آخر الأخبار

النكتة ..ديمقراطية خاصة عند السوريين

إلى من يهمه الأمر: يسمح لهذا المواطن بالرعي في جميع حدائق القطر!؟

تحمل النكتة في سوريا الكثير من المضامين الاجتماعية و السياسة و الاقتصادية، فهي تعبر عن أحد هذه الجوانب بطريقة ساخرة يتناقلها الناس فيما بينهم بشكل سري أو علني حين لا يجدون حلا لمشاكلهم اليومية المعلقة،

و يصلون إلى حالة من الانكسار و الإحباط إذ تتشكل و تنتشر أو تنشر، ( لأن البعض له مصلحة في انتشارها)، و يهمس بها ليعتقد أنها عوضتهم عن الحل الحقيقي لمعاناتهم.

السوريون لهم ذاكرة خصبة يعبرون من خلالها عما يجول في نفوسهم في كل مرحلة ، ففي بداية الثمانينات من القرن الماضي و عندما كانت الأزمة الاقتصادية في تفاقم، و خاصة عندما فقدت أغلب المواد الغذائية من السوق كثيرا ما سمعنا البعض يردد نكتة مفادها: ان سائحا عربيا كان يمشي في شوارع دمشق مع أحد أصدقائه الدمشقيين فشاهد ازدحاما غريبا على أحد الأبواب ( باب المؤسسة الاستهلاكية)، فسأل صديقه عن هذا الازدحام، أخبره إنه عزاء، ( ليخفي عن السائح الأزمة الاقتصادية)، ثم شاهد هذا السائح رجلا قادما من بين كتلة الناس المتراصة ليسأله : ( عزيت يا خوي) أجابه الرجل : (لا .. على السمنة) . في تلك المرحلة و رغم الضائقة الاقتصادية تندر السوريون و بطريقة النكتة فيما يخص معيشتهم و تفاصيل حياتهم و قد حمُل بطريقة ما رئيس الحكومة المسؤولية عن تدهور الحالة، و قيل ما قيل بين الناس عن خططه التقشفية للبلاد ، حتى قالوا :إن هذا الرجل ( رئيس الحكومة) عندما كان صغيرا سمع أحد الحرامية الذي كان يهم بسرقة منزل أهله إذ حين ذاك سمع والد الرئيس يرفع يديه إلى السماء و يقول: يا رب من أصادفه صباحا و يقول لي :هذا الولد جميل سأعطيه مليون ليرة، و قد سمع الحرامي هذه العبارة، و في الصباح رأى الحرامي الرجل مع ابنه ( رئيس الحكومة) في الشارع فنظر في وجه الولد و ردد أمام أبيه : ( الله يغنيني عن مصراتك .. الله لا يبارك لك).

و ردد الناس في فترة الثمانينات و خاصة عندما كانت الكثير من أنواع الفواكه تجلب تهريبا من لبنان خاصة الموز .. أن مدرس تلاميذ الصف الأول طلب من طلابه أن يرسموا قرن موز و يلونوه بعد أن أشار عليهم عن شكل القرن، إذ أن الكثير منهم لونه بالأخضر و البنفسجي و الأحمر، و كانت هذه النكتة تعبر عن عدم وصول الموز إلى شريحة واسعة من المجتمع السوري في ذلك الحين.

و ردد الناس أيضا و نتيجة لسوء صناعة الخبز أن شابا من عائلة فقيرة جلب لهم جارهم ربطة خبز سياحي من لبنان في تلك الفترة، فطلب الشاب من والدته أن تلف له سندويتشا يحوي على رغيف سوري و تضع له عوضا عن اللبنة أو الجبنة أو تلك المواد غير المتوفرة رغيف خبز سياحي.

يرى بعض المهتمين في هذا الأمر أن النكتة التي طالت رئيس الحكومة ليست بريئة، و إنما جهات أرادت أن تعبئ الرأي العام بأن الأزمة الاقتصادية مرتبطة به أو بحكومته ربما ، وحسب ما يراه أولئك البعض من المهتمين أن أجهزة المخابرات في معظم دول العالم تستخدم هذه الطرق إذا ما أرادت أن تنال من شخصية اعتبارية أو أن تعرف الحل الذي يرضي الجمهور إذا ما فكر النظام بحل أزمة ما عن طريق تغيير أو إقالة مسؤول من منصبه، لذلك لم تكن النكتة و بغض النظر عن مصدرها و مطلقها بريئة أبدا.

