيلية والأميركية عن الوضع الأمني في الشرق الأوسط)، مع انه كانت لديه شكوك في امكانية أن تستطيع اسرائيل مواصلة التمتع لفترة طويلة بحالة وقف اطلاق النار الثابت واستمرار الاحتلال والارتياح من غياب ضغط دولي. ولذلك فقد لخص الأوضاع في المنطقة وقال لي: «إذن، في القريب توجد لديكم انتخابات. وفي اكتوبر لن يحدث أي شيء درامي. هل تستطيع أن تكون هنا مرة أخرى في شهر نوفمبر؟ عندي قناعة بأن وزير الخارجية المصري سيكون هنا هو أيضا. وأنا كنت أرغب في أن تأتيا الى واشنطن لكي نستطيع البحث في امكانية اجراء محادثات».
ويضيف أبا ايبان بأنه ارتاح من طرح كيسنجر، أولا لأنه ينوي تحريك المسيرة السلمية مثله وهذا يعبر عن دعم لموقفه الشخصي المعارض للحرب، وثانيا لأنه وجد لديه قناعة بأن المفاوضات يجب أن تبدأ مع مصر وليس مع سورية أيضا، وهذا مريح أكثر لإسرائيل ـ «فالثمن هنا سيكون في سيناء، ومن السهل تمرير تنازلات في سيناء بين صفوف الرأي العام الاسرائيلي». وقلت له انه في حالة فوز حزبنا في الانتخابات القريبة فإنني سأعود الى واشنطن في مطلع الشهر المقبل وسأكون سعيدا لدفع مفاوضات السلام الى الأمام». ويوضح ايبان انه خرج بشعور بالغ من الارتياح من لقائه مع كيسنجر لأنه يرى فيه طاقة أمل في كسر الجمود وتحريك المسيرة السياسية، مما يحسن من مكانة إسرائيل الدولية ويوقف موجات العداء لإسرائيل في أفريقيا، التي بدأت بذورها تظهر بوضوح، ويعيد لاسرائيل رصيدها في أوروبا الى سابق عهده، والأوضاع القومية في اسرائيل تهدأ وبدلا من سيطرة الروح العسكرية ستسود رياح السلام.
ويكشف ايبان انه من لقائه مع كيسنجر توجه فورا الى مقر اقامة رئيس ساحل العاج، هوافييه بونييه، أحد أخلص أصدقاء اسرائيل، الذي أعرب عن قلقه من الضغوط التي يمارسها العالم الاسلامي حول مكانة إسرائيل في أفريقيا. واتهم الولايات المتحدة بترك أفريقيا عرضة للنفوذ الاسلامي والشيوعي. وطلب من اسرائيل أن تمارس نفوذها لدى الأميركيين لزيادة الانتباه لهذه القضية. ويروي ان رئيس زائير، موبوتو، أطلق تصريحا في نفس اليوم، حالما وطأت قدماه أرض ميناء نيويورك البحري، قال فيه بصراحة متناهية إن اسرائيل هي دولة صديقة ومخلصة في صداقتها ولكنه ملزم بقطع العلاقات معها. والسبب في ذلك أن العرب هم أخوة واسرائيل صديقة، والناس يستطيعون اختيار الأصدقاء ولكنهم لا يختارون الأخوة. ويضيف ايبان انه واصل لقاءاته مع وزراء خارجية الدول المختلفة، على أمل تحسين العلاقات بينها وبين اسرائيل، وبينما كان في عز لقائه مع نظيره النيجيري ليحاول اقناعه بالامتناع عن قطع العلاقات، جاءته المكالمة الهاتفية التي تبلغه بالرسالة المتوقعة عن الحرب.
وفيما يلي حلقة جديدة من تقرير لجنة أغرنات، الذي يتناول النشاطات السياسية في الولايات المتحدة.
ملحق ب
* خطوات سياسية خارج البلاد يومي 5-6 أكتوبر 40. في الأيام التي سبقت نشوب الحرب وحتى يوم الغفران، مكث وزير الخارجية (أبا ايبان)، في نيويورك ونشط هناك في مقر الأمم المتحدة. حسب أقواله، فإن الحرب داهمته وداهمت وزارته بالمفاجأة، بما يتناقض والتقديرات حول الوضع العسكري (شهادة الوزير ايبان، صفحة 723): لهذا التقدير كان وزن كبير بل حاسم من تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية. فقد كان التوجه بأن احتمالات الحرب ضعيفة وانه في حالة إقدام السادات على البدء بها (الحرب)، فإنه سيتلقى ضربة بحيث تتعاظم قوة الردع عندنا وليس أن تضعف.
