وذلك في محاضرة له في جامعة تشرين بحضور"رئيس المكتب الاقتصادي الفرعي في جامعة تشرين لحزب البعث و اعضاء المكتب الفرعي لنقابة المعلمين ". إلى هنا انتهى الخبر .
حين يقول هذا الكلام شخص عادي لا يدعّي أنه "باحث تاريخي" ربما قد نغفر له عدم إلمامه بتاريخ بلده , ولكن حين يورد هذا الكلام بل ويطالب به من يدعي البحث التاريخي فهذا لا يمكن أن يكون جهلا وحسب بل إنه يتعدى ذلك لأمور جد خطيرة .
إن هذا تشويه وتزوير لتاريخ مدون امتد لستة آلاف سنة , ومحاولة بائسة تأتي بعد أن عزف عن ذلك المسشرقون والتوراتيون , واصبح الكثير منهم يعترف بفشل تلك المحاولات المستميتة لفرض التاريخ التوراتي على المنطقة بإسقاط وإغفال اسم سوريا من كل التاريخ القديم تحت مسميات ويافطات مثل : الشرق الأدنى ,شرق المتوسط , آسيا الصغرى, الشرق , الشرق القديم ..الخ ).
بدءا بزغريد هونيكة وليس انتهاءا ببير روسي الذي يقول :إننا نلمس سجلا يحمل أفدح أنواع التزوير والتخريب وليس هناك أصعب من تصحيح مسلمات في مسيرتنا العقلية جمدت حصينة منيعة أمام الحقائق"
وليست محاضرة عطا بطل بين أيدينا ولكن ما أورده الخبر على إيجازه يكفي لكي نعلم أمام اي نوعية من (الباحثين ) نحن , ونعلم لماذا استسهلت (إسرائيل) سرقة تاريخنا لكي تبرز نفسها وتنسبه لها ولكي يصبح التاريخ السوري هو تاريخ عشائر توراتية بدوية تتناحر وتتقاتل على كل شيء من رعي الغنم وصولا للقتل واغتصاب النساء, على مبدأ إن كنتم أنتم لا تحرصون ولا تعرفون تاريخكم بل وتطالبون بتغيير الأسماء فيه فليس علينا حرج في سرقته ونسبته لنا.
إن د. بطل يجمع ببساطة بين الأسماء الرومانية والبابلية والسريانية ويدعو لتغييرها بأسماء عربية!! هكذا يقرر بأن السريانية والبابلية (لغات) أجنبية !!وبجرة قلم يساوي بدعوته بين أبناء سوريا البابليين والسريان و مع الرومان المحتلين, ويساوي بين اسماء الشهور السريانية والبابلية وتلك الرومانية (والتي كانت محاولة في وقتها لطمس أسماء الأشهر السورية في حملة ضخمة لتزوير وطمس التراث السوري بعد احتلال سوريا من قبل الرومان). ولم يكن لديهم ما يستعيضون عن الأشهر السورية التي ترتبط بدورة الخصب , فأبدلوا أسماء الأشهر بمراتبها وكما كانت في الترتيب عند السوريين , فمارش هو الأول ,وسبتمبر هو الشهر السابع وديسمبر هو العاشر..الخ وأضاف يوليوس قيصر في عام 47 قبل الميلاد بعد أن غيّر ترتيب الأشهر وجعل بداية العام في 1 كانون الثاني ,أضيفت بعض أسماء القياصرة مثل يوليوس و أوغسطس .
فهل حقا لا يعلم أن العربية ما هي إلا لهجة تطورت من الألفا بيت الأوغاريتية وأن السريانية والبابلية ليست لغات بل هي لهجات وتنويع لتلك الألفا بيت الأولى , وهل لا يعلم حقا أن العربية اليوم تحوي جذور من مفردات السريانية أكثر مما تحويه الإنكليزية من لغة شكسبير .
حيث كانت اللهجات تتوزع شرقا (السريانية) وغربا (العمورية) والتي تطورت لاحقا إلى الآرامية ومن هذه الأخيرة في جوف شبه الجزيرة (العرباء)والتي تعني شديدة النقاء.
وأن هذه الأبجدية هي نفسها حيث كانت (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) في السريانية وأضافت العرباء عليها (ثخذ ضظغ).
ومن الكلمات الكثيرة التي لا زالت تستخدم في العرباء من إيبلا (الألف الثاني قبل الميلاد)مثلا :أخيرتوم= الأخير,بيتوم = بيت وهكذا ..ملكتوم ,ملكوم ,شعراتوم, أكلوم , أوموم,حامضوم ...
