فيلم الرسالة ممنوع لأسباب مجهولة مخرج هنا هو مخرج هناك.. لا فرق بين مخرج ومخرج، وإذا أردت أن تقارن فلا بد أن تتوافر التقنية للاثنين.. الإبداع هو الإبداع.
الإبداع ليس به عالمية هو في حد ذاته لغة عالمية، قال مصطفى العقاد إنه لم يقل هذه الكلمات على سبيل التواضع وإنما عن قناعة أكيدة بأن السينما العالمية والغربية لا تتفوق على العربية في الطاقات والإمكانيات الإبداعية الفردية، بل من جانبها التقني والاقتصادي والآليات التي تحكم العمل وإنتاج الأعمال السينمائية، وضرب مثالا على ذلك بأداء عبد الله غيث في النسخة العربية من فيلم الرسالة، والذي تفوق فيه في كثير من الأحيان على أداء النجم الكبير أنتوني كوين الذي أدى الدور نفسه في النسخة الإنجليزية للفيلم.
فيلم الرسالة في المحاكم منذ 28 عاما!
كان مهمًا ونحن نتكلم عن فيلم الرسالة أن أطلب من العقاد تفسيرا لمنعه في سوريا ومصر رغم السماح بعرضه في كل دول العالم، وكان قد أتيحت لي فرصة الاطلاع على ملف الرسالة في الرقابة فكان غريبا ألا أجد ورقة واحدة تشير من قريب أو بعيد إلى وجود اعتراض رقابي، لا من الأزهر، ولا من أي جهة أخرى، بل كان في الملف ما يشير إلى أن السيناريو حاصل على موافقات عدة من شيوخ الأزهر.
العقاد أكد أن الأزهر وافق على سيناريو الفيلم، وقال: إضافة إلى موافقة الأزهر فإنني كنت أجلس إلى جوار الشيخ محمد متولي الشعراوي وفور مشاهدته الفيلم قال لي نريد منك المزيد، كما أنني وقت كتابة سيناريو الفيلم أحضرت هاري كيجاف من هوليوود وجعلته يمضي سنة كاملة في النيل هيلتون وكتب السيناريو بمشاركة عبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وأحمد شلبي، ومن الأزهر كان الدكتور عبد المنعم النمر والدكتور البيصار؛ لذلك فما زال منع الفيلم يمثل لغزا بالنسبة لي، لكنني لم أجد أمامي ما أفعله غير إقامة دعوى قضائية منذ 28 عاما وما زالت المحاكم تنظرها!!
ومما يزيد اللغز تعقيدا -يضيف العقاد- هو أن أكثر من قناة عربية عرضت الفيلم دون استئذاني ومن دون الحصول على موافقة مني، ومن دون أن يقول لي أحد هل حدث جديد بشأن قرار المنع أم لا.
وهكذا لم أجد ما أقوله غير أن أترك لغز الرسالة وأسأل العقاد عن طبيعة الأفلام التي يقدمها في هوليود والتي لا تخرج عن إطار الأكشن والإثارة والرعب التي لا يحمل معظمها اسمه كمخرج، مثل سلسلة أفلام هالاوين التي وصلت إلى الرقم 9، فكان رد العقاد أن هذه الأفلام يقبل عليها 80% من الأمريكيين، مشيرا إلى أنه في هوليود قبل إنتاج أي فيلم لا بد من أن يجيب عن سؤالين مهمين هما: من هو جمهورك، وماذا تريد أن تقول؟ ومؤكدا على أن النجاح على هذين السؤالين.
وأضاف: إن السينما أداة تسلية بالدرجة الأولى، لكن لا بد للمخرج الجيد أن يتسلل من هذه التسلية والتشويق إلى الأفكار التي يريد أن يطرحها، وهنا يكمن الذكاء الفني للمؤلف والسينارست، والأساس هو أن يكون هناك اتصال مع الجمهور، وأن يحقق الفيلم أرباحا، حتى يستطيع المنتج أن ينفذ الفيلم الذي يليه، ولكن للأسف يرى البعض أن النجاح وتحقيق الأرباح تهمة ونوع من العار .
الأساس أن يحقق الفيلم أرباحا
وضرب العقاد مثالا بفيلم اللمبي ، مؤكدا أنه فيلم ناجح بكل المقاييس وبشهادة مئات الآلاف الذين خرجوا من بيوتهم ودفعوا ثمن تذكرة السينما ليشاهدوه.
وقال: إن نجاح الفيلم السينمائي وانتشاره مرتبط بهذا الجمهور وبالأرباح التي يحققها، وهذا الأمر لا يعني الإسفاف، لكن علينا النزول أولا إلى الجمهور أيا كان مستواه ثم أحاول أن أرفعه بطريقة غير مباشرة وليس بالغموض أو التعالي عليه والحذلقة في اللغة السينمائية.
لا أوسكارات ولا جوائز كان ولا نقاد ولا أوسمة تساوي أي فيلم ناجح جماهيريا، وإذا استطعت أن تصنع فيلما جيدا جدا يصل إلى حد أنه تحفة فنية ولم يصل للجمهور فهو فيلم فاشل جدا.. ونحن كسينمائيين نعتبر أنفسنا همزة الوصل بين الفكرة والفن وبين الجمهور، ونجاحنا في أن نجعله يتفاعل مع الفيلم، يبكي، ويضحك، ويتألم، ويتحمس.
