آخر الأخبار

ثالوث الظلم

إن الظلم الواقع على هذه الأمة و مقدراتها و بكل زخمه و صوره وأشكاله المتعددة والمختلفة و في كل نواحي الحياة، والذي يعكسه و يجسده ويملك أدوآته ويتحكم في قواعد اللعبة فيه، هو ذلك الثالوث الذي يجتمع أحياناً وبكل قسوة فيكون الظلم أعم و أبشع وأشمل، أو ينفصل عن إتحاده الثالوثي و يصبح وحدة مستقلة يتركز ظلمها على مجموعة أو فئة أو طائفة أو دين أو حتى دولة معينة بحد ذاتها. وهذه الأضلاع الثلاثة المسببة لهذا الظلم والقهر والتسلط في مجتمعاتنا العربية هي: الحاكم المحلي وأركان نظامه و أجهزة قمعه ومن ثم العلماء وزمرة الوعظ والإرشاد والمرجعيات وبعض من النخبة المثقفة بكل أطيافها و آخرها السلطة الخارجية أو الأجنيبة سواء كان لها تأثير مباشر على مجريات الآمور والأحداث وتأخذ شكل إحتلال كما هو الحال في العراق و فلسطين أو بشكل غير مباشر ويأخذ طابع إقتصادي أو غيره من أشكال التدخل الأجنبي، وذلك من خلال و بالتعاون مع الضلع الأول في هذه المعادلة الحاكم المحلي وأركان نظامه .

بألإصلاح والجهر بالرأي الأخر ومحاولة النصح والتقويم للنظام الحاكم وأركانه من الداخل يعتبر من المحرمات وهو أيضاً من الخطوط الحمراء - وما أكثرها في أنظمة القمع العربية - ومن يقوم بذلك يعتبر من الخوارج وممن إبتعد عن كتاب الله وسنة رسوله ولم يرضى بحكم ولات الأمر وإطاعتهم - طبعاً في ظلمهم للناس - والعمل على زعزعة الأمن و الإستقرار في البلاد، وكأن هذه البلاد تنعم بالأمن و الأمان والحب والوئام ولا يكدر صفوها سوى هؤلاء القلة القليلة من المهوسين بالدمقراطية وحقوق الأنسان. ومقاومة المحتل جريمة دولية وخروج على الشرعية الدولية وحرب على العالم الحر وقيمه النظيفة وأخلاقه الرفيعة ، حتى أصبح أنين ودموع المكلومين وصوت الثكالى ونحيب المظلومين لا يعجب الظالم ويزعجه و لا بد من إسكاته وكتم صوته وإغتصاب أنينه وتجفيف منابع دموعه إن إستطاعوا الى ذلك سبيلا.

أينما وليت وجهك تجد ظلم من كل الأنواع ومن أبشع الأنواع ومن كل مكان وفي كل مكان ومن الكل وعلى الكل ولكن بنسب متفاوتة تختلف بأختلاف المكان والزمان والدين والإنسان، ويبقى الظالم والمظلوم هو نفسه الإنسان على كل الأوجه و في كل الأحوال.

الظلم والقهر الذي نعيشه وبكل أبعاده وفي كثير من الأحوال نعيشه حياً (لايف) وبالصوت والصورة الملونة وعبر الإنترنت وغيرها من الوسائل الإعلامية، هو صنيعة هذا الحاكم بأمر الله العربي ومن معه ويشاركه الظلم قولاً وفعلاً من أركان نظامه وأجهزة مخابراته، يتبعه في جريمة الظلم تلك علماء هذه الأمة من دعاة و قضاة وشرذمة متثيقفة، وجدت للتغطية على ظلم الحاكم وجرائمه وإلباسه لباس الحق و العدل وتلميع صورته وإصباغها بصبغة شرعية حتى تبقى الغشاوة على عيون العامة وتبقى مصالحهم ودرجاتهم محفوظة عند النظام لأن بقائهم من بقاء هذه الأنظمة الفاسدة أيضاً. وهناك عامل مساعد ومشترك وله تأثير كبير لا يقل عن تأثير شلة علماء السلطان والذي يساعد ويسهل بشكل كبير ظلم الثالوث سابق الذكر، وهو صمت الأغلبية الشعبية على رؤية الظلم من أولئك وعدم تحريك ساكن، وهذه الأغلبية الصامتة لمجتمعاتنا العربية سواء المنتفعة من الحاكم الظالم وبقائه أو الخائفة من هذا الحاكم وبطشه ومعتقلاته، وبالتالي تركن الى السلامة البحتية وعدم التدخل فيما يزعج الحكومة لا من قريب ولا من بعيد.

