مثلما الديمقراطية في الجزائر هشة بل و وهمية، مجتمعها المدني أيضا وهمي و وجوده شكلي فقط، لاستكمال ديكور الديمقراطية التي يجب أن يكون لها ديكورا واضحا للآخر، العالم الغربي، مراقب الديمقراطية و راعيها.
بعد أحداث 05 أكتوبر 1988، و بعد أن ودعت الجزائر شكل النظام الأحادي، و دخلت عهد التعددية الحزبية و حرية الرأي و التعبير و الصحافة، بعد هذا ظهرت عشرات الصحف، و مئات الأحزاب و الجمعيات باختلاف أنواعها و ميادين نشاطها، تكاثرت بطريقة هائلة، لكن كثرتها لم تجعلها قوة فاعلة في المجتمع و مؤثرة في الرأي العام، و من المفروض أن تكون منظمات و جمعيات المجتمع المدني هي صانعة الرأي العام و المحرك الأول له، و هي المؤثرة الرئيسية في القرارات الصادرة من السلطة، سواء بقبولها أو رفضها، تعديلها أو تغييرها.
و من المفروض أيضا، أن المجتمع المدني هو مجموعة المنظمات و الجمعيات غير الحكومية التي تكون مستقلة عن الدولة، و مهمتها تقديم خدمات أساسية للمواطنين في مجالات الصحة و التربية و الزراعة و البيئة، كما تقدم خدمات تدريبية و تثقيفية و تنظيمية و تأطيرية سياسية، و الأهم أنها تشكيلات لا تقوم على مبدأ الربح.
هذا المفروض، و ما يجب أن يكون، لكن على أرض الواقع، و بجزائر الديمقراطية المقنعة، منظمات المجتمع المدني البارزة و المجهرية هي في الغالب لمساندة الرئيس و النظام الحاكم، و مهمتها الأساسية هي التصفيق لهما، و حشد الناس خلال التجمعات و الملتقيات لسماع الخطابات المكررة، و لجمع التوقيعات في حال تطلب الأمر ذلك (تماما مثلما حدث هذه الأيام لجمع توقيعات المساندة للرئيس الحالي).
إذا أخذنا بعين الاعتبار عامل "الاستقلالية" عن النظام الحاكم كشرط أساسي لإطلاق صفة المجتمع المدني على أي منظمة، لا يمكن عندها اعتبار الأحزاب السياسية الجزائرية من ضمن منظمات المجتمع المدني، بكل بساطة لأن ولاء أغلبها هو للنظام الحاكم، و بطريقة غير مباشرة هي تابعة له و راعية لقراراته و استمراره، حتى من تصنف على أنها أحزاب معارضة، تبقى معارضتها شكلية فقط، و كذلك الأمر بالنسبة للاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي لم يرق أبدا إلى مستوى المنظمات العمالية الحقيقية التي تقول كلمة الحق بصراحة و بدون الخوف من زوال رضا ولي النعمة، و أيضا اتحاد النساء الجزائريات الذي لا يفوت فرصة للتصفيق و التهليل للنظام.
كما و استنادا لشرط الاستقلالية، لا يمكن أبدا تصنيف منظمات: "المجاهدين" و "أبناء المجاهدين" و "أبناء الشهداء" كمنظمات مجتمع مدني، بسبب تبعيتها المباشرة لوزارة المجاهدين و للنظام ككل.
و بالتالي و بنزع صفة "المجتمع المدني" على كل تلك الأحزاب و المنظمات و الاتحادات، تبقى لدينا الجمعيات الخيرية و الثقافية و الرياضية، و هي في الغالب إما مهمشة، أو أنها منضوية تحت لواء المصفقين و المهللين للنظام.
إن معارضة النظام ليست شرطا لتكون منظمات المجتمع المدني فاعلة و مؤثرة، المعارضة ليست هدفا في حد ذاته، لكن من غير المعقول أن نرى أغلب منظمات المجتمع المدني و على مدى سنوات عديدة و متتالية تكرس كل وقتها و جهدها لمدح النظام و إرضاءه.
*ناشط اجتماعي جزائري
djameleddine1977@hotmail.fr