قصة الهندسه(4)
كتاب إقليدس يسمى هكذا: مبادئ الهندسة. و هو كتاب تمت صياغته وفقا
لتعاليم أفلاطون، ففي بداية المجلد الأول من كتابه، بدأ إقليدس بوضع
مجموعة العناصر التي سيستخدمها في كافة المجلدات، فكان مجموعها 35
تعريفا، 9 بديهيات و 6 مسلمات، فهي خمسون عنصرا بالتمام و الكمال.
لقد قام الرياضيون فيما بعد "بغربلة" هذه العناصر، فحذفوا جزءا منها، و
أضافوا إليها أجزاء كانت مغفلة، و أظهروا ما كان منها مبهما... و اليوم
يبلغ عدد العناصر اللازمة لبناء الهندسة ما يقارب مائة عنصر.
- فمن العناصر التي تم حذفها من عناصر إقليدس: المسلمة الرابعة. هذه
المسلمة تقول "كافة الزوايا القائمة متساوية". لقد تم اعتبارها كنظرية
يمكن برهانها ببساطة اعتمادا على بقية العناصر، فلا حاجة إذن لتقديمها
كمسلمة.
- و من العناصر التي تمت إضافتها نجد مثلا مسلمات الحركة: فإقليدس
يستخدم مسلمات الحركة دون أن يصرح عنها. و مسلمات الحركة ثلاثة:
"ليكن لدينا شكل مستو،
"فأولا، نحن نستطيع نقله في المستوي بحيث تنطبق أي نقطة مختارة منه على
أي نقطة أخرى نختارها،
"و ثانيا، يمكننا تدويره بحيث ينطبق أي مستقيم مختار منه على أي مستقيم
آخر نختاره،
"و ثالثا، يمكننا قلب هذا الشكل ضمن المستوي حول مستقيم ما"
- و من العناصر التي تم تصحيحها، مسلمة أرخميدس التي قدمها إقليدس
بصفتها تعريف، و ما هي بتعريف لكنها مسلمة. هذه المسلمة تقول: ليكن
لدينا مقداران ما، فيمكن عن طريق مضاعفة كل منهما أن نحصل على ما
يتجاوز الآخر.
(مثال: ليكن لدينا العددان 3 و 19، فمن ناحية أولى العدد 19 أكبر من
العدد 3، و من ناحية أخرى يمكننا بمضاعفة العدد 3 سبع مرات أن نحصل على
العدد 21، و هو أكبر من 19).
لكن ما يعنينا هو مسلمات لإقليدس... فدعنا نستعرضها...
يطالبنا إقليدس أن نسلم له بما يلي:
1- يمكن أن ننشئ مستقيما من نقطة ما لأي نقطة أخرى.
2- يمكن أن نمدد مستقيما ما إلى ما لا نهاية له.
3- يمكن لنا أن ننشئ دائرة من أي نقطة معطاة و بأي نصف قطر معطى.
4- كافة الزوايا القائمة متساوية (و هذه، كما قلنا، نظرية بسيطة يمكن
البرهان على صحتها، فلا حاجة لنا بوضعها كمسلمة).
5- المسلمة الخامسة، و سنأتي لاحقا بنصها.
6- مستقيمان لا يضمان سطحا.
فقط دعني أقدم شرحا للمسلمة السادسة: هي تعني أن مستقيمين لا يمكن لهما
أن ينشئا شكلا هندسيا مغلقا، و هو يعني أنه إن تقاطع مستقيمان في
نقطتين مختلفتين، فهما متطابقان، و منه الصياغة الأخرى -و المطابقة
تماما من حيث قيمتها:
6- مكرر: من نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد.
بالمناسبة: هذه المسلمة السادسة هي ما يجعلنا نرفض هندسة ريمان: ففي
هندسة ريمان تمثل المستقيمان بأقواس الدوائر العظمى على سطح كرة
(الدائرة العظمى على كرة هي دائرة مرسومة على سطح الكرة و مركزها مركز
الكرة، و منه فنصف قطرها مساو لنصف قطر الكرة). لكن لو أخذنا نقطتين
متناظرتين بالنسبة لمركز الكرة، فنجد أن هناك عددا لا نهاية له من
الدوائر العظمى التي تمر بهما...
و منه قولنا:
إن أردنا أن نعتبر الهندسات التي تحافظ على كافة مسلمات إقليدس
باستثناء الخامسة منها، فلن نجد إلا هندسة واحدة لا ثاني لها: هندسة
لوباتشيفسكي.
لكن إن أردنا أن نغير المسلمتين الخامسة و السادسة، فعندها يمكن لنا أن
نحصل على هندسة ريمان، و لكن هذه الهندسة، وضوحا، ليست مكافئة لهندسة
إقليدس أو لهندسة لوباتشيفسكي.
فهذا هو آخر ما سنقوله عن ريمان، فوداعا يا ريمان .
فنعود إذن لمسلمات إقليدس:
كافة المسلمات التي أوردنا نصها أعلاه تنسجم مع شروط أفلاطون في
الإيجاز و الوضوح و البساطة... فماذا عن المسلمة الخامسة؟
إليكم نص المسلمة الخامسة كما كتبها إقليدس:
"إن قطع مستقيم مستقيمان بحيث يكون مجموع الزاويتين الداخليتين
الناجمتين في نفس الجهة من المستقيم إياه أصغر من قائمتين، فإن
المستقيمين المقطوعين، حين يتم تمديدهما بما فيه الكفاية من هذه الجهة
نفسها، سيتقاطعان"
هذه المسلمة تمثل صفعة لكافة المبادئ الأفلاطونية في الوضوح و البساطة!
و خصوصا حين نعلم أن هذه المسلمة يمكن التعبير عنها بأساليب أبسط
بكثير، منها مثلا صياغة جون بلايفير التي أوردناها أعلاه!
فلماذا هذا الإحتقار الإقليدي لمبادئ أفلاطون؟ هذا لغز أول سنحاول الرد
عليه بعد أن نستعرض مكافئات المسلمة الخامسة...
فلي عودة...