أو الإيمان المطلق بنظرية المؤامرة، وهو مايعتبر بعرف هذه الأمم أريح للددماغ والنفس، وصدق المثل"شراء العبد ولاتربايته" فلماذا نربي ونتعب، مادام هناك مانشتريه، ويخلصنا من هذا العناء المرير.
وهذا ماينطبق على هذه الامة من مشرقها الى مغربها، التسليم قبل الحدث بنظرية المؤامرة، والهزيمة معاً، ولم لا؟! والأنظمة الرسمية مهزومة منذ ان نالت استقلالها، وقوى الشعب الديمقراطية_ ان جاز تسميتها بالديمقراطية_ مهزومة من داخلها، وما شعاراتها المطروحة سوى هزيمة بشعار إنتصار، وشعوب مهزومة تتغلغل لها نظرية المؤامرة حتى في معاشرته لزوجته، ونظرته للآخرين.
لست متفائلاً ولست متشائماً ولست مبالياً كثيراً فيما يدور لهذه الأمة، لأننا أدمنا الهزيمة، وأدمنا ان نقرع طبول الأزمات ، والتسامر حول حلبات الهزيمة بالرقص والغناء، لاننا أدمنا الكذب والنفاق، كما أدمنا التعامل مع كل شئ الا مع الحقيقة والواقع، ونبحث بين كومات الهزيمة عن هزيمة مأزومة نُعلق عليها فشلنا وضعفنا وهواننا.
فالسياسة تياسة بعرف هذه الأمة، لأنها لم تتعود التعامل مع السياسة وقراءة لأبجدياتها، بل نقرأ سطر ونقفز عشرة أسطر لنُسرع في الوصول الى النقطة- علامة الترقيم- التي تدل على نهاية الجملة.
العلم في الراس وليس بالكراس.... فكيف سنقرأ؟!، ولو قرأنا هل نفهم؟ ولو فهمنا هل نطبق؟!.
أثارت زيارة الرئيس المصري حسني مبارك بجنوب السودان من الإستهجان والإستغراب، حتى ذهب البعض الى الشعور بالمرارة من هذه الزيارة، وكأنها ستقسم السودان الموحد المتماسك القوي. وأصبح البعض يبحث في خفايا عقله عن أسباب سياسية لهذه الزيارة، واستبدلنا الحوار عن ضرورة دعم الجهود المصرية لتوحيد السودان، الى البحث عن المؤامرة التي يحملها حسني مبارك ضد السودان، وكأن السودان بحاجة الى مؤامرة!! فهو يعيش كل المؤامرات التي فتتّه وجعلت منه ولايات مجزأة مقسمة متحاربة، يطحنها الموت والفقر.
كل بدعة ضلاله، وكل ضلاله في النار..والبدعة أصبحت كيف نلتقي؟ وكيف نتعامل مع أزماتنا؟ أما الضلاله فهي أن نجلس على طاولة المفاوضات في أحضان عربية، داخل البيت الواحد، ولكن هيهات لأن العرب لايملكون قوى الإلزام، التي يملكها السيد الأمريكي، ونعود ونذرف الدمع على ماسكبناه من لبن بأيدينا.
قدمت مصر وثيقة الحوار الفلسطيني- الفلسطيني التي ذهبت جميع الفصائل الفلسطينية لمناقشتها في القاهرة، وقدمت على هذه الوثيقة ذات العشرة نقاط تحفظات تعدت المائة، وفي النهاية قاطعتها حماس، فما السبب؟ّ!
هناك من ذهب الى الإعتقالات في الضفة الغربية، وهو سبب غير مقنع وغير منطقي، فطاولة الحوار كفيلة بحل كل شئ، مادام هناك نوايا وطنية صادقة لإنهاء حالة الإنقسام في فلسطين، ولكن السبب الحقيقي يتمحور بسؤال مركزي، " من لديه النوايا بالتنازل عن عرشه المتربع عليه؟!". فحماس تحقق كل شئ في غزة، وتعيش أزهى مراحلها(السلطة، والجاه ، والخيرات)، تجبي كل شئ دون مقابل، ودون ان تقدم شئ كالإلتزام، فما يجبرها على المصالحة؟!. وبصدق لو إن أي فصيل مكانها سيفشل الحوار بل يطلق عليه يمين الطلاق البائن.
ونفس الشئ في رام الله، ونفس الشئ ينطبق على الأراجوزات الأخرى على مسرح السياسة الفلسطيني.
إذن فمن السبب في إفشال وثيقة القاهرة؟ وماذا لو كان هناك قوة إلزام مصلحية كالتي فرضتها قطر على قوى لبنان، التي تقاسمت لبنان كقطعة جبن؟!.
وهنا من الفاشل والمتآمر؟! حسني مبارك، أم القوى الديمقراطية السودانية؟! أم الشعب السوداني؟! أم نحن الشعوب؟!
الإجابة ستكون حسب أهواء كلاً منا، السياسية ، والمادية، والنفسية، والمصالح الشخصية سيكون تحتها عشرات الخطوط الحمراء.
إذن المؤامرة لم تقتصر على الأنظمة الرسمية ولكنها أصبحت نظرية حياة عامة تطبقها الشعوب العربية بكل إتقان وقدرة وشفافية، فأصبح الجميع متآمر على الجميع، والكل متآمر على الكل، والنفس متآمرة على النفس.
حالة هذيان نمر بها، كل منا تقمص لون الحرباء، يتلون حسب البيئة التي يتقوقع بها، وتتوافق وأهوائه ومصالحه الآنيه الذاتية.. أما الأوطان فهي أصبحت النفس فقط.. نفسي نفسي..
فاليد التي تبني هي نفس اليد التي تهدم.. وهي نفس اليد التي تحرق وتقتل.. فأي يد تلك التي تعودت على ان تبني صروح الهزيمة كإنتصارات مشيدة بنظرية المؤامرة..
وفي النهاية إتقوا الله بأنفسكم..
16\11\2008