ـ تمارين التسخين في قضايا الأرض واللاجئين والقدس
روس: محمد رشيد فاجأنا بالقول إنه يمثل عرفات أكثر من تمثيل يوسي وأمنون لباراك
بعد أن أنهيت الغداء، راجعت مسوّدة جون. وعملت عليها نحو ساعة ونصف الساعة، وكنت مرتاحاً إليها. لكنّني أردت أن أعرف ما الذي يجري في القناة الخلفيّة، لأنّ ذلك قد يؤثّر على الوقت الذي نختاره لعرض اقتراحنا، كما أنّني أريد أن أكون قادراً على اختبار بعض الأفكار. وفي ذلك الوقت ذهبت أبحث عن يوسي، ووجدته جالساً مع أمنون ومحمد رشيد. بدت عليهم الكآبة. فسألت عما يحدث، فقالوا إنّهم يحاولون التوصّل إلى ما يمكن عمله.
فقلت أليست المشكلة التي تحاولون ثلاثتكم حلّها تتعلّق بشيء يمكن أن يقبل به قادتكم؟ التفتّ إلى رشيد وسألت، عندما تتحدّث عن 92 في لمائة من الأرض مع 2 ـ 3 في المائة من المقايضة، وعندما تتحدّث عن مسؤوليّات مشتركة ونوع من المنطقة «ب» في البلدة القديمة والسيادة في كل الأحياء الباقية، هل تمثّل حقّاً عرفات؟ أليس ذلك لبّ المشكلة؟
وقد فاجأني ردّه. قال «عندما أقول هذه الأشياء، فأنا أمثّل عرفات أكثر مما يمثّلان باراك». ولم يناقض أمنون أو يوسي ذلك عندما التفتّ إليهما. وقد أبلغتني تعبيراتهما أنّهما لا يستطيعان التوصّل إلى شيء مع رشيد الآن. ورغم تعبيراتهما المتفائلة في الليلة الماضية بشأن المباحثات المتكتّمة مع محمد دحلان ومحمد رشيد، لم يعودا الآن واثقين من أنّ بوسعهما القيام بما هو مناسب. ويبدو أنّ موقف باراك معي هو الموقف الذي أتخذه معهما. وهكذا فإنّ القناة الخلفيّة التي بدت في الأمس مثيرة للتفاؤل والتي كنت أعتمد عليها، لن تكون خشبة خلاصنا.
قبل أن أغادر، سألت يوسي «ما الذي تقترح أن نفعله الآن؟»، أجاب بأنّ على الرئيس أن يجلس مع شخص واحد معيّن من قبل كل قائد ويرى ما هو الممكن في كل قضيّة. وكانت لدي فكرة مختلفة: يعرف باراك الآن أنّ الرئيس انفجر في وجه الفلسطينيّين، لكنّه لا يسمح بأيّ تحرّك في جانبه. وعلى ضوء ذلك، يجب أن يقول الرئيس، إنّنا لن نحرز تقدماً في أي مكان. ويمكننا أن نضع ورقة لن تعجبك يا حضرة رئيس الوزراء، وبخاصّة بشأن القدس. وإذا لم نستطع القيام بذلك، فإنّني أعتقد أنّ عملنا يتوقّف. والخيار الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه هو أن أطلب منك ومن عرفات تعيين اثنين في كل جانب يجلسان معاً أثناء الليل ويحاولان الخروج باتفاقيّة شاملة. وعند حلول ظهر الغد، سأطلب من الأربعة المجيء لإطلاعي على ما تمكّنوا من إنتاجه.
