«سي آي إيه» دعمت القوات العراقية ضد الهجمات الايرانية وإدارتا ريجان وبوش الأب باعتا العراق معدات ذات استخدام مزدوج وتغاضتا عن استخدامه السلاح الكيماوي
على رأس التبريرات التي تقدمها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش لحربها ضد العراق، استخدام الرئيس العراقي صدام حسين للاسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية، وصلاته مع الارهابيين العالميين. ولكن ما يتجاهله المسؤولون الاميركيون هو ان هذه الاتهامات يرجع تاريخها الى زمن كانت واشنطن تنظر فيه الى صدام كحليف لا يقدر بثمن. ومن ضمن الاشخاص الذين لعبوا دورا اساسيا في احداث الانعطاف الاميركي نحو صدام، كان وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد، الذي التقى في ديسمبر (كانون الاول) 1983 الرئيس العراقي مبعوثا من الرئيس رونالد ريجان. وقد ساعد ذلك اللقاء بين صدام ورامسفيلد في تطبيع العلاقات الاميركية العراقية. وتكشف تقارير سرية نشرت اخيرا عن ان رامسفيلد ذهب الى بغداد في وقت كان فيه العراق يستخدم الاسلحة الكيماوية «على اساس يومي» تقريبا، في تحد مفضوح لكل الاتفاقات الدولية.
ان قصة تورط اميركا في علاقات وثيقة مع صدام، خلال السنوات التي سبقت غزوه للكويت، تعد مثالا حيا على الجانب المظلم من السياسة الخارجية الاميركية. وقد شملت تلك العلاقة تبادل المعلومات الاستخبارية وارسال القنابل العنقودية من خلال شركة واجهة تشيلية الاصل، وتسهيل حصول العراق على المواد الاولية لصناعة الاسلحة البيولوجية والكيماوية. ان عالم السياسة الخارجية الاميركية هو ذلك العالم الذي تبرم فيه الصفقات مع الطغاة، ويحدث فيه تجاهل واضح في بعض الحالات لخروقات حقوق الانسان، وتتسع فيه الصدور لناشري الاسلحة المحظورة، وكل ذلك على اساس المبدأ القائل: «عدو عدوي صديقي».
لقد كان العراق خلال الثمانينات يقف موقف العداوة الشرسة من ايران التي كانت وقتها في قبضة النظام الديني. وحينها كان المسؤولون الاميركيون ينظرون الى بغداد باعتبارها القلعة الحصينة في وجه التطرف الشيعي. وكان ذلك كافيا لجعل صدام حليفا استراتيجيا، وكان مبررا قويا بالنسبة للدبلوماسيين الاميركيين في بغداد ليتحدثوا عن القوات العراقية باعتبارها تمثل «قوات الاخيار» التي تحارب «قوات الاشرار» التي كانت تمثلها القوات الايرانية. وتوضح مراجعة آلاف الوثائق الحكومية السرية التي نشرت اخيرا والمقابلات مع صناع القرار السابقين، بما لا يدع مجالا للشك ان الاستخبارات الاميركية لعبت دورا حاسما في دعم القوات العراقية في وجه الهجمات الانتحارية التي كانت تقوم بها «الموجات البشرية» الايرانية. وقد قررت ادارتا ريجان وجورج بوش الاب، بيع العراق معدات كثيرة ذات استخدام مزدوج، مدني-عسكري، ومن ضمنها المواد الكيماوية السامة والفيروسات القاتلة مثل الجمرة الخبيثة وجراثيم الطاعون.
وما تزال هناك خلافات في الرأي بين خبراء الشرق الاوسط والمسؤولين الحكوميين السابقين، حول اسباب الانعطاف الاميركي نحو العراق، وما اذا كان من الممكن ان تلعب واشنطن دورا اكبر في حجب تقنيات صناعة اسلحة الدمار الشامل عن بغداد. وقال كينيث بولاك، المحلل العسكري السابق مع وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه» ومؤلف كتاب « نذر العاصفة» : « كان ذلك خطأ بشعا، ولكننا الآن اعدنا الامور الى نصابها. كنت واصدقائي المحللين بوكالة الاستخبارات المركزية، نحذر من التعامل مع صدام باعتباره شخصية بشعة، وكنا في عراك دائم مع وزارة الخارجية». ويدعو بولاك في كتابه المذكور الى شن الحرب ضد العراق.
