آخر الأخبار

ثقافة الثورة

ثقافة الثورة

ولكي أفسر سؤالي علينا أن نحدد أولا مضامين تلك المفردات (الثقافة .. الثورة .. والسلطة). فالثقافة هي عبارة عن محصلة شاملة للناتج المادي والمعنوي لأي شعب على امتداد تاريخه يجري انتقالها من جيل لآخر في تواصل دائم لا ينتهي .. ونتيجة لهذه الديمومة أصبحت الثقافة تمثل مجمل الموروث الإنساني ماديا ومعنويا، وبما أنها موروث أنساني فهي متقلبة .. فليس كل موروث إنساني إيجابي .. والعكس.

أما مصطلح الثورة .. فهو أكثر المصطلحات تعقيدا ويتطلب تحديده العودة إلي الخلف إلي بداية القرن السادس عشر، ثم علينا أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار عوامل كثيرة من بينها مثلا المنظور الأيديولوجي في تفسير الثورة وتعريفها. لهذا فإني أكتفي بذكر السمات المرتبطة بمصطلح الثورة والتي اتفق حولها علماء علم الاجتماع .. حيث يرون أن مصطلح الثورة هو فعل مادي يرتبط بثلاث سمات رئيسية:

_ تغييرات ذات طبيعة جذرية للواقع الاجتماعي والسياسي والفكري.

_ ويتم هذا التغيير بشكل فجائي، وبأساليب عنيفة في الغالب.

_ كما يرتبط التغيير بالرغبة في تحقيق أهداف إنسانية نبيلة .. كمطلب الحرية والعدالة والمساواة والارتقاء. وهناك تعريف شديد الإيجاز يقول أن الثورة هي علم تغيير المجتمع .

أما السلطة فيمكن النظر إليها كمرادف لمصطلح الدولة باعتبارها المرجع الأعلى .. أو الهيئة الاجتماعية الممثلة للإرادة والسيادة .. وتملك وسائل الإكراه لممارسة تلك السيادة. وفي حالة الواقع وأخيرا .. فإن أي منتوج ثقافي لأي شعب يتشكل وفقا لقانون اجتماعي عام يؤكد على: أن التراكمات الكمية تؤدي إلي تغييرات نوعية . ة.

وبعد تراكمات سلبية على أداء السلطة ( نموذج لبنان، ومن بعده نموذج تونس ) تفشي سرطان الفساد والتراجع عن مبادئ الثورة النبيلة .. وكان لا بد أن يظهر من بين رموز تلك السلطة من يبشر لمشروع التسوية فهو يمثل البيئة والمناخ الأنسب لاستثمارات الثورة المضادة.

وبانقلاب السلطة على ذاتها وتنكرها لمشروع الثورة فلم يعد ينظر إليها كحركة تحرر وطني .. وإنما كاسفنجة تمتص كل دعم وعون يصل للشعب لتجيره لحساب المفسدين فيها .. وبأسلوب غير أخلاقي وغير إنساني.

كما قادها انقلابها على الثورة في النهاية إلي ما هي عليه الآن .. سجينة لمشروع التسوية المرتبط بدوره بقواعد وقوانين توازن القوي .. والتي حصرت اختيارات السلطة في العملية التفاوضي في دائرة تقديم التنازلات .. وتسويقها داخل المجتمع
مهدت سياسات السلطة المتقلبة والمتسلطة الطريق أمام النظام العربي ومنحته تأشيرة المشاركة في مشروع التسوية برسوم ضئيلة ذهبت إلي جيوب المرتشين والفاسدين، وهرول الجميع كما وصفهم شاعر العرب نزار القباني وانتهي الأمر إلي ما هو معروف للجميع .. الاعتراف بإسرائيل من قبل النظام العربي الذي ترك لمؤسسات دعايته صياغة الاعتراف بإسرائيل في مفردات خطابها الدعائي .. وترديده في جميع نشرات الأخبار .. واستضافة الصهاينة في برامج القنوات النفطية وغيرها.. تمهيدا للتطبيع الكامل.

فالفساد والخيانة ظواهر اجتماعية موجودة في كل المجتمعات وعلى مر كل العصور.. وتمثل عامل مشترك بين شعوب الأرض، وفي حالة الشعب الذي يعيش حركة تحرر وطني فإن وجود مثل هذه النماذج أمر محتمل وعادي .. خاصة إذا كان القائمين على تمويل الفساد داخل السلطة يدفعون بسخاء. المهم هو كيف يمكن التعامل مع هؤلاء الفاسدون وإبعادهم وشل حركتهم؟ وأن تصل الثورة إلي قرار يوازن بين خسائر الواقع .. وتكاليف التغيير. فكل ما يخشاه المرء هو أن تنتصر في النهاية سلطة فاسدة ..على حساب الثورة وشعبها.