وأن البناء اللغوي العربي يتطابق مع البناء اللغوي للغة الأبجدية الأولى على هذا الكوكب أي الأوغاريتية ,وأنها تشترك (بل وتتطابق)معها في الجذور وكذلك في البناء اللغوي .
ويتطابق نظام الجملة الفعلية والأسمية في اللغة العربية مع نظام الجملة الأوغاريتية , ففي كليهما تبدأ الفعلية بالفعل ثم بالفاعل ,والاسمية بالمسند إليه ثم بالمسند. تحتضن الأوغاريتية معظم الأوزان الاسمية في العربية , كما تتطابق في حركات الإعراب والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع بشكل تام.
وكذلك السريانية فحين نقول مثلا :الجمل يرعى العشب في العربية نقول في السريانية : جاملو روعي عسبو.
ولقد انتبه العرب في عهد الخليفة المأمون إلى حقيقة ضياع تراثهم القديم فلجأ إلى السريان لنقل التراث الفينيقي إلى العرباء , فهل كان صدفة أن الخليفة المأمون اعتمد السريان لإنجاز مشروعه؟
لمصلحة من يريدنا المحاضر أن نتخلى عن تاريخنا وهويتنا . الأمم المتحضرة تسعى بكل ما لديها لحماية تاريخها وإرثها وهويتها , بل وتعتبر أن تاريخها بمثابة أمنها القومي يحظر على غيرأبناء البلد أن يكتبوا به , ويأتي من عندنا من يريدنا أن نمسح ذاكرة وتاريخ مستمر لآلاف السنين .
إن د. بطل يكرر بدعوته بالضبط ما يريده أولئك الذين أعيتهم الحيلة في تزوير تاريخ سوريا , فبعد عقود من تغييب اسم سوريا من التاريخ القديم تحت قناع ما دعي ب: (جغرافية الكتاب المقدس) ,وذلك بأن عمدوا إلى إلغاء أي ذكر للعرب عامة وللسوريين خاصة من هذا التاريخ وملأوها بالعشائر البدوية التوراتية , وأصبح تاريخ المنطقة على أيديهم تاريخ اقتتال وغدر وغزو وسبي.
وهو في الحقيقة تاريخ أول مدنية على سطح هذا الكوكب , بل هو تاريخ التمدن البشري الأول . .
ولقد كف هؤلاء عن دعواتهم تلك بعد الفشل الكبير في إيجاد أي أثر لهم على هذه الأرض وعن محاولاتهم المستمية التي جرت على كامل أرض فلسطين ووصلت لأسفل المسجد الأقصى , لإيجاد وإثبات أحداث التوراة في محاولة لربطهم بهذه الأرض ولإسباغ الشرعية على وجودهم (مع أن ذلك وإن حصل لا يسوّغ لهم ذلك , لأن اليهودية دين مثلها مثل المسيحية والإسلام وليست قومية , ولا يوجد ما يربط اليهود بفلسطين إلا ما يربط المسلمين بمكة والمسيحيين بروما اليوم).
وظهر أخيرا الكثير من المؤرخين المنصفين في الغرب الذين يدعون لإهمال التوراة كمصدر للتاريخ والأخذ بالتاريخ الحقيقي الذي تظهره سجلات المكتشفات الأثرية في سوريا , بل وإن هذه الحركة وصلت للتوراتيين أنفسهم وظهر من بينهم من يعترف بذلك (المؤرخون الجدد).
وأخيرا..
على مسرح سوريا الآهل بالسكان والثقافات نشأت الزراعة والتجارة والخيل المستأنسة وسكت النقود ونشأت الشرائع والرياضيات والطب وحروف الهجاء ونشأت الآداب والموسيقى ...كما يقول ول ديورانت .
هذا التاريخ الممتد منذ تل حلف ووادي النطوف وأريحا أي منذ عشرة آلاف عام بدون إنقطاع لن يقدر على طمسه وتزويره محاضرة تلقى في جامعة تشرين من قبل من يدعّي (البحث التاريخي) وهوالذي بقي عصيا على التزوير أمام جحافل المحتلين و المستشرقين والتوراتيين ,وبقيت هذه الأرض تخرج من بين ثناياها كل فترة(في ماري وإيبلا وأوغاريت وتل حلف وتل التويني) السجل الحقيقي المبدع لأبنائها وتسلقهم الباسل منذ عشرة آلاف سنة .
رابط الخبر :