وشرح الوزير ايبان للجنة (التحقيق) بأن مصلحة اسرائيل كانت تقضي بالتخفيض من حدة توتر التوقعات بنشوب الحرب. واوضح أنه لا يقصد هنا مسألة الاستعدادات، بل قضية التوقعات السياسية. واقتبس الوزير الأقوال التالية على انها تعبر عن توجهه: «نستعد بيقظة وجدية لكل امكانية خطيرة، ولكننا لا نتجاهل أن تكون هناك حملة تخويف دولية، وهي حملة لا توجب أن نتعاون معها» (صفحة 738). كما انه ذكر النص الذي قدمه كنصيحة الى الذراع الأمنية، الافتراض بأن حربا ستقع، و(نصيحة) إلى الذراع السياسية بالافتراض أن هناك امكانية لمفاوضات سلام (صفحة 738).
وحسب أقوال الوزير فإنه حتى الرابع من أكتوبر، فإنه حتى الولايات المتحدة الأميركية لم تكن واعية لأزمة قريبة. ففي اليوم نفسه جرى الحديث مع د. كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، د. هنري كسينجر)، عن اجراء بحث بين وزير الخارجية حول الخطوات القادمة، عندما يصل السيد ايبان الى نيويورك في المرة القادمة. والهدف كان أن يتم ذلك في فترة ما بعد الانتخابات العامة في اسرائيل، والتي كان مقررا أن تجري في نهاية أكتوبر، حيث سيتواجد في الولايات المتحدة أيضا وزير الخارجية المصري، د. زيات (رسالة وزير الخارجية الى لجنتنا من يوم 74. 1. 29).
41. في ساعات الصباح الباكر من يوم 5 أكتوبر، حسب ساعة نيويورك، وصلت الى السيد مردخاي شيلو، القائم بأعمال السفير الاسرائيلي في واشنطن (السفير سمحا دنيتس، تواجد آنذاك في إسرائيل بسبب وفاة والده)، برقية سرية للغاية (وثيقة البينات 89\أ)من مردخاي غزيت، مدير عام ديوان رئيس الوزراء، كانت قد أرسلت من القدس في الساعة 11:40 قبل الظهر حسب توقيت اسرائيل، وهذا نصها: «بعد مدة ما ستصل اليكم برقية تلزم بلقاء طارئ مع (وزير الخارجية الأميركي). استوضح أين هو موجود. في نيويورك أو عندك. أبلغ الأمر لوزير الخارجية. فإذا كان في نيويورك، انضم اليه في هذا اللقاء. فإذا كان في واشنطن، التقه وحدك. اللقاء يجب أن يكون مختصرا، فقط أنت وايبان. يجب إجراء اللقاء في ضحى هذا اليوم».
السيد شيلو أبلغ الوزير ايبان فورا بنص البرقية. في المحادثة (بينهما) افترض السيد ايبان أن يكون الموضوع يتعلق بالوضع الأمني، وإلا فلماذا يجب أن يعقد لقاء آخر وطارئا مع د. كسينجر. مع الاستيضاح، تبين أن د. كسينجر موجود في نيويورك وكان مشغولا في لقاءات مع وزراء الخارجية، ولا مجال لتحديد ساعة محددة للقاء بينه وبين الوزير ايبان. ولكن تم الاتفاق على انه حال وصول المادة، يرفع السيد ايبان سماعة الهاتف وحسب المضمون (مضمون البرقية) يجدا لهما وقتا للقاء أو الاتصال. مرت كل ساعات الصباح ومعظم ساعات بعد الظهر والمواد لم تصل. مساعدو د. كسينجر سألوا إن كانوا ما زالوا يطلبون المحادثة، إذ أن د. كسينجر سيكون مشغولا في المساء. وقد اقترح المساعد العسكري للدكتور كسينجر، الجنرال سكوكروفت، الذي تواجد عندئذ في واشنطن وهو جنرال يتمتع بمكانة عالية في البيت الأبيض والمساعد السياسي والعسكري لكسينجر في البيت الأبيض (شهادة رئيسة الحكومة، صفحة 4502)، وشخصية (أخرى) ذات مكانة هامة، اقترح باسمه وباسم د. كسينجر، بأن يتم تحويل المواد اليه حالما تصل، وهو سيعرف كيف يجد كسينجر في أية لحظة يحتاجونه فيها (شهادة الوزير ايبان، صفحة 742).