شعرت بأنّ علينا أن نهز الوضع. ويمكننا أن نفعل ذلك بورقتنا، لكنّني لست واثقاً من أن الرئيس سيقدّمها إذا عارضها باراك. وخشيت أيضاً من أنه بدون وجود القناة الخلفية للمساعدة في وضعها وتفحّصها بدقّة والضغط من أجلها، ستكون فرصة نجاحنا أقل بكثير. ذهبت لمقابلة الرئيس. كان ساندي ومادلين جالسين معه في الفناء الملحق بأسبن. شرحت أين تقف الأمور، المفاوضات الرسميّة لم تصل إلى أي مكان، والقناة الخلفيّة لن تصل إلى أي مكان. وبإمكاننا المضيّ قدماً بورقتنا، لكنّ فرص نجاحها بدون مُدْخلات وتعزيز من القناة الخلفيّة محدود جداً، في هذه المرحلة على الأقل. وقدّمت فكرتي. أعجب الرئيس كلينتون بها وذهب لمقابلة باراك. وطلب باراك التفكير فيما طرحه الرئيس، وطلب منه عدم الذهاب إلى عرفات قبل أن يتلقّى ردّاً منه. قرّرت أن أجري بعض التكييف لجلعاد. فأنا أعتبره في هذه المرحلة أكثر تمثيلاً لباراك من أي أحد سواه في الفريق الإسرائيليّ. وقد التقيت به بمفرده في هولي. كانت الساعة حوالي الثامنة مساء، وكانت الغرفة مظلمة نسبيّاً حيث الضوء الوحيد المتوفّر صادر من مصباح منخفض القدرة موجود بين أريكتينا. وقد أضفى ذلك جوّاً من الكآبة وشبه الغموض على اجتماعنا.
أبلغته أنّني أريد أن أعطي «القليل من السياق» إلى البحث الذي أنهاه الرئيس للتوّ مع رئيس الوزراء. فأخبرني أنّه يعرف بأمر حوار الرئيس مع باراك والخيارين اللذين طرحهما، وكان متلهّفاً لسماع ما سأقول. أبلغته أنّ الرئيس جادّ بشأن إيقاف القمّة، لأنّ الجانبين لا يفعلان شيئاً. وبإمكاننا فرض العمل بطرح ورقة، لكنّ باراك لن يعجب بالورقة. أراد جلعاد أن يعرف ما الذي يمكن أن نطرحه إذا عرضنا الورقة الآن. ومن المهمّ معرفة ذلك نظراً «لجسامة مسؤوليّة اتخاذ قرار بشأن العمل ليلاً للوصول إلى اتفاق ـ مع العلم أنّنا سنكشف عن مواقفنا الحقيقيّة» ـ وأراد أيضاً موازنة ذلك مع البديل. وخلص إلى القول إنّ وقف القمّة ليس خياراً ـ لذا إما ورقتنا وإما عمل شيء جادّ من تلقاء أنفسهم.
قلت «إنّنا لم نطلع أحداً على ذلك ولم ننهِ الورقة. وستكون الكلمة الأخيرة للرئيس بشأن الورقة، لذا هذا شيء بيني وبينك». ردّ قائلاً «مفهوم». ومضيت لأشرح العناصر الرئيسيّة:
ـ بالنسبة للأرض، لن نحاول إنهاءها الآن، وبدلاً من ذلك سنحدّد مدى للمنطقة التي ستضمّها إسرائيل بما بين 3 و12 في المائة; وسنوضح أنّه سيكون هناك تعويض للفلسطينيّين عن المنطقة التي ستصبح جزءاً من إسرائيل. وسنستخدم ذلك المصطلح للإشارة إلى المقايضات، تاركين قليلاً من الغموض، إذ إنّ هناك طرقاً أخرى لتعويض الفلسطينيّين. لكن لن يكون هناك كبير شكّ في أمر الإشارة.
ـ بالنسبة للاجئين، سنميل إلى جانبكم مستخدمين صيغة بيلين ـ أبي مازن بشأن حقّ العودة (الفلسطينيّون يصرّون عليه، وإسرائيل تعترف بالمعاناة الإنسانيّة والحاجة إلى حل المشكلة)، وسنشدّد على القيود العمليّة للعودة.
ـ بالنسبة للقدس، سنطرح السيادة الفلسطينيّة في الأحياء الخارجيّة لبيت حانينا وشعفاط، وستتمتّع الأحياء الداخليّة باستقلال ذاتيّ حقيقيّ، أي أنّهم يحصلون على التخطيط وتقسيم المناطق; وبشأن المدينة المقدّسة ستكون هناك حاجة إلى تقاسم المسؤوليّة; وسيحصل الفلسطينيّون على الولاية القانونيّة لا السيادة على الحرم.
كانت تعبيرات وجه جلعاد واضحة جليّة: فقد تجهّم عندما استعرضت نقاط المقايضات والتخطيط وتقسيم المناطق في الأحياء الداخليّة. ولم تبد عليه ردود فعل بالنسبة لنقاط اللاجئين أو السيادة على بيت حانينا وشعفاط أو تقاسم المسؤوليّات في المدينة القديمة.
