آخر الأخبار

الآن أصبحنا نطبخ على البطاريات

ليس ثمة أثر للأرنب الذي تستخدمه شركة إنرجايزر في دعاياتها في مختبر البحوث الذي تديره شركة "جونسون كونترولز" في إحدى ضواحي مدينة ميلووكي. ولكن في جميع أنحاء المرفق، وخلف لافتات مكتوب عليها: خطر ضغط كهربائي عال نشاهد عمالا يرتدون سترات زرقاء وهم يجرون تجارب قاسية على جيل جديد من البطاريات لمعرفة إن كانت ستستطيع، كالأرنب الأجعد المستخدم في الدعاية، مواصلة السير من دون توقف. وفي أحد المباني تتم هذه الاختبارات داخل أجهزة اختبار حرارية عملاقة تبدو كالشخصيات الثانوية في فيلم Monsters Inc..
توجد داخل هذه الأجهزة بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن والتي يجري خفض حرارتها بصورة متكررة إلى 40 درجة تحت الصفر، ثم يعاد تسخينها إلى 185 درجة، ويتم استخدامها بصورة مستمرة وكأنها مركبة في سيارة كهربائية قطعت 150000 ميل. ومع أن هذه الشركة تحصل في الوقت الراهن على معظم دخلها من بطاريات السيارات التقليدية إلا أن العمل في مختبر البحوث يتركز بصورة ملحة على تحسين النماذج الجديدة من بطاريات الجيل القادم. ويقول رئيس الوحدة أليكس مولينارولي "حتى الآن ظل هذا العمل مشروعا علميا. والشيء الذي تغير هو أن هذه المسألة اكتسبت أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى صناعتنا وبلادنا وكوكبنا".
إنها مهمة تتركز على نقطة الضعف في عالمنا الذي يتميز بتقنية عالية. وعلينا أن نتذكر أن أجهزة الكمبيوتر النقالة (لاب توب) لم تكن في يوم من الأيام أسرع مما هي عليه الآن، وأن أجهزة الهاتف المحمولة لم تكن أكثر روعة في أي وقت مضى، وأن السيارات الكهربائية أوشكت أن تصبح في متناول الجميع، غير أن البطاريات لم تواكب تلك التطورات. فسرعة شرائح الكمبيوتر تتضاعف كل عامين، وقوة جهاز البلاك بيري الذي تملكه اليوم تساوي قوة جهاز الكمبيوتر الذي كنت تملكه في الماضي، ولكن البطاريات التي تشغل هذه الأجهزة لا تتطور إلا بنسبة 8 بالمائة سنويا. ويقول مايكل ثاكيراي، الخبير في البطاريات في شركة "آرغون ناشيونال لابوراتوري": "الجميع يصرخون مطالبين بمزيد من القوة في البطاريات". ولا تتوقف أهمية البطاريات القوية على مثل هذه الأجهزة وحدها. فالكثير من المسائل التي تحظى بأهمية قصوى لدينا اليوم ــ ومن بينها خفض اعتمادنا على النفط المستورد، أو توليد الكهرباء النظيفة باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ــ تعتمد على البطاريات العادية التي تم اختراعها قبل قرنين. والآن، وفي جميع أنحاء البلاد، يجري العمل على إعادة اختراعها.
يتمنى ستيف جوبز تحقيق هذا الهدف بأسرع ما يمكن. ففي عام 2007 قرر جوبز تأجيل إطلاق آي فون الذي يعمل بسرعة 3 غيغاهيرتز لأنه "يستهلك الطاقة بنهم شديد". وعندما تم أخيرا إطلاقه هذا العام، كان أصغر حجما وأسرع من سلفه. ومع ذلك، فإن مدة التحدث بهذا الجهاز أصبحت أقل بثلاث ساعات لأن تصفح الإنترنت يستهلك قدرا كبيرا من الطاقة، الأمر الذي يجعل العملاء يتذمرون. تقول سارة بيتينغ مديرة أحد المكاتب في مدينة سينسيناتي: "إنني أبقي الجهاز في الشحن خلال ساعات العمل كلها، وعندما أصل إلى البيت وأرسل رسالتين واستخدم الانترنت وألتقط بعض الصور، تفرغ البطارية تماما. إنني أحب أن أجد كل شيء في متناول يدي، ولكن يجب على صانعي هذه الأجهزة تطوير البطارية". (تقول متحدثة باسم شركة "آبل" إن عمر بطارية الشركة ينافس بطاريات الأجهزة المماثلة، وإن الغالبية العظمى من المستهلكين تقبلوا هذا الهاتف بصورة جيدة).