ويقول ديفيد نيوتن، السفير الاميركي السابق في بغداد الذي يدير حاليا اذاعة معادية لصدام من براغ، بالجمهورية التشيكية: «كانت تلك سياسة مبررة في عمومها. كان يهمنا الا يفقد العراق حربه ضد ايران، لان ذلك كان سيهدد الخليج. وكان أملنا ان تصبح حكومة صدام على المدى الطويل اقل ميلا للقمع، واكثر شعورا بالمسؤولية». ويقول الخبراء في شؤون الشرق الاوسط، ان ما يجعل صدام اليوم مختلفا عن صدام الثمانينات، هو تراجع الثورة الايرانية وغزو صدام للكويت عام 1990، مما حول الحاكم العراقي، بين عشية وضحاها، من حليف الى عدو مقيت. يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة نفسها قد تغيرت. فبعد هجمات 11 سبتمبر(ايلول) 2001 على نيويورك وواشنطن، صار صناع القرار اكثر شعورا بالخطر الذي تمثله اسلحة الدمار الشامل وانتشارها. عندما بدأت الحرب العراقية الايرانية في سبتمبر (ايلول) 1980، كانت الولايات المتحدة تجلس على مقاعد المتفرجين، اذ لم تكن تربطها علاقات دبلوماسية لا بايران ولا بالعراق. ولم يكن المسؤولون الاميركيون يتعاطفون مع النسخة العراقية من القومية العربية التي يدعو لها صدام حسين، الا بقدر تعاطفهم مع النسخة الايرانية من الاصولية الاسلامية التي كان يمثلها آية الله الخميني. وطالما بقيت الحرب سجالا بين الدولتين، دون ان تتغلب احداهما على الاخرى، فان مسؤولا اميركيا واحدا لن يدعو للتدخل. ولكن الصورة الاستراتيجية تغيرت تغيرا كليا بحلول صيف عام 1982، فقد تحول العراق بعد المكاسب التي حققها في البداية الى الموقف الدفاعي، وتقدمت القوات الايرانية لتقف على بعد عدة اميال من البصرة، المدينة العراقية الثانية. وكانت تقارير الاستخبارات الاميركية تشير الى ان الايرانيين ربما يحققون اختراقا هاما من خلال البصرة، مما يمثل خطرا حقيقيا على الكويت وعلى دول الخليج وهذا كله يمثل تهديدا مباشرا لامدادات اميركا النفطية.
وقال هوارد تايشر، المسؤول السابق بمجلس الامن القومي، والذي كان يعمل في مجال السياسة العراقية اثناء ادارة ريجان: «يجب استيعاب الموقف الاستراتيجي وقتها، وقد كان موقفا مختلفا جدا عما نحن فيه الآن. وكانت السياسة الواقعية تقتضينا ان نمنع الموقف من ان يتدهور اكثر مما كان عليه». وفي محاولتها لمنع سقوط النظام العراقي، كانت ادارة ريجان توفر معلومات استخبارية للعراقيين حول اوضاع القوات الايرانية، وكانت تفعل ذلك في بعض الاحيان من خلال اطراف ثالثة.
لقد حدث الانعطاف الاميركي نحو العراق بموجب توجيه رئاسي حول الامن القومي صدر يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1983، ويحمل الرقم 114، وهو احد اهم القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية التي اصدرتها ادارة ريجان وما يزال سريا. ولكن مسؤولين سابقين كباراً يقولون ان ذلك القرار نص على ان الولايات المتحدة «ستفعل كلما تراه ضروريا وقانونيا» للحيلولة دون خسارة العراق للحرب مع ايران. وصدر القرار الرئاسي وسط خضم من التقارير التي تشير الى ان القوات العراقية لجأت الى استخدام الاسلحة الكيماوية لصد الهجوم الايراني. من الناحية النظرية كانت واشنطن تعارض معارضة شديدة استخدام الاسلحة الكيماوية التي حرمتها اتفاقيات جنيف عام .1925 ولكن من الناحية العملية كانت ادانة استخدام العراق للاسلحة الكيماوية من الاولويات المتدنية في اهتمامات الادارة الاميركية، وخاصة بالمقارنة مع الهدف الاكبر وهو منع النصر الايراني.
