لا يزال لكلمة التطبيع الوقع السحري في الكواليس الدبلوماسية المصرية الاسرائيلية، كما لها واقعها الجدلي في الشارع المصري بين مؤيد ومعارض وتلعب السفارة الاسرائيلية والسفير الاسرائيلي في القاهرة الدور المحوري لتنشيط العلاقة بين البلدين على جميع المستويات خصوصا الثقافية والسياسية والاقتصادية بغية الوصول الى التطبيع الشامل، ولم يكد ينسى المصريون ارتدادات تحركات السفير الاسرائيلي ما قبل الحالي ديفيد كوهين خصوصا زيارته الى مبنى الاهرام ولقاءاته المتعددة مع الصحافيين واهل الفن والثقافة حتى نزل الى الاسواق كتاب للسفير الاسرائيلي الخامس في مصر ديفيد بن سلطان تناول فيه خفايا التطبيع وابطاله على الاصعدة الرسمية والشعبية والاقتصادية.
عمرو موسى ...دور بارز في التطبيع رغم محاولات اظهار العكس
"بين القاهرة واورشليم" خرج الى النور ليكشف العديد من الاسماء والاساليب، لكنه وعند التمعن بالتفاصيل والمعلومات الواردة نجدها ربما لم تات بجديد بل اتت كتوثيق لما حصل في تلك الفترة وكانها تقارير الرصد اليومية للسفارة خصوصا التقارير التي ترصد ما يكتبه كبار الكتاب المصريين وما تنشره الصحافة اليومية من اخبارالتحركات والاجتماعات الثنائية بين الجانبين، مع اضافة العديد من الافتراضات والفرضيات والاراء الخاصة بالكاتب من وجهة نظره كسفير لدولة اسرائيل.
ورغم ان الكاتب ركز على فترة توليه مهامه اي من العام 1992 حتى العام 1996 الا انه تطرق الى بدايات عهد الرئيس حسني مبارك عام 1981 وصولا الى بدايات عمل السفير ديفيد كوهين وكانه يفتح المجال لزميله بان يكمل الجزء الاخر من هذه الفترة التاريخية الهامة بالعلاقات بين البلدين.
يكشف سلطان ان امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى والمستشار السابق للرئيس مبارك هما كبار مهندسي مرحلة التطبيع بين العاصمتين على رغم اعتبار موسى من اكبر مناهضي العلاقات التطبيعية مع اسرائيل، باعتبار ان موسى كان من الداعين الى فصل العلاقات السياسية والتطبيعية حتى لا تتاثر مكانة مصر الاقليمية والعربية، مستشهدا بمواقف موسى خلال اجتماعه بوفد الكنيست الاسرائيلي في القاهرة عام 1993، اما عن الباز فيقول سلطان انه ساهم بشكل كبير بتشجيع رجال الاعمال المصريين بقبول فتح الابواب الاستثمارية مع الاقتصاديين الاسرائيليين بالاضافة الى تطمين المثقفين حول هذه العلاقة لدرجة وحسب قول الكاتب انه استعان بالفنان عادب امام لترويج الافاق التطبيعية.
اما عن رجال الاعمال ومن لهم علاقة بالاعلام واهله فقد استعرض سفير اسرائيل الاسبق مجموعة من الاسماء التي فتحت افق التعاون مع الدولة العبرية خصوصا طارق حجي واحمد خيري وصلاح نبهان ومحمد شفيق جبر وكامل دياب وحسين صبور وغيرهم زاعما ان المفتاح الاساسي لوصول هذه الفئة من رجالات مصر للوصول الى مناصب قيادية في الحزب الوطني الحاكم كان التطبيع الذي اوصل بعضهم بلمح البصر الى مناصب قيادية بارزة .
على الصعيد الثقافي يقول الكاتب ان السلطات المصرية اوعزت لكبار الكتاب بدعم التطبيع والترويج له باشارته الى مقالات ابراهيم نافع رئيس تحرير الاهرام الاسبق تحت عنوان "مصر بعد السلام"ومقالات ابراهيم سعدة "مرحبا بالتحدي"، بالاضافة الى وصفه الكاتب الكبير نجيب محفوظ بانه اكبر المطبعين والكاتب لطفي الخولي وما كتبه الكاتب والصحافي انيس منصور منتصف التسعينات، بالاضافة الى المؤرخ الدكتور عبد العظيم رمضان والمفكر علي السمان والكاتب المسرحي على سالم، ويتناول سلطان ما قام به مع وزير الثقافة فاروق حسني لتنفيذ البنود التطبيعية الثقافية على هامش اتفاقية السلام بين البلدين وان الوزير المصري وحسب زعمه اكد له موافقته وتاييده للتطبيع كاشفا المراحل التي وضعها حسني لتنفيذ البنود التطبيعية بدءا من تفعيل علاقات المتاحف والاثار بين البلدين وصولا الى المعارض والانشطة الفنية، اما اكاديميا كشف سلطان التعاون بينه وبين الدكتور مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة عام 1994 للوصول الى تعاون اكاديميي البلدين الا ان الامر لم يكن بهذه السهولة وظلت النتائج ضعيفة .
* الكتاب صدر عن دار نشر ابن لقمان بالقاهرة قام بترجمته عن اللغة العبرية عمرو زكريا ونزل الاسواق تحت عنوان "بين القاهرة والقدس" الذي يعلل اختياره لهذا الكتاب بالذات: هذا الكتاب يوضح ماذا جرى ويجري في موضوع التطبيع بين البلدين وكيف تلعب القاهرة بهذه الورقة للضغط على إسرائيل لتجديد عملية السلام مع الفلسطينيين وقضية الأسرى المصريين الذين قتلوا أثناء عملية العدوان الثلاثي عام 1956.
* يعتبر الكاتب ديفيد سلطان السفير الخامس الأبرز بين مجموع السفراء، عين فى 22 أغسطس عام 1992 وهو من مواليد الإسكندرية عام 1938، يتحدث المصرية بشكل مدهش، وكان مؤمنا بالتطبيع لأقصى حد، وتكمن خطورته فى قدرته على جذب المثقفين، بما عرف عنه من غزارة للمعلومات.
* تقع السفارة الاسرائيلية في القاهرة في الطوابق الاخيرة من بناية مكونة من 15 طابقا بالعقار رقم 6 شارع ابن مالك "سابقا" بالجيزة، ومنذ كامب ديفيد عام 1979، توالى على مصر 10 سفراء فى مقابل 4 أرسلتهم القاهرة إلى تل أبيب، وكانت السفارة الإسرائيلية شغلت لفترة بسيطة أعلى مبنى فى شارع محيى الدين أبو العز بالمهندسين، أوائل الثمانينات، ولاعتبارات أمنية، طلبت إسرائيل نقلها إلى مكان اختاروه بعناية فى الدورين الأخيرين بشارع ابن مالك (شارع الشهيد محمد الدرة) حاليا.
* أول سفير "إسرائيلى" لدى مصر هو "إلياهو بن اليسار" أحد كبار ضباط "الموساد"، الذى وصل القاهرة فى 24 فبراير 1980 نفس يوم وصول سعد مرتضى أول سفير مصرى إلى تل أبيب، وكان اليسار على صلة وثيقة بالرئيس السادات، وشهد عملية اغتياله وغادر مصر بعد عام واحد، وقال فى مذكراته: إنه خرج بثلاثة أصدقاء فقط، من بينهم سائق سيارته.
(الديوان)