ومما يبعث على السرور أن هذا النوع من الشكاوى يوفر فرصة كبيرة للتطوير. وبدأ سوق البطاريات في العالم، الذي تصل قيمته إلى 71 مليار دولار، والذي كان في الماضي سوقا راكدا للتقنيات القديمة، مجالا ساخنا للتجديد. وازداد تدفق دولارات الاستثمار الأمريكية لتطوير البطاريات من 4.3 مليون دولار عام 2002 إلى أكثر من 200 مليون دولار هذا العام حسبما ذكرت مجلة داو جونز فنشر سورس. وقد بدأت حتى الشركات الكبرى مثل جنرال إليكتريك وإكسون موبيل الاستثمار في مجال البطاريات. ومن المتوقع أن يتضاعف حجم سوق بطاريات السيارات المهجنة والسيارات الكهربائية وحدها نحو خمس مرات ليصل إلى 3.7 مليار دولار بحلول عام 2015 حسبما يقول المستشار مناحم أندرمان. ومع تدفق هذه المليارات من الدولارات، أصبحت صناعة البطاريات تحظى باهتمام لم تعهده منذ عشرات السنين.
ورغم هذا، فإن البطاريات لن تتطور بالسرعة نفسها التي تتطور بها التقنيات المرتبطة بالكمبيوتر. ويعود السبب في ذلك إلى أن عمل البطارية يتوقف على تفاعل كيميائي تتحكم فيه قواعد الفيزياء والجدول الدوري للعناصر. ومنذ أن توصل العالم الإيطالي أليساندرو فولتا إلى الفكرة عام 1800، استخدمت البطاريات لتوليد الكهرباء استنادا إلى المبدأ الأساسي البسيط نفسه، وفيه يتم تفاعل كيميائي خاضع للسيطرة داخل مجموعة من الخلايا، لكل منها قطب كهربائي سالب وآخر موجب، ويفصل بينهما فاصل مشبع بإلكتروليت موصل. وعندما يتم توصيل البطارية تسبح الأيونات ذوات الشحنات الموجبة من القطب السالب إلى القطب الموجب، وبعد ذلك تمر الإلكترونات ذوات الشحنات السالبة من خلال دائرة خارجية، الأمر الذي ينتج عنه تولد التيار الكهربائي. وفي عام 1890 قام توماس إديسون بقلب هذه العملية، مخترعا بذلك أول نوع من البطاريات القابلة لإعادة الشحن والتي يستخدم فيها النيكل. ومنذ ذلك التاريخ ظل العلماء يجرون التجارب الكيميائية في محاولة لزيادة طاقة البطاريات، حتى توصلوا إلى البطاريات التي يستخدم فيها الرصاص والحامض لبدء تشغيل السيارات، وبطاريات النيكل والكاديوم لتشغيل النماذج الأولى لأجهزة الكمبيوتر النقالة (لاب توب)، وبطاريات النيكل والمعدن والهيدريد لتشغيل سيارات براياس وغيرها من السيارات المهجنة.
ظهرت بطاريات الليثيوم والأيون المتطورة التي نعرفها اليوم أول مرة في هواتف شركة سوني المحمولة التي كانت بحجم طوب البناء عام 1991. والليثيوم هو أخف معدن في الجدول الدوري للعناصر، ويستطيع تخزين كمية كبيرة من الطاقة في بطارية خفيفة الوزن، ولكن له أيضا جوانب سلبية. من بينها سعره المرتفع، فسعر بطاريات الليثيوم والأيون يصل الآن إلى ضعف سعر بطاريات النيكل والمعدن والهيدريد، الأمر الذي جعل شركة "جنرال موترز" تقول إن سعر سيارة تشيفي فولت قد يصل إلى نحو 40000 دولار عندما تُطرح في الأسواق عام 2010. ورغم هذا فإن بطاريات الليثيوم والأيون تمثل الخيار الكيميائي الجديد الساخن في تقنية البطاريات، غير أنه قد يكون أسخن مما يجب. فبما أن هذا النوع يولد طاقة كهربائية عالية جدا ضمن حيز صغير، فإن التفاعل الكيميائي قد يولد حرارة شديدة جدا ويؤدي إلى حدوث ما يسميه المهندوسون "الهروب الحراري"، وهي ظاهرة يصفها المستهلكون بأنها "انفجار صغير".
