آخر الأخبار

توقيت عملية غزة

اختيار إسرائيل لأواخر الشهر الماضي كموعد لبدء عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة، لم يكن مصادفة، لأنه الفترة التي لا تحسب على أي من حكام واشنطن وتل أبيب. أما في إسرائيل فبعد أن فشلت ليفني في تشكيل الحكومة وأصبح الجميع في انتظار الانتخابات.

وبقي أولمرت بشكل مؤقت على رأس الحكومة الإسرائيلية بالرغم من أنه مطلوب من العدالة. لذا لا حرج إذا شنت إسرائيل أعنف عملية عسكرية دامية، طالما أن المذنبين لا يتحملون المسؤولية. أما في واشنطن.. جورج بوش حزم حقائبه ويقف الآن على عتبة البيت الأبيض لكي يغادره في انتظار قدوم أوباما ليتسلم مهام منصبه كرئيس للولايات المتحدة، ولا يملك أي طرف في الإدارة الأميركية الإمكانية أو الإرادة لاتخاذ القرار.

أما موسكو فتعيش معركتها التقليدية مع أوكرانيا حول إمداد الغاز، والتي للمرة الثالثة على التوالي تتواصل، بعد أن اعتبرت حكومة كييف أنها قامت بسداد كافة ديونها المستحقة لشركة (غاز بروم) بعد أن قامت بتحويل مليار ونصف المليار دولار، فيما تؤكد موسكو أن حوالي 900 مليون دولار مازالت مستحقة السداد، وقامت شركة(غاز بروم) بقطع الغاز عن أوكرانيا، وهددت بمقاضاة حكومة كييف. وتقف أوروبا كمراقب قلق بين طرفي الخلاف، خوفا من أن تتأثر إمداداتها بالغاز والتي تمر عبر الأراضي الأوكرانية.

في نفس الوقت تتابع أوروبا بقلق نشاط روسيا بين منتجي الغاز والذي أسفر عن تأسيس المنتدى الدولي لمنتجي الغاز.وتغرق حكومات كل هذه الدول في مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة من جراء الأزمة المالية العالمية !!

لذا يبدو أن كافة أطراف المجتمع الدولي تواجه هموما ومشاكل كثيرة، تجعلها تضع الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، في آخر أولوياتها. وقد يفسر هذا الوضع إخفاق مجلس الأمن، الذي لم يهتم أعضاؤه ـ باستثناء ليبيا- بإصدار بيان أو موقف يحدد سبل تجاوز الأزمة المتفجرة، بالرغم من أنه عقد عدة اجتماعات منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية.

أما الدول العربية والتي يمكن أن تكون معنية بدرجة أكبر بما يحدث في غزة، فيبدو انها قررت أيضاً الانغلاق والتركيز على مشاكلها، ولم تتمكن من عقد قمة عربية لبحث الإجراءات التي يمكن أن تتخذها لمواجهة التطورات الدامية في قطاع غزة.

ولكن روسيا بالرغم من همومها إلا أنها سارعت لإرسال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. وطالبت إسرائيل بوقف العمليات العسكرية ضد الأراضي الفلسطينية، وإنهاء حصار قطاع غزة فورا. وقدم مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة طلبات بتوفير ممر آمن لخروج السكان المدنيين من قطاع غزة. وشدد على ضرورة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل كامل.

ولكن يبدو أن اختيار التوقيت من جانب تل أبيب لن ينقذ مسار التسوية السلمية، ولن يجنبها الاتهام بالقيام بنسف العملية السلمية، ليس فقط على المحور الفلسطيني-الإسرائيلي، وإنما أيضاً على المحور السوري، والذي شهد خلال الفترة الماضية تحركات محدودة ولكنها هامة وإيجابية وتنبئ بإمكانية التوصل إلى تفاهم.

الحرب الإسرائيلية جاءت لتقول على ما يبدو ان تل أبيب لا تسعى لتسوية الأزمة الشرق أوسطية عبر السبل السلمية، كما أنها ليست مهتمة بالتفاهم مع دمشق. بل انها وضعت مصر في موقف حرج أضعف دورها كوسيط بين الفصائل الفلسطينية وكوسيط في العملية السلمية.

هذا الوضع طرح أمام روسيا مهام معقدة، لأنه يكشف عن عدم حرص أطراف النزاع على التوصل إلى تسوية، بل وعدم اهتمامهم بتفجر الصدامات المسلحة، ما يعني أن مؤتمر موسكو لن يكون العصا السحرية التي ستنقذ الشرق الأوسط من أزماته، ولا جدوى من عقد لقاء لمجرد اللقاء، لأنه كما يبدو أن أطراف النزاع ترى مصلحتها في بقاء الحال على ما هو عليه، وهو ما تعكسه المساعي الهادئة والبطيئة لإيقاف العنف في غزة.

كاتبة روسية