وهكذا، وفي مثل تلك الاجواء، وفي الاول من نوفمبر(تشرين الثاني) 1983، قام موظف كبير بوزارة الخارجية هو جوناثان هاو، باخطار وزير الخارجية جورج شولتز، بأن التقارير الاستخبارية تشير الى ان القوات العراقية «تستخدم الاسلحة الكيماوية على اساس يومي تقريبا» ضد الايرانيين. ولكن ادارة ريجان كانت وقتها قد تورطت في التزامات ضخمة، دبلوماسية وسياسية، تجاه بغداد، وذلك من خلال عدة زيارات قام بها رامسفيلد، المبعوث الخاص الذي كان الرئيس قد عينه وقتها للشرق الاوسط.
وكانت نقاط الحوار الاولية التي اعدت لرامسفيلد وقتها مستقاة من التوجيه الرئاسي رقم 114 ومن ضمنها عبارة تقول ان الولايات المتحدة ستعتبر «أي تغيير جوهري في الموازين ضد العراق، بمثابة هزيمة استراتيجية للغرب». وعندما التقى رامسفيلد صدام في 20 ديسمبر (كانون الاول)، ابلغه بان واشنطن مستعدة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، وذلك حسب تقرير عن ذلك الاجتماع لدى وزارة الخارجية الاميركية. وعبر المسؤولون العراقيون وقتها عن «سرورهم البالغ» لزيارة رامسفيلد التي « رفعت العلاقات العراقية الاميركية الى مستوى جديد» على حد تعبيرهم. وفي مقابلة اجراها رامسفيلد في سبتمبر (ايلول) الماضي مع شبكة «سي إن إن»، زعم انه «حذر» صدام من استخدام الاسلحة الكيماوية وهو زعم يتناقض مع التقارير السرية التي نشرت اخيرا عن ذلك الاجتماع. ويقول مسؤول بـ«البنتاغون»، هو برايان ويتمان، ان رامسفيلد أثار الموضوع مع وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، وليس مع صدام. وتقول وقائع الاجتماع لدى وزارة الخارجية انه اشار اليه اشارة عابرة باعتباره من المواضيع التي «عرقلت» جهود الولايات المتحدة لمساعدة العراق.
وقال رامسفيلد ايضا ان «لاصلة له» بمساعدة العراق في حربه ضد ايران. وفيما يؤكد مسؤولون اميركيون سابقون ان رامسفيلد لم يكن مهندس ادارة الرئيس الاسبق ريجان في الميل باتجاه العراق، فإن هناك وثائق تظهر ان زياراته الى بغداد قادت الى تعاون اميركي ـ عراقي وثيق على العديد من الجبهات، علما بأنه لم يكن يشغل منصبا رسميا عندما جرى تعيينه مبعوثا اميركيا الى الشرق الاوسط. وكانت واشنطن على استعداد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية فورا، غير ان صدام حسين اصر على تأخير هذه الخطوة حتى العام التالي. وكجزء من انفتاحها تجاه بغداد، شطبت وزارة الخارجية الاميركية اسم العراق من قائمة الدول التي تدعم الإرهاب رغم الاحتجاجات الشديدة من جانب الكونغرس. وقال مسؤولون اميركيون سابقون ان إزالة اسم العراق من هذه القائمة كان بمثابة محفز لصدام حسين لإبعاد ابو نضال من بغداد عام .1983 ومن ناحية اخرى واصل العراق استضافته لعناصر فلسطينية متشددة خلال عقد الثمانينات من ضمنها ابو العباس زعيم «جبهة