كلهم سجلها حادثة ((انتحار)) وارتاح ضميرهم. كلهم اعتبرها ماتت تحت وطأة الاكتئاب وارتاح ضميرهم. 4 سنوات ونحن نحتفل بذكرى غياب جميلة الجميلات ونقول رحيلاً حتى لا نقول انتحاراً، حتى نحفظ لها ما تبقى من كرامتها التي اهدرناها من حيث ندري او لا ندري.
ولكن الملف فتح من جديد وهناك معطيات جديدة ظهرت وعلامات استفهام بدأت تطرح وشخصية نادية يسري، تلك السيدة الغامضة بكل معنى الكلمة، والتي سوف نأتي على ذكرها لاحقاً وذكر دورها المشبوه.
اول من قاتلها كانت الصحافة واول من شهد زوراً في حقها كان اهل القلم. هل يمكن ان ننسى الاعلامي مفيد فوزي عندما ظهر على شاشة التلفزيون ليقول ان سعاد كانت في حالة غير متوازنة وأن وزنها بلغ اكثر من مئة كلغ، وانها في نهاية حياتها كانت تقول لا تنادوني سعاد انا زوزو وانها كانت تقول لمعارفها ((مش عايز تدلع زوزو)).
احتراماً لك يا استاذ مفيد ولتاريخك انا اسألك اليوم على طريقة برنامجك واسأل لماذا سعاد حسني وهي صديقتك وكنت كاتم اسرارها اوردت معلومات مغلوطة انها كانت على حافة الانهيار وإذا بنا نفاجأ بعد ثلاث سنوات ان سعاد كانت تستعد للعودة الى مصر وانها حزمت حقائبها لتكون محطتها الاولى شرم الشيخ حيث كانت ستمكث فترة في شاليه طبيب التخدير الخاص بها بعد ان اتمت كل مراحل العلاج ثم تأتي بعدها الى القاهرة.
اما القلم الثاني الذي ساهم بتضليل التحقيق او على الاقل تغيير وجهة سيره فهو الصحافي اكرم السعدني الذي كان يسكن في مجمع ستيوارت تاور وأكد وقوع حادثة الانتحار وأنه شاهد سعاد وهي جثة هامدة بعد دقائق معدودة وأكد ان الموضوع انتحار لا لبس فيه.
وكما هو معروف فإن الدم العربي رخيص في اوروبا، اذ عقدت 4 جلسات كانت الغاية منها الافراج عن الجثمان واثبات حالة الانتحار والاستماع الى شهادة نادية يسري التي اوقف القاضي استجوابها نظراً لتضارب اقوالها وقد اشتكى محامي سعاد حسني عاصم قنديل عدم تجاوب السلطات الانكليزية معه في ذلك الحين وان التحقيقات لم تكن على مستوى الذي حصل.
في ذلك الوقت كان كل هم عائلة سعاد حسني هو نفي قصة الانتحار ولكن لم يكن في اليد حيلة فلا شقيقتها نجاة حاولت المساعدة بل على العكس طلبت من كل وسائل الاعلام عدم زج اسمها في هذا الموضوع، وإخوتها الآخرون يعيشون في مستوى معيشي متوسط كذلك الامر بالنسبة لزوجها ((السيبنرست)) ماهر عواد حتى المزاد العلني حول مقتنياتها تضاربت حوله الاقوال ومرت ثلاث سنوات وثلاثة لم يهدأوا الفنان سمير صبري وشقيقة سعاد من والدتها جنجاه وطبيبها الخاص الذي وضع كتاباً حول حياتها في لندن في السنوات التي عرفها فيها وهو الدكتور عصام الصمد.
وهناك بعض الهيئات في لندن التي تكفلت بدفع جزء من تكاليف اعادة فتح التحقيق على ان تتكفل العائلة بدفع الباقي ومن هنا اقسمت جنجاه على ان دم سعاد لن يذهب هدراً متهمة نادية يسري بالضلوع في الجريمة فعندما اتت نادية يسري الى القاهرة بصحبة جثمان سعاد كانت منهارة للغاية واكدت ان سعاد كانت تعاني من الاكتئاب الشديد و أنها حضرت قبل وفاتها بعدة أيام برنامجاً يحمل عنوان ((عودي ايتها السندريلا))، فأصبحت حالتها سيئة للغاية، وبدا على حد زعم نادية يسري انها قررت وضع حد لحياتها وأن سعاد ذهبت وذهب سرها معها وأنها لن تبوح بهذا السر مهما كان الثمن لأن سعاد صديقة عمرها، وعندما سئلت عما اذا كانت سعاد في صدد كتابة مذكراتها لم تجب على السؤال.
ونعود لقضية ((صديقة عمرها))، يؤكد كل الذين يعرفون سعاد حسني انها كانت تعرف نادية يسري عندما كانت سعاد في عز مجدها الفني وكانت معرفتها سطحية وكانت نادية يسري في تلك الفترة على علاقة بنجم شهير الا انه هجرها فما كان منها الا ان تركت مصر وذهبت الى لندن وانقطعت صلة سعاد بها، والبعض يقول انها عملت عند سعاد سكرتيرة لها ولكن لا احد يؤكد هذا الموضوع، اما حول قولها صديقة عمرها فيؤكد الدكتور عصام انه لم يسمع يوماً من سعاد اسم نادية يسري كما تؤكد شقيقتها جنجاه انها من خلال زياراتها المستمرة لسعاد لم تسمع هذا الاسم ايضاً وتؤكد جنجاه ان كل مقتنيات سعاد لا زالت بحوزة نادية يسري والغريب في الامر ان الشرطة لم ترفع البصمات من شقة نادية وهذا ما اثار حفيظة المحامي السابق. ولم تسأل اين ذهب الشريط المعدني الذي قيل ان سعاد قصته بآلة حادة لترمي نفسها بالاضافة الى اختفاء الآلة الحادة التي لم يعرف المحققون مصيرها حتى اليوم.