وعندما أنهيت شرح ما سيكون في الورقة، سأل إذا كان يمكن أن يكون المدى المتعلّق بالأرض بين 4 و13 في المائة. قلت ربما بين 4 و12 في المائة، ولكن لكي يفهم إلى أين يمكن أن ننتهي. فقال أعرف أنّك تريد الوصول إلى 8 في المائة، لكن من المفيد أن يكون المدى بين 4 و13. فقلت إنّني سأفكّر في الأمر. وهل عليك الإشارة إلى المقايضات الآن؟ قلت إنّنا لا نقوم بذلك بشكل حاسم لكن كيف يمكننا أن ندّعي تقديم ورقة تحظى بمصداقيّة بمثابة جسر من دون أن نشير إلى ذلك؟
أخيراً قال إنّ التخطيط وتقسيم المناطق في الأحياء الداخليّة صعب جدّاً; وهو يتفهّم احتياجات الفلسطينيّين لكن لا يمكن ألا يكون هناك بناء غير محدود في منطقة تضمّ بعض الوجود الإسرائيليّ. قلت إنّنا نتحدّث عن نظام مناطق إداريّة; ربما يجب أن تكون هناك خطّة رئيسيّة; لكن لن يتغيّر شيء من وجهة النظر الفلسطينيّة إذا لم يحصلوا على التخطيط وتقسيم المناطق. تذكّر أنّ هذه المناطق ستبقى خاضعة لسيادتكم ـ وهذا هو الشيء الكبير ولا بد أن يكون هناك بعض التنازل للوصول إلى هذا الترتيب.
افترقنا وأنا أفترض أنه سيكلّم باراك بشأن الخيارات. في العاشرة ليلاً طلب باراك مقابلة الرئيس، وأخبرت الرئيس بأنّني أطلعت جلعاد على النقاط العامّة في ورقتنا لكي يفهم خيارَيْ تسلّم ورقة الآن أو العمل خلال الليل لمحاولة التوصّل إلى اتفاق. وقلت لن أتفاجأ إذا أثار باراك بعض ما قلته لجلعاد. أومأ الرئيس برأسه، وتوجّه إلى ما تبيّن أنّه اجتماع ثنائيّ صعب ولكن مثمر مع باراك.
* ليلة إجهاض ورقة كلينتون حول القدس
* كان الرئيس متلهّفاً لتقديم الورقة (اشارة المؤلف هنا لورقة المشروع الأميركي للمقاربة بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني حول قضية القدس، بعد أن تباعدت رؤاهما حولها.. الإيضاح من «الشرق الأوسط»). وقد وعد بأن يطلع باراك عليها قبل عرضها على الجانبين، لذا كان يريد المباشرة في العمل. شرحت ما يوجد في الورقة وقدّمت أمثلة على كيفيّة تعاملنا مع الحلول الممكنة بشأن الحدّين الغربي والشرقي (لقد قدّمت في الواقع خمسة حلول ممكنة للحدّ الشرقي، تتراوح بين احتمال يمكن أن يعجب الإسرائيليين إلى احتمال يفضله الفلسطينيون مع عدّة خيارات بينهما).
وفي أثناء الاجتماع أحضر روب الورقة ومضى الرئيس بها إلى باراك، لكنّه لم يسمح لي بقراءتها، قائلاً إننا غيّرنا المقاربة بأكملها لاستيعاب مخاوف باراك وانه بحاجة الآن إلى تقديمها لعرفات، لم يقاوم باراك وعندما انتهى من باراك، طلب الاجتماع بعرفات. وفي أثناء الاجتماع في أسبن، قدم داني وأمسكني أنا وبروس ووقفنا خارج الكوخ. كان منزعجاً وقال: إنّ هناك مشكلة حقيقية في ورقة المشروع، وإنّ النقطة الأخيرة بشأن القدس لم تكن بين قوسين وهي تعني ضمناً أنّه يمكن أن تكون هناك عاصمتان في البلدية القائمة للقدس. وذلك يعني تقسيم القدس وباراك لا يمكنه قبول ذلك «على الإطلاق».
