إذا كان جائزا في عرف الأدب تقسيم الأعمال الفنية بوصفها خاضعة - للجندر- (ذكر/أنثى)، فإن الرواية النسائية في الخليج تجاوزت مرحلة البدايات لتؤسس موقعها في خارطة الرواية العربية. ولما كانت مجتمعات الخليج كبعض نظيراتها في الشرق الأوسط، تعاني مخاض التحديث، وتجابه تحديات لا تزال ماثلة بشأن حقوق المرأة وأوضاعها، فقد وجدت الروائيات في هذه المنطقة أنفسهن - كما هو شأن الروائيين - في مأزق التعاطي مع اشكالات هذه المجتمعات وأنساقها المفاهيمية.
وظل النقاد ينظرون إلى النتاجات النسائية في مضمار الرواية في الخليج، باعتبارها متراوحة بين تعرية الذات وتعرية الجسد. وتعرية الجسد، تقع ضمن المفاهيم التي يشكل على المبدعين معالجتها في ظل مجتمعات في طور المخاض، ولم تتبلور فيها بعد الرؤى المعمقة تجاه الآداب، ناهيك عن أن النزوع إلى الشهرة، يشكل في بعض الأحيان منطلقا لبعض الأدباء للاجتراء على الجسد أو الدين أو السياسة، بوصفهم ثالوثا مقدسا في العالم العربي.
ويبدو من الصعب لدى القاريء العادي الامساك بالفروق بين العمل الجاد الذي يعالج تعرية الجسد بشكل ابداعي معمق، وآخر يجازف بالاقتراب فحسب من منطقة محرمة . وترى الروائية الكويتية فاطمة العلي انطلاقاً من تجربتها''أن الكتابة رسالة ولها هدف، ولتحقيق الرسالة والوصول إلى الهدف نحن بحاجة إلى شروط أولها القبض على ناصية اللغة، وامتلاك الادوات الفنية، والقبض على الافكار والقضايا ومساحة لا محدودة من الحرية، وهنا نتوقف لنسأل: أي نوع من الحرية؟
وتضيف الروائية الكويتية في سياق تحقيق نشرته صحيفة الاتحاد الاماراتية اليوم 15-6-2005 وأجرته الزميلة نصيرة محمدي، إذا كانت الكاتبة تريد طرح قضية تتكلم من خلالها عن الجسد، فهل البوح بها يكون دون حدود؟ وكيف نوظفه ونوصفه؟ هل كما جنحت بعض المتسرعات لطرق ابواب الشهرة بافتعال أزمات وقضايا واستباحة جسد المرأة بطرائق منفرة، أم المهارة ان نخترق التابوهات - المحرمات التي يحرم تداولها او بحثها- ولكن بمعالجات وطرائق واسلوب تثير القارىء وتصنع الدهشة للناقد وتخدم القضية دون نفور أو اباحية غير مبررة·
وعن تعرية الجسد بدل تعرية أنساق أخرى ترى فاطمة العلي أن الرواية العربية عموماً تتفرع إلى تعرية مركبة سواء تعرية الذات أو المجتمع أو الجسد. هذا الرأي ذاته تقوله الناقدة والشاعرة غالية خوجة التي لا تعرف لماذا لجأت الكاتبة إلى تعرية الجسد أكثر من تعريتها للنسق الواقعي واللغوي والغيبي بكل معاناته وحضوراته وغياباته، فهناك بعض الاعمال الروائية التي تكتبها المرأة تميل إلى تعرية الجسد، والهدف ليس الادب بحد ذاته، انما هو قشور الاستهلاك والشهرة، وهذا في رأي غالية سيبقى غريبا لان الذي يمكث في الزمن اللانهائي هو ذلك السرد الذي يتحول إلى تشكيلات تظل قيد الصيرورة سواء في تعرية المجهول باطلاقيته، أم بطريقة الكشف عن المبنى السردي، الإنساني الكوني، وأن تعالقات هذه الاحتمالات، تعالقات تركيبية وتفكيكية واحتمالية ايضاً، وتظل مجربة في ذلك البعد·
ويبدو التعميم في هذه القضية للروائية العمانية جوخة الحارثي منزلق خطر، لأنه ليس بوسعنا ان نضع كل ما تكتبه المرأة العربية في سلة واحدة، فالتجارب متباينة، ولكن في بعض هذا النتاج يمكن القول ان هناك قدراً من الصراخ . وهذا الصراخ يتوسل الجسد لتحقيق الشهرة ربما - وهذا مفهوم خاطىء - من وجهة نظرها للحرية وللكتابة في آن واحد. وتقول الحارثي اظن ان مثل هذه الاعمال ستكون مجرد زبد سيذهب جفاء في مستقبل الكتابة العربية· وتضيف الحارثي: هناك نصوص معنية بقضايا عميقة حقيقية، كتبتها كاتبات عربيات بعناية جديرة بالتقدير بما يعني ان تلك الدوافع اللاابداعية لا تتوافر في كثير من النصوص الروائية التي بين يدينا والتي ابدعتها كاتبات روائيات عربيات ·
لا أجد موضعاً للتساؤل حول كون الرواية النسائية في الخليج والوطن العربي معرية للذات أو الجسد. بهذه العبارة المفتاحية تبتدر الروائية القطرية دلال خليفة افادتها مؤكدة انها لم تقرأ جميع ما كتبته الروائيات الخليجيات، فبالنسبة لها ان كان لابد من استخدام كلمة تعرية فهي تعرية لواقع معين بالدرجة الاولى، واقع إنساني· لأن ما تكتبه لا يمس المرأة دائماً كبؤرة اهتمام ولا القطري أو الخليجي أو حتى العربي انما يمس الذات الإنسانية والكيان الإنساني كفكر وكمعاناة إنسانية· وتوضح: قد تظهر في اعمالي بعض من سماتي· وتضيف: في بعض الشخصيات قد تجدينني احيانا في بعض التفاصيل مثل طريقة تعاملهم مع بعض الأمور وفلسفة الاشياء، ولكني لا اضع نفسي في المركز لان اهتماماتي إنسانية·
وتعتقد دلال انه في بعض الاحيان عندما يركز الكاتب على الجسد ربما يكون ذلك لاسباب ترويجية، مع احترامها لدوافع هذه الكتابة، لان بعض الكتاب -أو الكاتبات- يرون مثلاً ضرورة ما في كتابة هذه المشاهد لخدمة فكرتهم الادبية· ودلال بذلك مع حرية الكاتب، ولكن في غير خروج سافر عن الذوق العام·
العربية.