وأكثر الناس وقوعاً بهذا الالتباس هو المسؤول نفسه. فعندما يصل أحد المواطنين إلى درجة معينة من المسؤولية ( رئيس دائرة ما على سبيل المثال), لا يكون مدركاً بشكل كامل لماذا تمّ تعيينه في هذا المنصب, وما هي وظيفته الحقيقية والمثالية في عمله.إنّ أكثر ما يدركه هو أنه أصبح لديه مكتب أكبر من ذي قبل, وعدد الناس المتوافدين عليه زاد عن السابق بالإضافة إلى سيارته الجديدة, والشيء الذي لا يفارق ذهنه هو أنه أصبح مسؤولاً وهو بالنسبة للمناصب الأعلى درجة يصنف كمسؤول صغير ولكن لماذا ؟ أعتقد أنه لا يعلم دقيقاً لماذا...!.ويكون همه وشغله الشاغل كيف سيتحول إلى مدير عام والذي يطمح بدوره ليصل إلى وزير وهكذا...
إن الطموح للمراتب العليا يدل على الرقي والتقدم في المجتمع, ولكن عندما يكون هذا الطموح نابعاً من ثقافة شاملة وواسعة ووعي تام بالمسؤولية الوطنية.أما الطموح المبني على الاستهتار والفوضى فهو دليل واضح على تصدع في بنية المجتمع وعائق لتطوره وتقدمه.
اذاً في كثير من الأحيان المسؤول في جميع درجاته هو في صراع مع كلمة مسؤول صغير ومسؤول كبير ويذهب عن ذهنه نهائياً أنّ هذه الكلمة متصلة بشكل غير قابل للفصل عن المسؤولية, أي مرتبطة بطبيعة وحجم عمله وعدد المواطنين المرتبطين بهذا العمل, أي أنّ هذه الكلمة التي يتحملها المواطن منبثقة بشكل كامل من المسؤولية التي تقع على عاتقه في عمله الجديد, وكلما ازداد حجم عمله وحساسيته حيث بالتالي يجب أن يزداد جهده وكفاحه ورحابة صدره وحلمه وقوة تفكيره تزداد درجة المسؤولية لديه ويصنف على هذا الأساس مسؤول صغير ومتوسط وكبير وعالي الشأن... ولا يكون معنى كلمة مسؤول كما يظن وكما يحاول تفسيرها كثير من المسؤولين في مجتمعنا وبقية مجتمعات العالم العربي والإسلامي على أنها تعبير ودليل عن حجم المكتب وديكوره وأثاثه, أو أنها تأتي بحسب طراز وموديل وفخامة السيارة ومن قلة وكثرة الأشخاص المساعدين والمرافقين له.
لقد نسي كثير من المواطنين المسؤولين في أيامنا هذه أنه من الطبيعي جداً عندما يزداد حجم العمل تزداد بالتالي المسؤولية ويصبح بذلك المواطن المسؤول بحاجة إلى مكتب كبير لأن حجم المعاملات وعددها ازداد وكذلك عدد المواطنين المرتبطين بعمله والمراجعين ازداد أيضاً وبالتالي فإنّ ذهابهم وإيابهم بحاجة إلى مكان يتسع لخدمتهم وإدارة شؤونهم وبالتالي إدارة أحد مرافق الدولة والمجتمع بأكمل شكل, ونتيجة لهذا العمل الكبير الذي ينتظره والذي يقع على عاتقه من خلال اسم المسؤول الذي يحمله فهو بحاجة إلى وقت أكبر ولعمل إضافي أيضاً. لذلك رأت الحكومة أن تمنحه ذلك الأثاث المريح وتزوده بما يلزمه من مرافقين ومساعدين لكي يستطيع أن ينجز مسؤوليته على أكمل وجه, ولكي لا يكون لديه أي عذر في التقصير بمسؤوليته رأت الحكومة أيضاً أن تمنحه سيارة تتناسب وحجم عمله لتمكنه من مساعدته حيث يحتاجها في عمله الجديد الذي يتطلب مراقبة دقيقة وسريعة لمجريات العمل والتجوال بين موظفي الإدارة في فروع العمل المختلفة.