و انتقد السوريون الكثير من الممارسات البيروقراطية التي تحكم عمل المؤسسات في سوريا و كيفية إيجاد الحلول المناسبة و بطريقة النكتة أيضا حين رددوا : أن سورياً هاجر من فقره و قلة حيلته إلى بريطانيا و أقترب من مقر مجلس الوزراء هناك و أخذ يأكل عشبا من حديقة المقر ، حينئذ شاهده توني بلير فأرسل في طلبه سائلاً إياه عن سبب أكله العشب، فأجابه الرجل :لا يوجد طعام في بلدي و ها أنا هنا و مع ذلك حالتي تسوء أكثر لذا تراني أتناول العشب، فصرف له بلير مليون جنية و عاد بها إلى سوريا فرحا ليخبر أهل قريته، إلى أن خطرت الفكرة ذاتها لأحدهم و لكنه سيأكل العشب في إحدى الحدائق القريبة من منزل رئيس مجلس الوزراء السوري ، و حين بدأ بالأكل شاهده رئيس المجلس و أرسل بطلبه، و سأله عن تصرفه ،فشكا له الرجل فقره و قلة حيلته، فتعاطف معه رئيس مجلس الوزراء و أخبره أن لا يحمل همّا، و جاء بورقة، ظن الرجل إنه سيكتب له شيكا بمبلغ ما، فكتب عليها: إلى من يهمه الأمر يسمح لهذا المواطن بالرعي في جميع حدائق القطر...

بعض النكات لم تكن تطلق من جهات أمنية أو غيرها من أجهزة الدولة و إنما كانت تصدر من الجمهور و بطريقة سرية، تعبر عن تذمر الناس و موقفهم أحيانا من أداء أجهزة الأمن، و ربما كانت تلك النكات موقف غير علني للتعبير، و فيما يتعلق بالأجهزة الأمنية أطلق الناس العديد من النكات، و خاصة بعد فترة الثمانينات، و الانفراج النسبي بعد الإعتقالات التي طالت عناصر الأخوان المسلمين في سوريا.

أما النكات التي أطلقت على المخابرات و قوات الأمن ( الشرطة) فهي كثيرة، و تعبر عن قوة سلطتهم، كما حسدهم الناس في مراحل سابقة على الدخل غير القانوني الذي يتقاضاه بعضهم، إذ ردد الناس أن الله أرسل عزرائيل ليقبض روح أحد ضباط المخابرات ، و حين وصل أمسكت به العناصر و أشبعته ضربا، فرجع إلى الله الذي سأله مستغرباً : من عمل بك كل هذا!!؟ فعندما أخبره عزرائيل بما جرى معه، قال له الله : المهم أن لا تكون قد أخبرتهم من الذي أرسلك!!.

أما ما تعلق بتفشي الفساد و الرشوة في جهاز الشرطة و بعض الإدارات ، أطلق الناس الكثير من النكات ، حتى بدا الأمر عاديا أي الرشوة، و ذهبت بعض الأعمال الدرامية السورية الكوميدية في تسليط الضوء على حالات الرشوة بسخرية و تهريج، و كأنها محاولة لشرعنة الوضع القائم .

إذ قيل أن شرطيا متقاعدا أراد أن يزوج ابنته و طلب مهرها 300 ألف ليرة سورية، و الشاب المتقدم لخطبتها لا يستطيع تقديم هذا المهر، و عندما تحير الشاب في أمره و سأل صديق له ، نصحه صديقه أن يعطي هذا الشرطي رشوة قدرها 25ليرة سورية فيقبل بتزويج ابنته بأقل من هذا المهر بكثير.

ردد الناس مؤخرا بعض النكات التي تطال بعض المستثمرين المدعومين و قيل : ان واحداً منهم ذهب في جولة سياحية إلى أفريقيا و عندما رجع أخبر والدته قائلا : ياماما قديش في هناك آيدز، فردت والدته لماذا لم تأت بوكالته يا بني .

و كذلك تردد أن رجلا فقيرا وجد فانوس سحري و حين مسحه ليطلب من المارد ما يرغب ظهر أمامه ماردان قال له الأول أمرك سيدي، و عندما شاهد الرجل الفقير المارد الآخر سأله من الذي معك فأجابه: شريكي فلان ( المقصود أحد المستثمرين ممن يشارك أي رجل أعمال يريد أن يستثمر في سورية)

على ما يبدو أنه لا يوجد نكتة إلا و تعبر عن حالة ما أو معاناة، و كذلك لها من يطلقها أو يخترعها لتكون نوع من التعبير عن استياء من شخص ما أو جهة، و يبدو أن هناك أجهزة مختصة لإطلاقها و مراقبة مدى انتشارها ...فلم تكن النكتة على مر العصور بريئة أو ساذجة.