تحرير فلسطين» الذي لجأ الى بغداد عقب طرده من تونس بسبب تورطه في تدبير اختطاف السفينة «اكيلي لاورو» الذي اسفر عن مقتل سائح اميركي كبير في السن. وفيما كان رامسفيلد يتحدث الى صدام وطارق عزيز في بغداد انتشر دبلوماسيون عراقيون وتجار سلاح في العواصم الاوروبية في حملة تهدف الى تسهيل شراء العراق السلاح من الخارج. وفي واشنطن كانت الشخصية البارزة في إطار هذه الحملة القائم بالأعمال نزار حمدون الذي بهر مسؤولي ادارة ريجان كشخص ماهر في نشاط جماعات الضغط (اللوبي). ويتذكر جيفري كيمب، خبير شؤون الشرق الاوسط في ادارة ريجان، قائلا ان نشاط حمدون كان مؤثرا على الجالية اليهودية الاميركية. ويضيف ان من الاشياء التي كان حمدون يفضل الاعتماد عليها خلال الحملة غطاء اخضر للرأس عثر عليه في جثة جندي ايراني خلال الحرب مع العراق. وطبعت على الغطاء المذكور خارطة لمنطقة الشرق الاوسط تظهر عليها سلسلة من الاسهم المصوبة نحو القدس، اذ درج حمدون على استعراض غطاء الرأس الايراني في المؤتمرات وجلسات الاستماع التي تعقد في الكونغرس كدليل على ان انتصار ايران على العراق ربما يؤدي الى ان تصبح اسرائيل ضحية الى جانب الدول العربية. وطبقا لشهادة خطية اعدها تيشر عام 1995 أمام المحكمة، فإن «الولايات المتحدة دعمت المجهود الحربي العراقي بصورة نشطة من خلال تزويد العراق بمليارات الدولارات في صورة ائتمانات وتزويده بمعلومات ونصائح عسكرية ومراقبة مبيعات السلاح له من دولة ثالثة للتأكد من حصول العراق على الاسلحة العسكرية اللازمة». وقال تيشر في شهادته الخطية ان المدير السابق لـ»سي. آي. ايه»، ويليام كيسي، استخدم شركة «كاردوين» التشيلية لتزويد العراق بقنابل عنقودية يمكن استخدامها لتشتيت الهجمات العسكرية الايرانية التي تستخدم تكتيك الموجات البشرية الضخمة. ورفض تيشر من جانبه مناقشة تفاصيل شهادته الخطية. وفي الوقت الذي عملت فيه ادارة ريجان على تسهيل تزويد العراق بالاسلحة والمعدات العسكرية حاولت ايضا قطع امدادات السلاح الى ايران في اطار ما سمي «عملية الصمود». وتمت تلك المساعي بنجاح الى حد كبير رغم فضيحة «ايران-كونترا» عندما اعترف البيت الابيض بصورة رسمية بالاتجار في السلاح لقاء إطلاق سراح الرهائن في خرق واضح لسياسة كانت الولايات المتحدة تحاول فرضها على دول العالم. وفيما تورطت شركات ألمانية وبريطانية بصورة كبيرة في بيع السلاح للعراق، غضت ادارة ريجان نظرها عن تصدير المواد «ذات الاستخدام المزدوج» مثل المواد الكيماوية التي تدخل في تشكيل مواد اخرى والانابيب المعدنية التي يمكن استخدامها في اغراض مدنية وعسكرية. ولكن طبقا لإفادات العديد من المسؤولين السابقين، فإن وزارتي الخارجية والتجارة روجتا للتجارة في مثل هذه المواد في سبيل ترقية الصادرات الاميركية وكسب نفوذ سياسي على صدام.