لفتت هذه المسائل المتعلقة بالسلامة الانتباه قبل عامين، عندما بدأت أجهزة الكمبيوتر النقالة التي تنتجها شركة "ديل" وغيرها من الشركات تحترق. فقد شاهد توماس فوركران الذي يعمل في أحد مناجم الذهب في مدينة كينغمان بولاية أريزونا جهازه النقال وهو يشتعل داخل سيارته النصفية، الأمر الذي تسبب في اشتعال خزان الوقود وطلقات بندقية الصيد التي كانت في صندوق القفازات. يقول فوركران: "شاهدنا اللهب يتصاعد إلى علو خمسة أو ستة أو عشرة أقدام من نافذة السيارة". وقد أدت هذه المشاكل المتعلقة بالسلامة إلى سحب الأجهزة من الأسواق والمستهلكين، وبدأ الباحثون يعملون بحذر شديد قبل تركيب جيل جديد من البطاريات في الأجهزة التي نضعها في مرآبات سياراتنا وجيوبنا. ويقول جيه بي ستروبيل رئيس قسم التقنية في شركة "تسلا" التي تصنع السيارات الكهربائية: "إن وقوع بضع حوادث من هذا النوع يكفي بسهولة لإلحاق الضرر بسمعة البطاريات الجديدة".
غير أن مختبر البحوث التابع لشركة جونسون كونترولز يعتبر مكانا مناسبا للبدء في التعرف على ما يخبئه المستقبل للطاقة المستمدة من البطاريات. فخط إنتاج بطاريات الليثيوم والأيون في الشركة مقام في "غرفة جافة" مغلقة يخضع جوها للتحكم. فبينما يقوم الفنيون بخلط مواد كيميائية توضع على صفائح رقيقة من النحاس ويلفونها داخل فرن للتجفيف، يتولى جهاز كمبيوتر مراقبة درجة الرطوبة ونقطة الندى في الغرفة. فالرطوبة تمثل مشكلة كبيرة في صناعة البطاريات، وذلك لأنها قد تتسبب في تلوث المواد الكيميائية وزيادة خطر حدوث هروب حراري. لا يسمح لأكثر من ثمانية عاملين بدخول الغرفة في وقت واحد، كما يقول مهندس البطاريات جيم سيمانسكي، لأن خروج كمية كبيرة من بخار الماء مع أنفاسهم قد يلحق الضرر بالبطاريات الوليدة.
ينصب معظم الاهتمام في شركة جونسون حول إمكانية إنتاج بطاريات أفضل لتشغيل جيل جديد من السيارات التي لا تلوث البيئة، الأمر الذي قد يساعد في تقليل اعتماد أمريكا على النفط المستورد. وفي مرآب خلف المختبر، تحتفظ ماري آن رايت بسيارة فورد إسكيب مهجنة صممتها عندما كانت تعمل في شركة فورد. وعندما بدأت تعمل في شركة جونسون كونترولز، قامت مع بعض زملائها باستبدال بطاريات النيكل والمعدن والهيدريد ببطاريات الليثيوم والأيون. كانت البطاريات القديمة تزن 192 باوندا، بينما كان وزن الجديدة، التي تولد طاقة أكبر، 130 باوندا. وكانت النتيجة أن سيارة إسكيب التي تم تركيبها على عجل تمكنت من تحطيم جميع الأرقام القياسية. ويقول ملاك سيارات براياس الذين تحولوا لاستخدام بطاريات ليثيوم وأيون يتم شحنها بالكهرباء إن سياراتهم تقطع 80 ميلا بغالون واحد من الوقود، ويعتقد بعض المحللين أن سيارة فولت التي تنتجها شركة جنرال موترز قد تحطم رقم المائة ميل بالغالون الواحد.
تقوم شركات أمريكية أخرى بإجراء تجارب رائدة في هذا المجال أيضا. ففي مدينة ووترتاون بولاية مساشوسيتس حصلت شركة "إيه 123 سيستيمز" على تمويل بمبلغ 148 مليون دولار لصنع بطاريات متطورة. وهي الآن تصنع بطاريات لشركة المعدات "بلاك آند ديكر"، وتنافس لصنع البطاريات التي سيتم استخدامها في سيارة فولت التي تنتجها شركة جنرال موترز. وتقوم شركة "إنترديل"، وهي شركة جديدة في مدينة إنديانابوليس بصنع البطاريات لشركة "ثينك" الأوروبية لإنتاج السيارات. وتلعب الحكومة أيضا دورا مهما في هذا الشأن، فالمختبرات الوطنية لشركتي "آرغون" و"أوك ريدج" لديها فرق تعمل في صنع بطاريات متطورة. وبدأ الباحثون يكتشفون مواد كيميائية جديدة ويستخدمون تقنية النانو لجعل بطاريات الليثيوم والأيون أكثر أمنا وموثوقية. فبطارية شركة إيه 123 سيستيمز، على سبيل المثال، تستخدم تقنية فوسفات النانو التي تساعد في منع الهروب الحراري وإطالة عمر البطاريات. غير أن الثمن الذي ينبغي دفعه لتحقيق هذا الهدف هو أن الكثير من هذه البدائل الكيميائية تؤدي أيضا إلى خفض سعة البطارية.