على الرغم من أن هذه الأغلبية الصامتة تتألم وتنزعج لأوضاعها وأحوال غيرها ومن يقع عليهم الظلم من قبل النظام وأزلامه، ولكن الخوف و الرهبة من قمع الحاكم وإرهابه وعلى مدار السنين والأجيال ومن خلال الظلم المبرمج وحفره في الذاكرة والوجدان وجعله جزء من التصرفات المختزنة في اللاوعي ومطبعوعة في الشعور واللاشعور، وهذا ما يفسر تغاضي المجتمع العربي و العراقيين بالذات و حتى المعتقلين أنفسهم في سجن أبو غريب عن تصرفات الجنود الأمريكان - ذلك لانهم لم يجدوا في هذه التصرفات على ساديتها وبشاعتها، ما يجعلهم يثورون أو حتى يشكون من وعلى هذا الوضع في السجن، لعلمهم الداخلي أن هذا الأمر طبيعي وكان يحدث لهم ولغيرهم منذ وقت ليس ببعيد وعلى أبشع وأقبح من ذلك أيضاً - حتى بعث الله لنا منهم من يصور هذا القهر وهذا الظلم ويظهره للعلن وبعدها نبدأ حيث إنتهى الغير في السب و الصراخ و ضياع الكرامة الخ الخ الخ.

من هنا أعّرج على ظلم ذلك المحتل الأجنبي وقهره لنا وأقول إن ظلم المحتل المباشر - في فلسطين و العراق - هو برأيي نتيجة حتمية تجد لها مبرر من وجود هؤلاء الحكام العرب وما صنعوه في شعوبهم ومن خلال تصرفاتهم، ولذلك وحسب تصنيفي لترتيب هؤلاء الظلمة يأتي ظلم المحتل الأجنبي في الدرجة الأخيرة، وذلك لان ظلم المحتل مشروط بوجود ظلم أولئك وقائم عليه وهو الذي يمنح لظلم الأجنبي شرعية - هذا إذا إعتبرنا أن للظلم مهما كان وممن كان له شرعية - وبقاء وإستمرارية وكذلك يستمد بعض أدوات قمعه من تلك الأنظمة غير الشرعية أصلاً.

و من كان وجوده مرتبط ومشروط بوجود غيره، فرحيله ورفع ظلمه عن الناس مرهون برفع الظلم ورحيل الظالم المحلي عن هذه الأمة. وإقتلاع الحاكم الظالم العربي وأدوات حكمه وبطانته يعني بالضرورة رحيل الأجنبي المحتل وظلمه أو على الأقل محاربته ومقاومته متحرراً من ظلم حاكمه المحلي، وبالتالي يجد لمقاومته شرعية وقوة مستمدة من من كل أطياف الشعب المظلوم المحتل، وبتحرره من ظلم ذو القربى يصبح الشعب حر الإرادة في المقاومة حتى مع بقاءه تحت ظلم الإحتلال الإجنبي الصهيوني ولكنه متحرر - نوعاً ما - من الإحتلال والقمع وبالتالي و للخلاص منه ومن ظلمه.

هذا بالنسبة لظلم المحتل الأجنبي مهما كان وضعه أو شكله أو أدواته ومهما كانت مسمياته، أمريكي أم إسرائيلي أم بريطاني أو غيره من المسميات، ويفقد هذا النوع من الظلم معناه لما سبق من حقيقة مبررات وجوده و كيفية زواله، وبالتالي يصبح التركيز عليه نوع من أنواع إضاعة الوقت و وضع العلة موضع المُسبب لها في إسلوب المعالجة وهذا فعل غير واعي في معالجة المشاكل وكيفية حلها، فكان الأجدر بنا إقتلاع المُسبب للعلة أولاً ومن ثم التوجه وبكل الزخم والطاقة الكامنة فينا لإقتلاع المحتل الأجنبي وظلمه، وتصوير ما فعله المحتل الأمريكي في العراق - بكل بشاعته وظلمه وخاصة على من كانوا في الأصل محور الظلم ووقوده من قبل النظام السابق وأعوانه - على أنه قمة الظلم والعدوان والتباكي على أطلال الماضي وسقوط بغداد في يد المغول الجُدد، يُحتم علنا التصدي لهذا العدوان وظلمه وبكل الأشكال مُتناسين المسبب لهذا الإحتلال ومن شارك من أنظمة قمعية فيه من المحيط الى الخليج، ومتغاضيين عن الظلم والقهر والعدوان من قبل أنظمتهم القمعية وهي في أحسن أحوالها أسوأ من المحتل الأجنبي في ظلمه وقهره. وعملية إقناعنا بأن رحيل المحتل الأجنبي هو غاية المنى وآخر ما نحلم به ونرجوه، وبرحيل هؤلاء الظلمة تُحل كل مشاكلنا ونصبح أمة حرة كريمة نعيش وننعم بحياة كلها سعادة وسلام ورخاء وأمان، بلا ظلم أو ظلام، بلا سجن أو سجان، بلا فقر أو حرمان، بلا خوف أو أحزان.