وعندما سمح للمفتشين بدخول العراق عقب انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، اعدت فرق التفتيش قوائم مطولة لمواد كيماوية وعناصر صواريخ واجهزة كومبيوتر استخدمت لأغراض عسكرية، اذ تم الحصول على مواد من شركات اميركية من ضمنها «يونيون كاربايد» و»هانيويل». كما اسفر تحقيق اجرته لجنة المصارف التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي عام 1994 عن الكشف عن عشرات العناصر البيولوجية التي ارسلت الى العراق خلال فترة منتصف الثمانينات بموجب ترخيص من وزارة التجارة الاميركية، بما في ذلك انواع متعددة من جراثيم الجمرة الخبيثة «الانثراكس» التي توصل «البنتاغون» فيما بعد الى انها تشكل عنصرا رئيسيا في برنامج العراق لانتاج الاسلحة البيولوجية. وصادقت وزارة التجارة الاميركية ايضا على تصدير انواع متعددة من المبيدات الحشرية الى العراق رغم الشكوك إزاء استخدامها في الحرب الكيماوية. ان حقيقة استخدام العراق للاسلحة الكيماوية لم تكن سرا، ففي فبراير(شباط) عام 1984 اعترف بذلك متحدث عسكري عراقي ضمن تحذير وجهه الى ايران قال فيه: «يجب ان يدرك الغزاة ان لكل حشرة ضارة مبيداً قادراً على إبادتها ... والعراق يملك هذا المبيد». وطبقا لتقارير وزارة الخارجية الاميركية، فإن القوات الجوية العراقية استخدمت عام 1987 عناصر كيماوية ضد الاكراد في شمال العراق. واثار ذلك الاستخدام في اطار استراتيجية «الارض المحروقة» لتدمير القرى الكردية غضب الكونغرس وجدد المطالبة بغرض عقوبات على العراق، كما أثار الهجوم ايضا غضب الادارة الاميركية ووزارة الخارجية دون ان يصل ذلك الغضب الى درجة الإضرار بصورة خطيرة بالعلاقات بين واشنطن وبغداد. فقد كتب مساعد وزير الخارجية الاميركية ريتشارد ميرفي في سبتمبر(ايلول) 1988 مذكرة حول مسألة الاسلحة الكيماوية والبيولوجية اورد فيها: «العلاقات الاميركية-العراقة مهمة لأهدافنا السياسية والاقتصادي البعيدة المدى .. اعتقد ان العقوبات الاقتصادية لن تكون ذات فائدة او انها ستأتي بنتائج عكسية في محاولة التأثير على الجانب العراقي».
وظل العراق يستخدم الاسلحة الكيماوية حتى انتهاء حربه مع ايران، فقد ابلغ ريك فرانكونا، وهو ضابط استخبارات تابع لسلاح الجو الاميركي، عن استخدام واسع لغاز الاعصاب بواسطة القوات العراقية عندما قام بجولة في شبه جزيرة الفاو جنوب العراق في صيف عام 1988 عقب استعادتها بواسطة الجيش العراقي، اذ ذكر ان ميدان المعركة امتلأ بحقن الاتروبين التي حاولت القوات الايرانية استخدامها عند الهجوم بغاز الاعصاب. ورغم الاجراءات المشددة على الصادرات الاميركية الى العراق نهاية عقد الثمانينات، فإن ثغرات كثيرة لا تزال موجودة. ففي ديسمبر(كانون الاول) 1988 باعت شركة «داو كيميكال» ما قيمته 1.5 مليون دولار من المبيدات الحشرية للعراق رغم المخاوف الاميركية من احتمال استخدام هذه المبيدات في البرنامج العراقي للاسلحة الكيماوية. وأورد مسؤول في بنك الاستيراد والتصدير في مذكرة كتبها انه لم يجد «أية اسباب» لوقف مبيعات المبيدات الحشرية الى العراق، رغم الدليل على نسبة السموم العالية في المبيدات التي بيعت الى العراق وخطورتها على الانسان واحتمال ان تتسبب في الموت بسبب «الاختناق».
وتشير الوثائق الى ان السياسية الاميركية التي اعتبرت صدام حسين زعيما عربيا معتدلا ومناسبا استمرت حتى غزو العراق للكويت في اغسطس(آب) .1990 وطبقا للنص العراقي للمحادثة التي جرت قبل اسبوع من الغزو العراقي بين السفيرة الاميركية في بغداد ابريل غلاسبي وصدام ، فإن غلاسبي اكدت للرئيس العراقي ان بوش (الأب) «يريد علاقات افضل واكثر عمقا»، وقالت لصدام ان «بوش رجل ذكي» وانه «لن يعلن حربا اقتصادية ضد العراق».
ويعتقد جو ويلسون، النائب السابق للسفيرة غلاسبي في بغداد وآخر مسؤول اميركي يلتقي الرئيس العراقي، ان الكل كان خاطئا في تقييم صدام . وأضاف «الكل في العالم العربي ابلغنا بأن افضل سبيل للتعامل مع صدام حسين هو تطوير علاقات اقتصادية وتجارية يكون لها اثر على جعل مسلكه اكثر اعتدالا .. بيد ان التاريخ سيثبت خطأ هذه التقديرات».