في النهاية وصلت البرقية من البلاد، في الساعة 17:30 حسب ساعة نيويورك، وفقا لشهادة الوزير ايبان (صفحة 742). وفي برقية السيد شيلو الى السيد غزيت في الساعة السادسة يبلغ «لقد تلقيت البرقية كاملة في الساعة 16:30» (وثيقة البينات رقم 268)، ونفهم بأن الساعة 17:30 هي الساعة التي سمع فيها السيد ايبان في نيويورك عن البرقية. البرقية أرسلت بهلع من السيد غزيت الى السيد شيلو في الساعة 18:10 حسب توقيت اسرائيل (*) وهذا نصها (وثيقة البينات رقم 267): «رئيسة الحكومة تطلب ما يلي: 1ـ هذا بلاغ (الى د. كسينجر). الرجاء توصيل مضمونه حرفيا وبدقة». وفي ما يلي مضمون البلاغ، وأهم ما جاء فيه:
«(1) المعلومات المتوفرة لدينا ألزمتنا بان نأخذ بالاعتبار بأن تشكيلات قوات العدو ناجمة عن دافعين: أـ تقدير بريء من طرف إحدى الدولتين بأننا ننوي مهاجمة كلتيهما أو واحدة منهما. ب ـ نيتهما، أو نية إحداهما، لمهاجمتنا.
(2) إذا كان هذا التطور ناجما عن خوفهما من عملية نقوم بها نحن، فإن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة قطعيا. اننا نريد أن نتعهد له شخصيا بأنه لا توجد لدى اسرائيل أية نية للبدء بعملية عسكرية ضد سورية أو مصر، بل نحن على العكس، ننشد المساهمة في تهدئة التوتر العسكري في المنطقة. لذلك فإننا نريد بوساطته (بوساطة د. كيسنجر) اللطيفة أن يبلغ العرب والسوفيات عن توجهنا، بهدف تبديد مخاوفهم واعادة الهدوء الى المنطقة.
(3) إذا كانت سورية أو مصر تنويان مهاجمتنا، فإن من المهم التوضيح لهما سلفا بأن اسرائيل سترد بشدة وبقوة كبيرة. نريد أن يوصل هذا الى العرب والسوفيات في القنوات المتوفرة لديه.
2ـ بشكل منفرد.. ستحصل على توجيه وتقارير استخبارية .. سلّمّ هذا التوجيه خطيا (الى د. كسينجر)..».
السيد شيلو طلب لقاء مع الجنرال سكوكروفت في واشنطن وسلمه البرقية وكذلك التقديرات الاستخبارية. الجنرال رد بشكل (بدا منه) «كمن ارتاح»، واضاف بأنه طلب في اليوم نفسه مرتين الحصول على تقديرات استخبارية من عناصره وأن التقدير قال إن مسألة العمليات العربية هي قضية دفاعية (شهادة الوزير ايبان، صفحة 745). وقد أرسل رد الجنرال سكوكروفت الى البلاد، والوزير ايبان ذهب ليصلي صلاة النذر (وهي الصلاة الجماعية التي يقيمها اليهود عشية كل يوم غفران من السنة وفيها يبتهلون الى الله سبحانه وتعالى أن يلغي النذور التي قطعوها على أنفسهم ولم يستطيعوا ايفاءها بسبب النسيان او الخطأ). وقد افترض بان كسينجر سيبلغنا بعد يوم أو أية فترة أخرى من تسلمه الرسالة بما يقوله السوفيات أو السوريون أو المصريون عن الموضوع.
42. في صبيحة اليوم التالي، 6 أكتوبر، في الساعة 6:20 حسب ساعة نيويورك، تلقى الوزير ايبان برقية من الوزير غليلي (وثيقة البينات رقم 88)، كانت قد أرسلت في الساعة 10:15 حسب ساعة اسرائيل، وبموجبها اننا نقف على عتبة بداية هجوم منسق بين مصر وسورية في المساء نفسه، هدفه هضبة الجولان وعبور القنال، والأردنيون لن يشاركوا فيه. وأن هناك تركيز قوات بتشكيلات دفاعية هجومية. سفير الولايات المتحدة استدعي الى رئيسة الحكومة في الساعة العاشرة صباحا. وحسب أقوال السيد ايبان فإن ذلك كان بمثابة انعطاف حاد عن الرسالة التي تلقاها في صباح اليوم السابق (صفحة 742). في الساعة 6:30 أو 6:20 اتصل السيد ايبان هاتفيا مع د. كسينجر في فندق وولدوف-استوريا الذي ينزل فيه، فأخبره هذا بأنه بدأ يتلقى مقاطع من محادثة رئيسة الحكومة مع سفير الولايات المتحدة (في تل أبيب)، كيتينغ. لقد ساد الانطباع لدى ايبان بأن د. كسينجر لم يتخذ إجراء في أعقاب الرسالة من اليوم السابق، فاقترح على كسينجر أن يعمل الآن على توضيح أهدافنا ويمنع الهجوم العربي. د. كسينجر من جهته اقترح أن يتصل ايبان مع الأمين العام للأمم المتحدة، د. (كورت) فالدهايم. وبالفعل، توجه د. كسينجر الى وزير الخارجية السوفياتي ووزير الخارجية المصري في حوالي الساعة 7:00 - 7:15 (توقيت نيويورك) وأبلغ السيد ايبان بان السفير السوفياتي أعطى جوابا متهربا فيما ادعى المصريون بأن اسرائيل تهاجم في السخنة، وهو ادعاء بلا أي أساس. وقال د. كسينجر إنه لا يؤمن بأننا يمكن أن نفعل امرا كهذا، ولكنه طلب بالحاح أن يحصل على رد من رئيسة الحكومة، لأنه لا يريد الاعتماد على تخمينات بل على نفي. واتصل السيد ايبان برئيسة الحكومة في حوالي الساعة 7:30 وهي نفت بالطبع المسالة بشكل قاطع. وبعد ذلك وعلى الفور هاتف السيد ايبان أيضا مدير مكتبه، السيد كدرون، في الساعة 8:00 حسب ساعة نيويورك، الساعة 14:00 بالتوقيت الاسرائيلي، فقال له ان الهجوم قد بدأ قبل عشر دقائق. وتكلم السفير (الاسرائيلي في الأمم المتحدة، يوسف) تكواع مع د. فالدهايم، فأجابه بأنه يفتش عن المصريين والسوريين.
