آخر الأخبار

الحكّام اللصوص

عندما يقرأ الباحث كتبا من قبيل الإمامة والسياسة و الكتب الفقهية التي عالجت موضوع الحاكم و وليّ الأمر والشروط التي يجب أن يستوفيها هذا الوليّ يكتشف كمّا هائلا من الشروط التي يصعب على كائن من كان أن يستجمعها , و من هذه الشروط أن يكون ولي الأمر متقيّا زاهدا , مقبلا على الآخرة , مدبرا عن الدنيا , فقيها عالما بشؤون دينه ودنياه , لا يقترف الكبائر ولا يصّر على الصغائر , عادلا غير متكبّر ويعيش عيشة أفقر شخص في رعيته .

وحتى القوانين الوضعية تلزم الحاكم أن يكون نظيف اليد ويجب أن يصرّح بممتلكاته كافة حتى لا يسخّر قوّة السلطة في سرقة أقوات العباد , والمفارقة الكبيرة أنّه ولدى إسقاط شروط الإمامة والرئاسة وولاية الأمر في شقيها الشرعي والوضعي على حكامنا المتقدمين والمتأخرين نجد أن لا أحد يستوفي هذه الشروط ولا أحد يستجمعها .

وحتى لا نفرّ إلى الجدل حول الطبقة السياسية الرسمية الحاكمة في الماضي بإعتبار تضارب الروايات , نبقى في الحقبة الراهنة بإعتبارنا شهودا عليها وبين أيدينا عشرات النماذج من حكّام المشرق العربي ومغربه .

فحكامنا الراهنون وولاة أمورنا كلهم كان فقيرا معدما , العسكري منهم و الأمير , فحكام العسكريتاريا وصلوا إلى السلطة وهم لا يملكون حتى ثمن علبة لفافات , و الحكام الملوك المماليك وصلوا إلى السلطة قبل فورة النفط وقبل إكتشافه في بعض الدول النفطية .
والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه ها هنا كيف تجمعّت كل هذه الملايير من الدولارات لحكامنا وملوكنا !

فلو كان دخل الواحد منهم مليون دولار شهريا لما تمكنّ من جمع مليار دولار , و نحن هنا نتحدث عن ثروات تفوق الأربعين مليار دولار لبعض حكامنّا .

فهذا الحاكم يملك عشرين مليار دولار و إبنه عشر ملايير دولار , و هذا الملك يملك خمسين مليار دولار غير العقارات والفنادق و الأراضي والبورصات وأبناؤه يملكون نصف هذا المبلغ على الأقّل , و هذا الرئيس المفدى يملك عشر ملايير دولار و إبنه يملك في بورصة لندنية واحدة ستمائة مليون دولار , و هذا الثائر يملك نصف المساعدات التي كانت تقدّم لشعبه وتذهب إلى حسابات خاصة به , و أرقام باقي الملوك والرؤساء و أولادهم تنأى بحملها الجبال .

لكن كيف تجمعّت هذه الثروات لحكامنا وملوكنا وأمرائنا وولاة أمورنا !

بصراحة وبدون مزايدة إنّهم لصوص وسرقة ومصاصو دماء شعوبهم المستضعفة , لقد سرقوا أموال النفط والغاز وجعلوها محاصصة بينهم وبين أولادهم و زوجاتهم و أبناء عشيرتهم وعوائلهم , وهم يقتطعون من أموال النفط ما يحلو لهم ويوزعون على أولادهم ما يطيب لهم منذ نعومة أظفارهم وإلى أن يرثوا الحكم والثروة من آبائهم .

وبفضل الأموال التي تجمعت لهم من السرقات واللصوصية إشتروا أسهما في البورصات الدولية و تحالفوا مع كبريات الشركات الغربية لتدير لهم حركة السيولة والمال في بلادهم فشيدت لهم هذه الشركات فنادق ومؤسسات خدماتية كانت تعود عليهم بالنفع وطبعا كانوا يغلفون كل ذلك بإنّها إنجازات الوطن .

وهم لم يسرقوا أموال النفط والغاز التي هي ملك للأمة بحكم نصوص السماء والأرض , بل سرقوا الأراضي و الصحاري و المياه الإقليمية , و إحتكروا التجارة الداخلية والخارجية , ففي كل تجارة لهم أسهم , و بكل بنك ومصرف لهم صلة , و حتى الشركات الغربية التي ترسو عليها مناقصات المساهمة في بعض الإنشاءات الوطنية تدفع عمولتها لهذا الحاكم أو هذا الأمير .

وقد نجح هؤلاء الحكام في مخادعة شعوبهم حيث يمارسون فعل اللصوصية والسرقة بطريقة ذكية , وبإعتبارهم السلطة العليا و المشرفين على مقدرات الدولة , فلا أحد يرد لهم طلبا , و هناك رئيس لحكومة دولة عربية كان يملك عشرات الشركات مسجلة بأسماء أبنائه وأقربائه وكانت هذه الشركات تنفّذ أعمالها بقروض كبيرة تحصل عليها من الدولة نفسها وبدل أن يتم تفعيل شعار من الشعب وإلى الشعب , يتم العمل بشعار من الشعب وإلى الحكام , وبهذا الشكل أيضا يتاجر الحكام بأموال الشعب المدخرّة في البنوك , وبهذا الشكل أيضا تكبر ثروات الحكام دون أن ينطلقوا من خالص رأسمالهم .

كما أنّ الحكام اللصوص وإحتكارا للتجارة الخارجية فإنّهم يمنحون تراخيص الإستيراد للبضائع التي فيها فائدة قصوى لأبنائهم أو وكلائهم وكل من يفكر في ممارسة نفس التجارة من المواطنين توضع أمامه آلاف العراقيل البيروقراطية القاتلة .

وحتى لا يساءل الحاكم العربي والأمير العربي عن أمواله و كيفية جنيه لها و حتى لا يقال صراحة إنّه يسرق بصريح العبارة , أوجد له المستشارون القانونيون مخرجا قانونيا أسموه مقتضيات صرف الحاكم , و هيّ أرقام خيالية يتصرف بها بدون حساب وخارج الميزانية العامة المكشوفة .

وبفضل هذه السرقات و تنوع طرائقها تحول حكامنا العرب إلى طغاة حقيقيين يعيشون حياة باذخة لا وجود لها لا في تارخنا ولا في راهننا , بدءا من القصور التي يسكنونها و طريقة الحياة فيها حيث كثرة الخدم والعسس والمخنثين , وقد دعاني أحدهم ذات يوم إلى مأدبة غذاء , فهممت بنفسي - ونحن حول مائدة الطعام الفاخرة - لأصبّ الحساء في وعاء و فقال لي : رجاءا لا تحرّك يدك , هناك خدم يقومون بهذه العملية , فعجبت عندما دنا مني شاب مخنّث حليق الحاجبين ليصبّ الحساء , ثمّ قال لي هذا الطاغي مشيرا إلى الكرسي الوثير الذي كان جالسا عليه : هذا الكرسي - يقصد كرسي الملك - كحريمنا من نافسنا فيه قاتلناه , وعلم الله بعد أن غادرت قصره تقيّأت كل ما أكلته لأنّه من أقوات الأمة التي أبتليت بحكام سارقين .

وإذا كان قانون السماء والأرض ينصّ على ضرورة أن يكون الحاكم زاهدا نظيف اليد , فما هي الصفة التي تنطبق على حكامنا الراحلين و الأحياء , هل هم لصوص أم قاطعو طريق أم مصاصو دماء ونفط , سؤال برسم من تكدست حساباتهم الجهرية والسرية , الدولية والمحلية بأقوات الفقراء