لم أكن أعرف عما يتحدّث، فقد قررنا عرض المواقف الإسرائيلية والفلسطينية بشأن القدس، مع بعض النقاط التي لا يوجد حولها خلاف. وثمة اختلاف بالطبع بشأن هذه النقطة.
لكن النقطة الأخيرة قالت إنّه ستكون هناك عاصمتان في بلدية القدس. وقال داني لا يمكننا تقديم الورقة إلى عرفات وتلك النقطة مكتوبة على ذلك النحو. كتبت كلمة «الموسّعة» لتعديل كلمة «بلديّة»، وقبلها داني مع أنّه لم يكن مرتاحاً. وقلت له: «لا تقلق; سيرى الفلسطينيون هذه الكلمة المكتوبة بخطّ اليد، وستثير انتباههم إليها ولن تعجبهم (بالنسبة للفلسطينيّين يمكن أن تنطوي كلمة «موسّعة» على مفهوم (بيلين ـ أبي مازن) الذي يوسع بلديّة القدس بطريقة تجعل أبو ديس جزءاً من القدس، بحيث يمكن أن تشكل العاصمة الفلسطينية). وطلب بروس من دوغ لين المساعدة التنفيذية للرئيس، استبدال هذه النسخة بالنسخة التي يوشك الرئيس كلينتون على تقديمها إلى عرفات.
كان روب مدوّن الملاحظات في الاجتماع المنفرد بين الرئيس وعرفات، وعندما خرج من الاجتماع، واجهته سائلاً كيف وُضعت النقطة الأخيرة في الورقة. فقال إنّه أضافها هو وجون، لكنّهما أهملا إبلاغي بما فعلاه. غضبت وقلت له، «ما كان يجب أن يحدث ذلك البتة وسوف نواجه مشكلة الآن». كان روب شديد الأسف، لكنّه قال إنّه يشكّ في أن تحدث مشكلة: «كان عرفات مسروراً لتسلّم الورقة من الرئيس». ذهبت إلى أسبن وكان الرئيس في مزاج جيّد. سألني لماذا استبدلنا الورقة وأوضحت له ما حدث.
كنا في وسط النقاش في كوخ وزيرة الخارجيّة عندما دخل جمال وقال إنّه ذهب ليسلّم نسخاً إضافيّة من الورقة إلى عرفات فشهد نقاشاً حامياً. وقال إنّ عرفات كان منزعجاً من الورقة وإنّ صائب يقوم بدور هدّام جدّاً. فهو يحرّض عرفات ويضلّله بشأن الورقة، مدّعياً أنّها ورقة باراك وأنّ الكلمة المقحمة عن القدس تثبت ذلك، ويدعوه إلى عدم القبول بالورقة. لم ترَ مادلين جمال على هذا القدر من الانزعاج من قبل، لكنّني قلت إنّ غضب عرفات تعبير عن عدم الرضى لكنّه يتوقّع ذلك. بعد بضع دقائق تلقينا اتصالاً بأنّ أبا علاء وصائب يريدان مقابلة وزيرة الخارجيّة. وقد وصلا في الثانية والثلث صباحاً. وبدآ بالشكوى من الورقة وقالا، ما حاجتنا إلى ورقة للمواقف الإسرائيلية والفلسطينية؟ ذلك لم يكن ما يتوقعونه، وهو ليس منصفاً. قرأت وزيرة الخارجية التنصّل في أعلى الصفحة، قائلة هذه هي رؤيتنا لموقف كل جانب وأنّهم غير ملزمين بتفسيراتنا. لكنّ ذلك لم يرضهما. فقلت، «إنّ هدف هذه الورقة هو تركيز المناقشات مع الإسرائيليين وتسريعها، وإذا لم تكن تفعل ذلك فإما أن تأتوا بأنفسكم بما هو أفضل وإما أن تستخدموا الحلول الممكنة التي أجملناها وتحرزوا بعض التقدم».