بإعتقادي أن الظلم الواقع علنا من ذو القربى هو أشد وأفضع من ظلم الأجنبي، وأن كان لا بد لنا من الحديث عن الوضع الحالي والظلم الموجود في بلادنا العربية، فمن الأولى بنا كشف الظلم المحلي وتعريته وفضح أساليبه وطرقه وتصوير وتوثيق كل ما يحدث في سجون الأنظمة العربية ومحاولة رفع الظلم عن كل المظلومين هناك ولا ننتظر عقود أخرى من الزمن ليأتي لنا المحتل الأجنبي ويكشف لنا من خلال ظلمه لنا ما كان يمارس في بلادنا من ظلم حكامنا علينا.

إن ظلم الحاكم العربي وأدوات قهره وقمعه هو الذي يجب علينا التصدي له وفضحه والكتابة عنه وعن تاريخ المظالم في الدول العربية وكشف فضائع هؤلاء الحكام ومن إشترك معهم في جرمهم بحق شعوبهم وما تعرضت له هذه الشعوب من ممارسات بشعة تقشعر لها الأبدان ويجف معها مداد الأقلام وتتجمد عندها الحواس و المشاعر، ويصدمك الواقع أكثر عندما تعلم أن هذه الأفعال ما زالت تمارس حتى يومنا هذا وفي كل الدول العربية على تفاوتها وتنوعها في الممارسة وطرق التفنن بها بين بلد و آخر.

ظلم هؤلاء الحكام و من ورائهم كل أجهزتهم القمعية على أهميته و خطورته، لن أجعله الآن محور حديثي لعددة أسباب أهمها، أنه هناك من هم أكفأ مني وأقدر على الكتابة عنهم وأعرف مني بهؤلاء ومدى ظلمهم وجبروتهم، ومنهم من إكتوى بنارهم وطاله ظلمهم، ومن الناحية الأخرى فقد قيل الكثير وكتب الكثير عنهم خاصة. أما الشيء الآخر الذي يجعل محور كتاباتي لا تنصب على مثل هؤلاء الحكام وتوجيه الإهتمام لمن هو حلقة وصل وربط بين ضلعي ذلك الثالوث من ناحية وبين الأغلبية الصامة، والذي سوف آتي على ذكره لاحقاً. أما عدم الكتابة عنهم - على إهميتها - ذلك لانني تجاوزت ومن زمن هؤلاء الحكام وعملية إصلاحهم أو التصالح معهم أو مع بطانتهم، وخلصت الى نتيجة أن هؤلاء الحكام الفاسدين لا يمكن إصلاحهم أو التعامل معهم وبالتالي لا يمكن أن يرفع الظلم عن المظلومين من خلالهم، كيف وهم الخصم والحكم والظالم والسجان في آن.

أما عملية نقدهم أو الحوار معهم - هذا إذا سمح لك بالحوار معهم - أو نصحهم أو الدخول معهم في عملية إصلاح من الداخل عن طريق العمل القانوني الشرعي الحزبي المعارض أو عن طريق العمل المدني ومؤسساته وإصدار بيانات من خلال منظمات حقوق الإنسان وغيرها، برأيي أن كل ذلك جميل ولكنه ليس الحل وهو على الأعم لن يجدي نفعاً مع مثل هذه الأنظمة وإجهزتها القمعية. قد تنفع تلك الأمور في رفع الظلم عن مواطن أو قد تحّسن شكلاً مظهر الدولة أمام العالم الخارجي ولكنها قطعاً لن ترفع الظلم عن كل المواطنين ولن تحاسب كل من سرق حقوق هؤلاء وسلبهم حريتهم سنين طويلة، فكل تلك الوسائل - هذا أذا أبصرت النور في تلك الدول - لن تُحدث ذلك التغيير المطلوب، لان ظلم الحاكم له جذور ومنابع ومصادر وتاريخ يصعب معها إقتلاعه أو حتى أصلاحه من خلال تلك الوسائل الحضارية السلمية.

