آخر الأخبار

في غزة - حصار أم إحتكار

رحمك الله صدام حسين ، ورحم كل من سار على دربك ... دائماً نسترشد من التاريخ ما هو نفيس وكريم وطيب وفخر ، وها هي اللحظة تعود بنا لأعوام قليلة مضت ولكنها لا زالت شاخصة تتراءى أمامنا نسترق منها الذكري ونقارنها بالحاضر . فاليوم تتمثل محاكمة هذا الزعيم التي أبت الولايات المتحدة الأمريكية بمسخها البوش الصغير والدمى المتحركة مسلوبة الإرادة ومعدومة الكرامة والإنسانية عملاء المسخ إلا من نصب مشانق الموت لزعيم عربي أبى الموت والخضوع بثياب الإذلال والعار ، واختار ثوب الشرف والوقار ، ليثبت إنه الأقوى وأن العراق شامخ برجاله وقادته ، فلا تنحني شجرة النخيل أبداً ، ولا تركع لأقزام مسخه ، ولا تسقط ثمراتها إلا بأفواه شرفاء العراق وأطفاله ...
حاكموه .. ومنحوه شرف الشهادة لأنه أَعدم تجار الحروب والاحتكار ، أولئك الذين أرادوا التجارة بحياة الفقراء ليتكرشوا بالأموال المغمسة بآهات الفقراء والجوعى ، فكان لهم بالمرصاد ، لأنه يشعر بالجائع ، ويحس بالفقير ، ويدرك معني دعوة المظلوم .
الآن أدركت ما معني تجار الحروب والاحتكار ، أدركتهم لأنني أعيش في غزة تحت رحمة جشعهم وتكرشهم وفسوقهم وفجورهم التي أصبحت غزة وأهلها تئن وتئن منهم ، وأنينها ليس بفعل الحصار الذي يطوق عنقها ، وإنما بفعل الاحتكار بكل ما تعنيه من مفاهيم الجشع وسطوة رؤوس الأموال (تجار الحروب ) هؤلاء الذين استغلوا كل شيء في ظل غض النظر من الرقيب صاحب السلطة وحامي القانون ، وغياب نظام التسعير والرقابة على الأسعار ، فعاثوا بغزة احتكاراً وفساداً ، وجشعاً لأبعد ما يمكن تخيله وتصوره .
فأسعار السلع تضاعف ثمنها لأضعاف سعرها الحقيقي بحجة عدم توافرها ، والحصار ، برغم إنها مكدسة على الرفوف وفي الأسواق بكميات كبيرة جداً ، وكلما سألت يقول لك إنها قديمة عندي .... وعمليات التهريب من الأنفاق تدور وتستمر على مدار الساعة بلا كلل أو ملل أو توقف ، ولا نرى سوى الحقائب المكتنزة بمئات الآلاف من الدولارات الأمريكية الخضراء في المنطقة الحدودية بمحافظة رفح التي تحولت إلى منطقة تجارة واستثمار .
الطفل والشاب ، المرأة والرجل ، كلاً يبحث عن فرصة عمل واستثمار في (الأنفاق ) فهناك المستثمر ، وهناك السمسار ، وهناك التاجر ، وآخر صاحب أملاك (نفق) والعمليات التجارية تسير بوتيرة الكل مستفيد ، والكل يبحث عن فرصة للاستثمار .
تاه الوطن ما بين غضة الجوع وشهوة جمع الأموال ، وأصبحت طبقة ملاك الأنفاق صاحبة السطوة في غزة والكل يلهث ويسابق الزمن في جني أكبر وزن من الدولار ، فلغة العَدّ لم تعد قائمة لدى تجار الأنفاق وقتهم لا يسمح بها فاعتمدوا لغة الوزن حتى أصبح مالك النفق لا يُجهِد نفسه في عَدّ الدولارات بل يوزنها ووحدة الوزن تعطي الدلالة على المبلغ ومقداره.
وبعودة لتجار الحروب والحصار والدماء الذين يحتكرون السلعة في مخازنهم ويزودوا السوق بكميات اقل من الطلب بكثير تحت فرضية الحصار وعدم وجود ما يوازي الطلب يتحكم بأسعارها كيفما يشاء فيرفع الثمن حسب جشعه وطمعه وشهوته للمال ، وبزيارة لمخازنه تجد أطنان من هذه السلعة ولكنها لعبة التجار وفنون الجشع المستترة بقاعدة التجارة شطارة ، والشاطر من يستغل الفرصة .
نعم التجارة شطارة ولكن هل هذه تجارة ؟ وهل الاستثمار بالحصار وبالشعب المفترس من الجوع والموت والبطالة شطارة ؟!!!
ربما بالعرف والقانون الذي يحكمنا كله جائز ويجوز ، فإن غاب الدين والضمير ، وغاب القانون في محراب التكسب بالإنسان فماذا يبقي لهؤلاء ؟! لا يبقى لهم سوى الانتظار ليوم أن يسلموا الروح لبارئها وجني ثمار الدعوات التي نالوها من عباد الله الفقراء والمقهورين ، ممن يشاهدوا بأعينهم احترافية المتاجرة بهم كآدميين ، وسلبهم حقهم في الحياة بكرامة كباقي المخلوقات . فهل فعلاً تعيش غزة حصار أم احتكار؟
ومهما صرخنا لن تسمع صدى صرخاتنا المتبعثرة في وادي هاجرته حجارته الكريمة والنفيسة لتسكنه كل طيور الظلام المفترسة المتأهبة لغرس مخالبها في جسد أليف يسعى من ساعات الصباح الباكر لتأمين قوت أطفاله الباكون الشاكون من غضة الألم المستوحاه من أمعاء خاوية ، وأجساد أعياها الوهن من الجوع ....
فرحمك الله صدام حسين ... ورحم الله كل الشهداء

23/11/2008