تمسّك صائب على الفور بما قلت مشيراً إلى أبي علاء بأنّني أوضحت أنّهم غير ملزمين باستخدام الورقة «كأساس». وقلت ذلك صحيح شريطة أن تكونوا مستعدّين لتقديم ما هو أفضل. رضي صائب وأبو علاء بذلك وغادرا. كانت الساعة الآن الثانية والنصف صباحاً فقلت لوزيرة الخارجيّة، «كان ذلك كله استعراضاً. لقد توصّلوا إلى استنتاج بأنّنا أعدنا كتابة الورقة بعد الممانعة الإسرائيلية، وإلا لماذا لزمنا وقت طويل لإعداد الورقة. والآن يمكنهم أن يثبتوا أنّ بوسعهم هم أيضاً أن يرفضوا الورقة». عندما عدت إلى كوخي، كنت أعرف أنّ يومنا كان سيئاً، فقد تراجعنا عندما اشتكى الإسرائيليون وأعدنا كتابة ما كان يدور في بالنا، وقد فعلنا الأمر نفسه مع الفلسطينيين بعد الذي قلته لصائب. لم أكن راضياً عن نفسي. كان عليّ أن أقاوم بقوّة أكبر رغبة الرئيس الفطريّة بكتابة ورقة مختلفة. كنت اعرف ان الاسرائيليين متصنعين الى حد كبير، ولا حاجة بنا الى التراجع، ولم يكن علي ان اتراجع مع صائب، فالتحدي الذي اثرته امامهم بالاتيان بما هو افضل يقدم لنا على الاقل، تبريرا جيدا للخروج بمشروع حقيقي وعرضه.
* بركان الغضب: ساعة أن احمر وجه كلينتون وهاج غضبا من أبو علاء
* كان الاجتماع الأول مع فريق الأرض والحدود والأمن، ولم ننتظر الكثير لنعرف ما حصل. ففي حين أنّ عرفات أبلغ الرئيس كلينتون بأنّه أعطى تعليماته إلى أبي علاء بالتقدّم وفقاً لما طلب الرئيس، بقي نهج أبي علاء على حاله من دون تغيير. فردّاً على خريطة إسرائيليّة تعرض ثلاثة ألوان مختلفة ـ البنيّ للدولة الفلسطينيّة والبرتقاليّ للأراضي التي سيضمّها الإسرائيليّون والأحمر للمناطق الانتقاليّة ـ لم يكن أبو علاء مستعدّاً لبحث الاحتياجات الإسرائيليّة ما لم يقبل الإسرائيليّون أولاً بمبدأ مقايضة الأراضي ويقلّصوا المناطق التي يريدون ضمّها.
حاول الرئيس في البداية التحاور مع أبي علاء بالحجّة، موضحاً أنّ بوسعه أن يعرف «لماذا لا تقبل بهذه الخريطة. لكن لا يمكنك أن تقول لهم، هذا ليس كافياً، أعطوني شيئاً مقبولاً أكثر; هذه ليست طريقة للتفاوض. لماذا لا تقول المنطقة البرتقاليّة كبيرة جدّاً، لنتحدّث عن احتياجاتكم ونرى كيف يمكننا تقليص المنطقة البرتقاليّة وتحويلها إلى بنيّة. إذا ركّزنا على ناحية الأمن ونظرنا إلى وادي الأردن، فقد نبحث القضايا الأمنيّة ونرى إن كان بوسعنا تقليص المنطقة البرتقاليّة». وافق شلومو على تلك المقاربة مشيراً بالتالي إلى أنّه منفتح على تقليص المنطقة البرتقاليّة، وهي تساوي 14 في المائة من المساحة الكليّة للضفة الغربيّة خارج القدس.
تابع أبو علاء الممانعة. وفيما كان يفعل ذلك ويكرّر محاجّاته القديمة بشأن لا شرعيّة المستوطنات واحتياج الفلسطينيّين إلى خط 1967، بدأ وجه الرئيس بالاحمرار. التفت إليّ محمد رشيد وقال إنّ الرئيس بدأ بالانزعاج، لم لا نأخذ استراحة؟ رأيت أنّ تلك فكرة جيّدة لاعتقادي بأنّ الاجتماع مع الفلسطينيّين على انفراد يمكن أن يتيح للرئيس إبلاغ أبي علاء ورفاقه بأنّهم يناقضون ما طلب منهم أن يفعلوه ووافق عرفات على أن يفعلوه ـ وأنّه لن يتابع في موقف يُقال له شيء ويُفعل شيء آخر.