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن الشركات الأمريكية العاملة في مجال صناعة البطاريات لا تستطيع منافسة شركات أخرى في العالم. فحماسة صانعي السيارات الأمريكية للسيارات الكهربائية فترت قبل 10 سنوات تقريبا عندما ثبت فشل سيارة إي في 1 التي أنتجتها شركة جنرال موترز والتي كانت تعمل بالكهرباء فقط. ومنذ ذلك التاريخ تمكنت شركتا تويوتا وهوندا من السيطرة على سوق السيارات المهجنة. ولهذا السبب تصدرت قارة آسيا العالم في إنتاج البطاريات المتطورة للسيارات والأجهزة. ويقول ديف فيو كبير الإداريين التنفيذيين في شركة إيه 123 "خلال السنوات الـ10 الماضية خسرت الولايات المتحدة الكثير في مجال صناعة البطاريات المتطورة. وخلال السنوات الـ10 المقبلة سنشهد زيادة جوهرية في استخدام البطاريات، وسيكون من الخطأ بالنسبة إلينا عدم المشاركة في ذلك". ورغم أن صانعي البطاريات الأمريكيين يحاولون اللحاق بمن سبقوهم، فإن صناعة البطاريات في اليابان تتجه نحو الاندماج: فشركة "باناسونيك" التي تزود شركة تويوتا بالبطاريات تجري مفاوضات لتملك شركة سانيو التي تصنع البطاريات لشركة هوندا. كما أن كوريا الجنوبية أثبتت أيضا قدرتها في مجال صناعة البطاريات، كما هي الحال بالنسبة إلى الصين حيث يجري تجميع البطارات المستخدمة في أجهزة آي فون. ويرى بعض المراقبين في كل هذا سببا للقلق كما يقول جيم برس نائب رئيس شركة كرايزلر: "هل سنستبدل اعتمادنا على النفط الأجنبي باعتمادنا على بطاريات تصنع في دول أجنبية؟"
هذه مسألة تتخطى السيارات والأجهزة المحمولة. فمن أجل الحد من انبعاثات الكربون، من المرجح أن تلجأ شركات المنافع إلى توليد قدر أكبر من الطاقة الكهربائية التي تحتاج إليها باستخدام مصادر متجددة كالرياح والطاقة الشمسية بدلا من الفحم والغاز الطبيعي. وتحتاج الخلايا الشمسية والتوربينات إلى بطاريات لأنها تولد الكهرباء بصورة متقطعة. فالرياح، على سبيل المثال، تكون أشد خلال الليل عندما تكون حاجتنا للطاقة قليلة، وعليه فإن تخزين تلك الطاقة ضروري لتوفير ما تسميه شركات المنافع "تقسيط الأحمال".
لتخزين الطاقة التي تولدها منشآت الطاقة الشمسية والرياح العملاقة، تجري بعض شركات المنافع تجارب على بطاريات الصوديوم والكبريت التي بحجم المقطورات. ومع تزايد عدد ملاك البيوت الذين يضعون ألواح الطاقة الشمسية على سقوف منازلهم وتوربينات الرياح في ساحاتهم الخلفية، بدأت شركات الخدمات محاولات للحد من استخدام هذه البطاريات العملاقة. غير أنه في الوقت الراهن، يتعين على المرء استخدام بطارية بحجم حمام متوسط ليتسنى له الاستغناء عن خدمات شركة الكهرباء والاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية. ويدرس الباحثون إمكانية تصميم بطاريات رقيقة، ولكنها مكلفة ويصعب إنتاجها بكميات تجارية.
يثق المتفائلون في إمكانية التغلب على هذه التحديات. وهم يتخيلون اليوم الذي تستطيع فيه سيارتك الكهربائية المساعدة في تخزين الطاقة التي تولدها ألواح الطاقة الشمسية فوق سطح منزلك، ويستطيع فيه الكثير من ملاك المنازل بيع الكهرباء التي ينتجونها في بيوتهم إلى شركات الكهرباء. قد تبدو هذه الأفكار السعيدة المتعلقة بالطاقة عظيمة بالنسبة إلى مولينارولي الذي يدير قسم البطاريات في شركة جونسون كونترولز، ولكنك قد تلتمس له العذر إذا بدا لك منهكا، فهو يقول: "إذا ذهبت خلف الستارة في مركزنا الفني فربما تجد مشاريع لإنتاج سيارات كهربائية قبل 10 أو 20 أو 30 سنة، وعليه فهناك كثير من الشكوك". ولكن في هذه المرة، ومع وجود آلاف الملايين من الدولارات الرامية إلى إحداث اختراق في صناعة البطاريات، هناك أمل في أن نتمكن أخيرا من تحويل حلم الاقتصاد الكهربائي إلى حقيقة.
كيث نوتون - "نيوزويك"