والحل الوحيد برأيي هو إستئصال جذورهم وتجفيف منابعهم وسد مصادرهم الشرعية وغير الشرعية وطي صفحات تاريخهم الملطخ بدماء المظلومين أو على الأقل ترحيلهم قسراً عن تلك البلاد وتركها رحمة بهؤلاء العباد.

و السؤال الذي يطرح نفسه علينا: ما هو السبيل لرفع الظلم عن المظلومين والقصاص من الحكام المجرمين بحق الشعب و الوطن و الدين؟

برأيي أن السبيل الى ذلك يرتكز على ركيزتين: الأولى العمل و بكل قوة على تحريك الأغلبية الشعبية الصامتة من خلال تعريفهم و توعيتهم أولاً بحقوقهم و ما لهم وما سوف يكون عليه وضعهم في حالة خلاصهم من هذا الظالم ومن زمرة حكمه، والعمل على تفعيل شعور العامة السلبي بالظلم الواقع على غيرهم، كما لو أنه واقع عليهم هُم، وترك السلبية واللامبالاه في التعامل مع قضايا المجتمع وهمومه والإنتقال من الإنفعال وردة الفعل الى الفعل والحركة الإجابية و العمل على كسر حاجز الخوف المتأصل في شعور و لاشعور الفرد العربي من الحاكم وظلمه ومن أجهزة قمعه وذلك من خلال إعادة برمجة العقل و الشعور لهذا الإنسان والعمل على التّدرج في إخراج شعور الخوف للأفراد من منطقة اللاوعي الى منطقة الوعي والشعور والإدراك وبالتالي تحويل السلوك السلبي الصامت في التعامل مع ظلم الحاكم وقمعه الى سلوك إجابي حركي فعّال ومُأثر، وهذا ما يجب على الطبقة الواعية والمثقفة القيام به وبكل الوسائل المتاحة لهم أو إجاد وخلق وسائل أخرى للوصول الى هذه الغاية في مجتمعهم.

أما الركيزة الثانية في رفع الظلم والقصاص من الحاكم الظالم، هي جمهرة العلماء وما لهم من تأثير في إتجاهين و هم سيف ذو حدين في نفس الوقت، فهم من ناحية - وهذا من سخرية القدر - ضلع من ثالوث الظلم - وحسب الترتيب من الدرجة الثانية - فيما إذا كانوا بوقاً وغطاءً في مساعدة الحاكم على ظلمه لشعبه، ومسّكن قوي و فعال في التأثير على الأغلبية وتقنين وتشريع صمتها لا بل والحث عليه وإستحسانه و الركون إليه، وتجّريم أو حتى تكفير من يعترض على هذا الظلم ومن أوجده.

فهؤلاء العلماء - خاصة علماء الدين - لهم دور كبير ومهم وفعال في كلتا الحالتين وهم كما ذكرت عنصر رابط و حلقة وصل بين ضلعي مثلث الظلم في تبرير وتمرير مخططات الظلم للحاكم المحلي والإحتلال الأجنبي، وهذا الدور المزدوج في عملية الربط البشع لدور علماء الدين وبالذات المرجعية الدينية وسلطة الإحتلال من ناحية والتأثير على الأغلبية الصامتة - الغائبة و المغيبة - يتضح بجلاء في الدور الذي يقوم به السيد علي السيستاني من حيث صمته عن بعض الأمور أو إفتاءه في بعضها الآخر حسب ميزان المصالح التي تهم المرجعية ومن يقف ورائها.

فالدور الذي يلعبه - الآن وفي هذه الظروف بالذات - علماء هذه الأمة ومن يتبعهم لهو دور خطير و محوري سواء كان في دعم الظلم و الظالم من ناحية أو في رفع الظلم و نصر المظلوم من الناحية الأخرى. وإبراز هذا الدور ومدى تأثيره على الأحداث و المجتمع يلزمنا بالكتابة عنه و توضيحه و فك رموزه و كشف كل من تواطأ مع الظالم و شّرع له ظلمه و عمل على أرهاب العامة للسكوت و القبول والرضى بما قسم الله لنا و ما قدر ولات الأمر علينا.

إن لم يرفع الظلم وبكافة أشكاله و أساليبه عن هذه الأمة، فأن الظلم يوّلد الإرهاب فلا عجب ولا إستغراب.

wahed mohamad saker

london