توجّهت إلى الرئيس وهمست في أذنه أنّه قد يكون من الأجدى أن نأخذ استراحة ونتعامل مع الفلسطينيّين بمفردهم. استمع إليّ لكنّه لم يستجب. وبدلاً من ذلك، مضى ليقول إلى أبي علاء «لا أفهم ما الذي تخسره إذا افترضت أنّك ستحصل على المقايضة في النهاية أو أنّه لن يكون هناك اتفاق. بإمكانك أن تبحث المناطق البرتقاليّة في وادي الأردن وفي الممر بين القدس وأريحا وتعرف كيف تحوّل ذلك من برتقاليّ إلى بنّيّ. حسناً، الخريطة لم تعجبك، لكنّها اقتراح إسرائيليّ. فإما أن تكون محدّداً بشأن ما تحتاج إليه وإما أن تعرض خريطتك».
قال أبو علاء إنّهم لا يريدون تقديم خريطة يتخلّون فيها عن أرضهم. إذا أرادت إسرائيل أن تبرّر إجراء تعديلات على الحدود، فعليها أن تفعل ذلك بخريطة معقولة أكثر. كان بوسعي أن أرى الغضب بادياً على الرئيس. لذا وقفت واقترحت أخذ استراحة. لكن ذلك جاء متأخّراً. لقد طفح الكيل مع الرئيس فأطلق العنان لغضبه. قال إنّ هذا نهجاً لا يطاق. لقد خاطر كثيراً بعقد هذه القمّة. ونُصح ألا يركب هذه المخاطرة فأهمل النصيحة لأنّه شعر بضرورة عمل كل ما يستطيع القيام به للوصول إلى اتفاق. لكنّ هذه مضيعة فظيعة لوقته ووقت الآخرين. لقد عرض نهجاً معقولاً لا يعرّض المصالح الفلسطينيّة للخطر. ولن يخسروا شيئاُ بتجربته، لكن أبا علاء غير راغب في التفاوض. ولا أحد يقبل بما يطلبه. وهو لن يستطيع أن يكون طرفاً في شيء غير جدّيّ، وهذا أمر غير جديّ، إنّه مهزلة. لقد أعطى عرفات موافقته على ما طلبه الرئيس وها هو يأتي الآن إلى الاجتماع ويجد نهجاً فظيعاً ـ وكرّر الآن صياحه، «هذا نهج فظيع». وعندئذٍ قام الرئيس وخرج غاضباً. أصيب الجميع بالذهول. نهض الإسرائيليّون وخرجوا. كنّا في هولي، وكان الاجتماع التالي بين صائب وجلعاد بشأن القدس. كانا ينتظران في الغرفة المجاورة وسمعا صياح الرئيس وشاهداه يخرج غاضباً. توجّهت إليهما وأبلغتهما أنّ «الاجتماع التالي ألغي».
انتظرت، فخرج محمّد دحلان. سألني ما الذي يجب أن يفعلوه. فقلت، «عليكم يا محمد أن تتوجّهوا إلى الرئيس وتقولوا إنّكم ستمضون قدماً بخريطتكم أو تأخذون خريطة فارغة منّا وترسمون عليها ما تعتقدون أنّه طريقة معقولة للردّ على الاحتياجات الإسرائيليّة كما تفهمونها». أعجب بالخيار الثاني. وانضمّ إلينا محمد رشيد قائلاً إنّه يدرك أنّ غضب الرئيس مبرّر، لكن كان من الأفضل ألا ينفجر أمام الإسرائيليّين. ووافقه دحلان.
سألت «ما الذي تتوقّعانه؟ يضع نهجاً ويحصل على موافقة صريحة من عرفات، ثم يستمع إلى الهراء نفسه. إنّكم تستغلّون رئيس الولايات المتحدة وقد طفح الكيل». فقال دحلان إّنه سيعمل على خيار الخريطة الفارغة.
غادرا وذهبت للغداء. كان أبو علاء مهتزّاً. فقد أبلغ جمالاً أنّ عليه المغادرة، فلا يمكنه أن يكون مسؤولاً عن تخريب علاقة عرفات بالرئيس. وعندما جلست بقربه، كرّر أنّه ربما يجدر به ألا يفاوض، ثمّ وجّه سؤالاً ذا دلالة كبيرة، لماذا تكون تكتيكاتهم مقبولة وتكتيكاتي غير مقبولة؟ كان الأمر متعلّقاً بالتكتيك بالنسبة لأبي علاء. كان يحاول الحصول على أفضل اتفاق يمكنه الحصول عليه، وذلك جزء من اللعبة. ألم يفهم الرئيس ذلك؟
أبلغت أبا علاء أنّ صبر الرئيس نفد. فقد حان الوقت لتجاوز الألاعيب. الوقت يمرّ وحان زمن الأخذ والعطاء الحقيقيّ. كرّر أنّه ربما يجدر به الذهاب وعدم التفاوض. وفيما أبلغته أنّنا أصدقاء وأنّ هذا الأمر لن يتغيّر، لم أبذل أي مجهود في محاولة لثنيه عن ذلك.