قضية نادية يسري برزت من جديد حين اكد احد الشهود ان نادية يسري لم تأت من الشارع العام لتصعد الى الشقة فتفاجأ بسعاد وقد وقعت على الارض ضحية جريمة او انتحار، ولكن الشاهدة وهي من التابعية الفلسطينية اكدت انها شاهدت نادية يسري في مرآب السيارة قبل وقوع الحادث، وبعدها ظهرت نادية وكأنها آتية من الخارج حسب روايتها التي يشكك بها الجميع، ويؤكد الدكتور عصام انها اشارت الى نادية على اساس انها صديقة قديمة في آخر محادثة بينهما قبيل رحيل سعاد بثلاثين ساعة عندما سألها لماذا لم تخرج من المصحة الى منـزلها فقالت له انها تزور صديقة قديمة تدعى نادية يسري. وهناك شيء مهم للغاية حصل قبل فترة وجيزة من وقوع سعاد وهو نداء الاستغاثة الذي جاء عقب تلاسن وجلبة في المنـزل في الوقت الذي كانت تخرج من المرآب وهذا يدل على ان نادية يسري خرجت في خضم المعركة والسؤال البديهي ما الذي دفع سعاد للذهاب الى منـزل نادية وماذا قالت نادية لسعاد؟ هل ان احداً يريد مقابلتها بعيداً عن اعين الناس ولماذا لم تحقق الشرطة في الضجيج الذي اعقبه الوقوع، ونحن هنا نتكلم عن شرطة ((اسكوتلندرياد)) بالاضافة الى تأكيد جنجاه انه كان هناك بعض الكدمات الموجودة على ظهر سعاد ولم يتطرق اليه الطب الشرعي وقد تكون هذه الكدمات اتت نتيجة مقاومة سعاد للذين حاولوا رميها. وحول ان الشعر كان حليقاً
حتى اختلط على رجال المباحث اذا كان القتيل رجلاً او امرأة، وكانت هذه رواية اكرم السعدني الذي اثبت فيما بعد ان شعرها كان سليماً ولا احد يعرف ما هي الاسباب التي دفعت اكرم السعدني الى ان يقول ذلك. المحامي ايمن السلفيتي الذي هو من اصول عربية ويحمل الجنسية البريطانية او ما سيحاول فعله بعد فتح ملف التحقيق هو استرجاع المحمول الخاص بسعاد الموجود حالياً في حوزة وزارة الداخلية المصرية في محاولة لمعرفة من هم الاشخاص الذين اتصلت بهم سعاد عشية رحيلها لأنه لم يتم استجواب احد منهم مما اثار حفيظة طبيب سعاد ومؤلف الكتاب الخاص عن الفترة التي قضتها في لندن وكان فحوى الحدث توقيت العودة الى مصر فكيف تستعد سيدة للعودة الى الوطن وتنتحر في اليوم التالي بقص شريط بمنتهى العناية كما شاهدناه على الشاشة ثم ترمي نفسها وتطل نادية يسري وكأنها تأتي للمرة الاولى وتطلب الاسعاف وتقول للبوليس هذه شخصية معروفة في بلدها فلا داعي للشوشرة وعندما قدمت الى مصر كانت حريصة على ان يرافقها المحامي نظراً لتضارب اقوالها بحجة هول الصدمة. ولكن الغريب في لندن ان القاضي اكتفى بإخراجها دون محاولة استجوابها للضغط عليها، والغريب كذلك ان الفنان حسين فهمي كان قد ألمح بشكل عرضي الى ان هناك معلومة وصلته حول قضية الضجيج والاستغاثة. من المعروف ان عمارة ستيورات تاور هي عمارة موت الشخصيات العربية بطريقة غامضة ومن ابرزهم الليثي ناصف وسعاد حسني وغيرهما والسؤال الذي يطرح نفسه والتي حاولت نادية يسري اللعب عليه ونفته جنجاه قضية المذكرات وان سعاد تملك كثيراً من الاسرار التي يمكن لو نشرت ان تطيح رؤوساً كبيرة.
صحيح ان سعاد لم تتلق تعليماً عالياً ولكن كان عندها ملكة الكتابة وهي التلميذة النجيبة للشاعر صلاح شاهين بالاضافة الى كونها عاصرت الفترة الذهبية التي كانت فيها المخابرات المصرية تسخر الفنانات للاطاحة بالكبار فهل كانت سعاد منهم؟.
كل هذه الاسئلة برسم القضاء البريطاني الذي اظهر ابشع انواع الاهمال تجاه هذه القضية على امل ان تكون اعادة فتح هذا الملف جزء من اعادة الاعتبار الى جميلة الجميلات.