كما أن وسائل التسلية البيتية أثرت سلبا على السينما والمسرح؛ ففي المنزل توجد شاشة كبيرة تجلس أمامها وتدخن وتأكل تشرب وبهذا الشكل فإن رواد السينما الآن في أمريكا وباقي دول العالم من الشباب الذين يمثلون 80% ممن يدفعون ثمن تذاكر السينما؛ ولهذا فرضت موضوعات الشباب نفسها سينمائيا؛ الجنس، والخوف، والحب.
في الحاجة تكمن الحرية
ويعود العقاد ليتحدث عن أفلام الرعب والأكشن التي يقدمها فيشير إلى أنه يؤمن تماما بما قاله معمر القذافي: في الحاجة تكمن الحرية ، مؤكدا على أنه لو كان محتاجا فقد حريته ولا بد من أن يقدم تنازلات ليعيش هو وأسرته، ومن هنا يؤكد العقاد أن تلك الأفلام جعلته حرا، ويستطيع أن يقول لا، هذا يعجبني وهذا لا يعجبني، وغير مضطر لصنع أفلام يقدم فيها أي تنازل سياسي أو أخلاقي.
ويضيف العقاد: هذه الأفلام أيضا جعلتني لا أقدم إلا أفلاما ترضيني وتخدم القضية؛ فالحمد لله لست محتاجا؛ لأنني لو احتجت -كما قلت- فسأتنازل عن قناعتي، وأقدم أي عمل لأعيش منه أنا وأولادي، وما يزعجني أحيانا، أنني حين أطلب تمويلاً، يتهيأ للبعض أنني أشحذ، أو عندما أجري أي مقابلة يعتقدون أن الهدف منها الحصول على تمويل، يجب أن يعي العرب أن الإعلام يخدم أكثر من الأسلحة.
وهكذا يؤكد العقاد أنه مقتنع تماما بما يقدمه ما دام لا يقدم تنازلات، ولا يبقى هنا غير أن نتحدث عن فيلم أسد الصحراء أو عمر المختار، والذي قال العقاد إن قيامه بإخراج هذا الفيلم جعله يكتشف مدى فظاعة جرائم الفاشيست الإيطاليين في ليبيا؛ حيث قام الجنرال رودلفو جراتسياني أثناء محاولاته اليائسة لتنفيذ خطته في ترسيخ الاستيطان الاستعماري في ليبيا بقتل 200.000 من المواطنين الأبرياء طوال ثلاث سنوات فقط، قبل أن يتمكن من إلقاء القبض على الثائر عمر المختار وإعدامه. وأسأل العقاد عن خطأ ظهر في الفيلم حين استخدم نوعا من السيارات الحربية أثناء محاصرة عمر المختار لاعتقاله لم تكن القوات الإيطالية في أفريقيا قد استخدمتها في ذلك الوقت!!
فيقول إنه استعان بخبراء في ذلك وإنهم قطعا لم يكن يستطيعون توفير العربات التي استخدمها الإيطاليون بالفعل، وإن الضرورة اقتضت ذلك، وهذا لا يعد خطأ وإنما أمر فرضته الضرورة.
وأعود لأذكر له نقطة ضعف علّق عليها نقاد غربيون وهي أن الذي وضع حبل المشنقة في رقبة عمر المختار لم يكن من بين الفاشيست الإيطاليين كما ظهر بالفيلم، بل كان زنجيا سودانيا من أهالي البلاد يدعى محمود كان يعرف بلقب اللونقو الطويل ، وهو زنجي سكير مات أخيرا بضاحية البركة في مدينة بنغازي، كما يروي أحد شهود العيان الذين عاصروه وعرفوه. وذلك وفقا لما ذكره سجان الشهيد في اعترافاته.
وعن هذه النقطة قال العقاد: لا يعنيني من وضع حبل المشنقة حول رقبة الشهيد، فهو واحد؛ فسواء كان الجلاد الحقير هو محمود السوداني السكير أو غيره من المتعاونين مع الفاشيست الإيطاليين، فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين كانوا يتقربون من رودلفو جراتسياني سفاح ليبيا؛ فالذي يهمنا هنا أنه ساعد على توضيح بعض الجوانب الخفية في تاريخ بلادنا.
وأظهر للعالم كيف أننا كنا نحارب دفاعا عن أرضنا بشرف ضد غزاة مارسوا كل أنواع الخسة والبشاعة ضدنا، وكيف كنا شرفاء في خصومتنا حتى لو كانت مع المحتل.
أما جلاد عمر المختار أو شانقه فالأمر واحد في الحالتين، سواء كان إيطاليا أو حتى من أي جنسية أخرى؛ فالمهم أنه كان اليد التي نفذ بها الإيطاليون ما يريدونه.
ويقف العقاد عند من استوقفتهم تلك النقطة ليؤكد أنه في منتهى السعادة وهو يرى من يتربصون بفيلمه لا يجدون غير تلك التفصيلات ليعلقوا عليها، موضحا أن أحدا لم يكن ليرحمه لو كان بالفيلم أي أخطاء تاريخية حقيقية أو سقطة فنية واحدة.
وينهي مصطفى العقاد كلامه عن عمر المختار بقوله: يكفيني أن اسمي ارتبط بهذا المناضل الثائر، وأصبحت الآن حين تذكر اسمه يتبادر إلى الذهن على الفور فيلم أسد الصحراء، الذي جعل العالم كله يشاهد هذا الشهيد روحا ودما.
ولا ينسى العقاد في النهاية أن يشيد بأداء أنتوني كوين الذي كان مقنعا لدرجة تفوق الوصف وجعلت صورته في الفيلم هي الصورة المعتمدة لعمر المختار، سواء في أذهان الناس أو في الصحف التي تنشر شيئا عن المختار، وتنشر صورة أنتوني كوين على أنه هو الشخصية الواقعية.
ماجد حبته