* آخر محاولات الإنقاذ.. قناة رباعية
* كلينتون قال لباراك: دع رجليك يعملان بدون قيود وصولا لاتفاق * ثار غضب الرئيس في المقابل، قائلاً إنه عنف الفلسطينيين اليوم، لكن في الحقيقة لم يكن باراك يفعل شيئاً في قمة هو الذي أصر على عقدها. إذا لم يكن يريدنا أن نذكر القريتين في الورقة، فلن ندخلهما في الورقة، لكن على باراك أن يعلم أنه لن يكون هناك اتفاق. وإذا كان لا يريد ورقة أميركية تحظى بالمصداقية، فعليه عندئذ أن يكون جادّاً. «دع رجليك يعملان بدون قيود الليلة ويحاولان التوصّل إلى اتفاق».فقال باراك «موافق». قال الرئيس إنه سيذهب لمقابلة عرفات الآن. وسأل باراك عمن سيرسل إلى الاجتماع، فأبلغه باراك أنهما سيكونان شلومو وجلعاد. وبدوره سأل باراك من سنطلب من عرفات، فقال الرئيس محمد دحلان ومحمد رشيد. فأعجب باراك بذلك.
* .. وقال لعرفات: إذا لم يكن الاتفاق ممكناً فمن الأفضل معرفة ذلك الآن
* قابل الرئيس عرفات مع جمال. فوافق عرفات وقال إنه سيبلغنا عما قريب من سيكون رجلاه. وسأل عن المعينين من الجانب الإسرائيلي، فأخبره الرئيس. وفهم عرفات أن هذا الاجتماع بين الثنائيين سيكون سرياً، ولن يكشف أمرهما أمام الآخرين، وأنهما سيعملان طوال الليل ويقدمان تقريرهما إلى الرئيس ظهراً. ولن يكون هدفهما الدخول في مساومة كالعادة، بل محاولة التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الجوهرية. وأخبره الرئيس أنه ما من سبيل للمتابعة على ما نحن عليه، وإذا لم يكن الاتفاق ممكناً، فمن الأفضل معرفة ذلك الآن.
خلال عشر دقائق وصلنا الخبر بأنهما لن يكونا دحلان ورشيد. بل سينضمّ صائب عريقات إلى دحلان. وقال جمال لا بأس في ذلك لأن محمد رشيد سيجلس إلى جانب عرفات ويعمل معه، مكرراً ما كان رشيد قد أبلغ جمال بأنه سيفعله. وخالفته الرأي قائلاً إنها إشارة سيئة ـ وربما لا يمكن تجنبها لأن جلعاد يمثل الإسرائيليين، ولأن الشخص الأكثر مرونة في الجانب الفلسطيني لن يكون حاضراً في هذه المحادثات.
* شلومو وجلعاد وجداها فرصة.. مقابل خوف من دحلان وعريقات
* جاء الأربعة لمقابلة الرئيس في الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، فتحدث إليهم ليرفع همتهم، محاولاً تشجيعهم في مهمتهم وإيضاح الرهان لهم. وقال أيضاً، لحمايتكم، إنني مستعد لأن أقدم كل ما تأتون به على أنه من قبلنا; إن لديكم «حصانة» لما تقومون به لأنني سأتحمل مسؤولية كل ما تقومون به. وعندما خرج الأربعة من أسبن، شاهدت نظرات مختلفة على وجوههم: من الواضح أن شلومو وجلعاد وجدا في ذلك فرصة. لكن علا الخوف وجهي صائب ودحلان، ما يوحي بأنهما لا يعرفان تماماً ما إذا كان عرفات سيدعمهما حقاً إذا ما توصلا إلى تسوية بشأن أي من القضايا الجوهرية.