43. من المذكور أعلاه يتضح بأن مهمة السيد ايبان لم تسفر عن نتيجة كما أرادت رئيسة الحكومة، لأن الرسالة والتقرير المرفق بها لم تسلم بتماس مباشر بين وزير الخارجية ود. كسينجر، الذي كان وقتها مثل ايبان في نيويورك. ويتضح أيضا بأن د. كسينجر، لم يعمل في نهاية المطاف بالوقت الملائم، كما أرادت رئيسة الحكومة أن يفعل، أي ان يوضح للمصريين مباشرة أو عن طريق السوفيات، بأنه لا يوجد لدينا هدف هجومي ولكننا سنرد بقوة إذا هوجمنا. ولكن أيضا، تم ارفاق الرسالة بالتقرير الاستخباري (وثيقة البينات رقم 269، أنظر لاحقا البند 49 ي)، الذي كان من المفترض انه مهدئ بالأساس ولم يكن فيه ما يعطي الشعور بأن هناك ما هو ملح ومقلق بشكل آني، لا بالنسبة للدكتور كسينجر ولا للسيد ايبان. ولكن في الظروف الناشئة من حول تسليم الرسالة والتقرير، كان حسنا من السيد ايبان لو انه تصرف بروح المهمة وسعى للاتصال مع د. كسينجر، ولو هاتفيا، حالما سلمه السيد شيلو المواد، وذلك لكي يضيف الى الرسالة قيمة (أكبر) بفعل وزنه الشخصي. فبهذا كان ممكنا منع الشعور بالشك، حتى لو كان شكا شحيحا، بأن تصرفا كهذا كان سيحفز د. كسينجر على التوجه الى الروس في اليوم نفسه (**).
(*) حسب رأينا من المحبذ أن يفحص ديوان رئيسة الوزراء ووزارة الخارجية لماذا يحتاجون وقتا طويلا كهذا حتى تصل برقية هلعة ويتم فك رموزها. (**) نشير في هذا السياق الى أقوال السيد ايبان للجنتنا في يوم 29.1.74 : «عندما سافرت مع د. كسينجر بالسيارة الى مطار اللد، خلال زيارته في البلاد يوم 16 كانون الثاني 1974، بادر (كسينجر) بنفسه الى إعلاء بعض الذكريات. فقد قال: «أتدري، لقد خلدت للنوم في 5 أكتوبر 1973 بقلب هادئ. فالمواد التي نقلتموها إليّ كانت مطمئنة. صحيح ان السيدة (غولدا) مئير تطرقت لاحتمال حرب بسبب حشد القوات، إلا ان ذكر هذه الامكانية، الذي بدا لي معدوم التأكيد (unemphathic - (غير حاسم))، أجهض بواسطة التقرير الاستخباري الذي أعطى تفسيرات أخرى للحشودات (العسكرية). وليس هذا فحسب، بل انني كنت قد طلبت تقديرات مستقلة من مصادر استخبارية أميركية في اليوم نفسه، فقالوا انها تشكيلات «دفاعية» في سيناء والجولان. في نهاية المطاف فكرت بأن أجري شيئا من جس النبض لدى السوفيات والمصريين في اليوم التالي، لكن حصيلة المواد التي أرسلتموها من القدس لم تكن لتصلح أساسا لخوف عاجل عندي».