إنّ ما نشاهده على أرض الواقع في عمل الكثير من المسؤولين مختلف تماماً, حيث ينسى المواطن المسؤول كل هذا ويظن أنّ مكتبه هذا ملكه الشخصي فيغلقه في وجه من يشاء من المواطنين ويفتحه في وجه من يشاء, ويوظّف مرافقيه ومساعديه لمنزله ومزرعته وأولاده, ويسخر سيارة العمل للتنزه والرحلات العائلية وغير العائلية, وإن كان تحت تصرفه أكثر من واحدة فيتركها مع سائقها لخدمة عائلته.
يجب أن نوضح شيئاً لأخواننا من المواطنين المسؤولين أن كلمة مسؤول تأتي من المسؤولية التي كُلّفَ بها والتي عليه تحملها, ومهما اختلفت درجات المسؤولية فهي تنجز بطريقة واحدة وسلوك واحد وهو الإيمان بالعمل والإحساس الوطني الذي يجب أن يدفعه إلى تحمل هذه المسؤولية من كل جوانبها وانجازها على أتم وجه, ونعود ونذكّر أيضاً أخوتنا المواطنين المسؤولين أنّ المكتب بحجمه المختلف والسيارة على اختلاف طرازها والمساعدين والمرافقين لا تصنع المسؤول وإنما هي عناصر مساعدة لكي تتحملوا مسؤوليتكم تجاه أخوتكم المواطنين وبالتالي تجاه مجتمعكم ووطنكم.
يجب على كل مسؤول أن يعتبر عمله كمنزله, حيث يعتبر مكان العمل داره وبيته فيحافظ على أثاثه ومظهره الخارجي ويحمي حدوده ويجعل داخله وأمامه نظيفا مرتباً, وليعتبر كل موظفي العمل كأولاده وأخوته حيث لديه الحق بتوجيههم و وكذلك يهتم بأمور عملهم لما فيه خيرهم وخير العمل والمجتمع , وليعتبر من يأتيه من المواطنين ضيوف منزله وداره فيسعى جاهداً كما لو كان في منزله لإبراز الصورة الأفضل عن مكان عمله وموظفيه ويقدم ما يمكن تقديمه لهم بما يخدم في النهاية رعاية شؤونهم ومصالحهم وبالتالي رعاية وخدمة شؤون المجتمع والوطن.
قد لا يتحمل المسؤول وحده هذا الموضوع وهذا الأسلوب المتخلف الذي يتّبعه حيت أنّ أكثر المواطنين وعن جهل بمعنى المسؤول والمسؤولية يحاولون أن يوَصّفوا المسؤول بما ليس لديه, ويعطوه ما ليس حقه, ويمدحوه بما ليس فيه, ويقدمون له ما لا يستحق, ويقولون عنه ما لا يليق به, ويطعمونه ما يضره ويضرهم, الأمر الذي يُشجّع فوقية المسؤول وتعاليه وانحرافه رويداً رويداً عن مسؤولية عمله , وكذلك تعزيز التباسه حول مفهوم المسؤول والمسؤولية, وتعود الحالة لتكرر نفسها عندما واحد من هؤلاء الناس يتولى يوماً ما عمل على درجة ما من المسؤولية فيمارس نفس الممارسة التي قام بها المسؤول السابق وبنفس العنجهية وأكثر مدركاً أنّ منصبه بهذا الشكل يُدار وهذه هي المسؤولية وهكذا تمارس, وينتظر من الناس ما كان يفعله سابقاً ظاناً أنه واجب تجاهه وتجاه منصبه.
أرجو من أبناء مجتمعنا أن لا يتسرعوا في الحكم على الكثير من أخوتهم من المواطنين المسؤولين لأنّ ما يقومون به من عدم تحمل للمسؤولية ليس بقصدهم وإنما نتيجة عدم ادراكهم لمعنى المسؤول والمسؤولية.
إخوتي أخواتي في المجتمع والوطن, إننا جميعاً نساهم بما يرتكبه أخوتنا المواطنين المسؤولين من انتهاك لحرمة العمل والإخلال بالمسؤولية الواقعة على عاتقهم من خلال سكوتنا ووقوفنا أصناما أمامهم فيظنون أننا تماثيل لتزيين أماكن عملهم ومكاتبهم ومكررين الالتباس نفسه ظناً منهم أنً هذه الأصنام هي أيضا إحدى حقوق المسؤول تقدمها إليهم الحكومة كل يوم.
HasanOthman2@yahoo.com