كان العام 1944-1945 من أسوأ الأعوام التي مرت في ذاكرة جبال العلويين ,وستبقى حكومة جميل مردم بك في الضمير الجماعي لسكان هذا الجبل كأحد أسوأ العهود التي مرّت عليه في تاريخه
والذي أعاد اليه ذكريات مريره من الحكم العثماني وحكامه من أمثال ضيا باشا , الى درجة أنه أصبح يجد بالمقارنه أن معاملة المستعمر له كانت المعامله الانسانيه بذاتها.
يحضرني هنا أبيات للشاعر الكبير عمر أبو ريشه في قصيدته المشهوره أمتي :
أمتي هل لك بين الأمم :::::منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق:::: خجلا من أمسك المنصرم
أمتــي كم صنـم مجدته ...لم يكن يحمل طهر الصنــم
لا يلام الذئـب في عدوانه... إن يك الراعــي عدو الغنـم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما .... كان في الحكم عبيد الدرهــم
......
الى أن يقول:
كيف تبني أمة عزتها::::وبها مثل جميل المردم
ان أرحام السبايا لم تلد:::مجرما مثل هذا المجرم.
اذ اقترف الدرك السوري أعمالا يندى لها الجبين ووصل به الامر الى درجة أن ألقى يوما في احدى قضاء جبله بإمرأه وأطفالها في أتون[ تنور] فرن.
بقي أن أوامر جميل مردم جعلت الجنود يتصرفون وكأنهم في بلد محتل.
وانحصرت مهمة قوات الدرك في مداهمة القرى عند الفجر والقاء القبض على كل ذكر تجاوز السادسة عشرة وجمعهم في ساحة القريه لاشباعهم ضربا بأعقاب البنادق بحجة وجود أسلحه غير معلن عنها في القرية.
ولم يتورعوا عن الاعتداء على الأعراض في حملاتهم تلك..وليست قصة شاهين الا واحده من قصص نجمت عن اعتداءات مماثله وتصرفات شوهاء بحق الناس بلا تمييز صغارا وكبارا, اذ أقدم رئيس مخفر للدرك على اهانة ومحاولة اغتصاب زوجته بغيابه .
كان شاهين معروفا بأنه من أمهر الرماة ومشهورا بفتوته وشهامته..
وعلم شاهين عند عودته باعتداء الدرك على زوجته, فتناول بندقيته وداهم مخفر الدرك وقتل جميع عناصره..
ولما سمعت الحكومه أرسلت في اثره , فلجأ الى البراري والأحراش ,
نجح شاهين بما لديه من خبره عسكريه سابقا وبما لديه من مهارة في الرمي بصد جميع المحاولات لالقاء القبض عليه.
وأوقع في صفوف الدرك خسائر كبيره ..
الى هنا ربما كانت الأمور تسير بشكل عادي , الا أن نقطة التحول في القصه هي التحاق بعض الشباب به واتضح أن الأمور آخذه بالتحول الى ثوره جماعيه ضد ظلم واضطهاد الدرك المتمادي والمستمر وكان أن نجح أبو علي والمجموعه الصغيره معه في هزيمة قافلة كبيره للدرك في موقع الشيخ غضبان على طريق حماة -مصياف .
ازداد اعجاب الناس به وبدأ يصل صدى فشل الدرك في القاء القبض عليه الى شتى الأنحاء,
وبدأ الشعب المقهور ينظر الى أبو علي شاهين كبطل أسطوري لا يقهر أرسلته السماء ليثأر لهم من سلطه جائره مستبده-
وانتشرت في أنحاء الجبل الأغاني التي تمجد بالبطل وتهزأ بالسلطات ..
ومنها:
يا بو علي شيهين :::: يا بو مرتين الماتي
حيجي تقتل بالدرك ::: الماتو بعد المماتي
............
يا بو علي ياشيهين ::: رفرف بجناحك وطير
طير وعلّي عن هالأرض::: الملياني ظلم وتعتير
.......
انتبهت السلطات أنها اذا لم تنجح بالقبض على شاهين أو قتله فسيمتد تأثيره الى مناطق أخرى في الجبل مما يهدد بثوره عامه..
وبعد أن أعيتها الحيله لجأت الى الخداع , اذ أغرت آل الشللي في عين الكروم حيث كان أبو علي في ضيافتهم .وتم ابلاغ الدرك بوجود أبو علي في منزلهم فتم تطويق المنزل بعدد كبير منهم..وتم القاء القبض عليه .
وزاد من اعجاب الجماهير لشاهين أنه لم يهن ولم يستسلم , بل أخذ غدرا وتحمل كل أنواع التعذيب التي فاقت كل وصف برجوله دون أن يستجير .
وتوجه الى ساحة الاعدام في الشيخ ضاهر في اللاذقيه بكل رباطة جأش ولم يطلب شيئا ..
وأمام رد الفعل الشعبي , والآمال والمشاعر الدفينه التي أطلقها تمرد شاهين , تيقظت الحكومه في دمشق الى خطورة الأمر والى حجم مشاعر الحقد الدفينه ..فرأت أن تحاول امتصاص هذه المشاعر وتخفف من وقع الاحداث وقررت, لأول مرة , أن تحتفل بثورة الشيخ صالح العلي عام 1945 في الثامن والعشرين من نيسان , انما على مستوى المحافظ فقط وبغياب كبار المسؤولين في دمشق .
من الجدير ذكره أن السينما السوريه الفتيه قد أخرجت فيلما عن حياة شاهين بعنوان الفهد عن رواية لحيدر حيدر في بداية السبعينيات وقد لعب دور أبو علي الفنان القدير أديب قدوره.