من القصص الطريفة التي تروى عن عهد حسني الزعيم، أنه عندما قام الزعيم بتشكيل لجنة لوضع القانون المدني بدلاً من مجلة الأحكام العدلية القائمة على الشريعة الإسلامية، وتشكيل لجنة لإلغاء قانون الأوقاف الذرية، اجتمع أكثر من مئة تاجر ورجل دين في جامع "دنكز" بدمشق وناقشوا موضوع القانون المدني، وقانون إلغاء الأوقاف الذرية. وهاجم الخطباء الزعيم "الملحد" وقالوا أن القانون المدني لا يتفق مع الإسلام وانه يلغي قانون الملة الإسلامي إلى غير ذلك، وتبارى الخطباء بالهجوم على الانقلاب العلماني الذي يقوده الزعيم. وبعدها وقف أحد رجال الدين وقال: ياجماعة دعونا لا نندفع بالعاطفة وأنا أعرف حسني الزعيم وأعرف أخاه الشيخ صلاح الزعيم الرجل التقي وحسني الزعيم مسلم وقد يكون بعض رجال حاشيته قد ضللوه وخدعوه وأنا أقترح أن نؤلف وفداً ونذهب لمقابلته واقناعه بتغيير رأيه. فوافق الجميع على هذا الاقتراح وانتخبوا /25/ منهم على أن يتصلوا بسكرتير الزعيم "نذير فنصة" ليأخذوا موعداً لمقابلة الزعيم.
وبالفعل اتصل هؤلاء بسكرتير الزعيم، الذي قام بدوره بإبلاغ الزعيم عن طلب رجال الدين مقابلته، فضحك الزعيم كثيراً وقال لسكرتيره: حدد لهم موعداً بعد الغد الساعة 11 صباحاً.
ابلغ السكرتير الشيخ "حبنكة" وهو من الشيوخ الدمشقيين المعروفين، بموعد الاجتماع، وأكد عليه ضرورة التقيد بالوقت المحدد تماماً.
وفي يوم الاجتماع، اتصل الزعيم بالمقدم إبراهيم الحسيني وقال له: اسمع يا إبراهيم، اتصل بي في الساعة 11 وعشر دقائق تماماً، وتكلم ماتشاء واسمع مني ولا تجاوبني إلا بنعم. وأغلق الهاتف.
وفي الموعد المحدد حضر إلى مكتب الزعيم مايقارب العشرون من رجال الدين، وكان الزعيم بانتظارهم ويضع "المونوكل" أي زجاجة واحدة على عينه على الطريقة الإنكليزية، وبيده عصا الماريشالية التي يحملها عادة كبار الضباط وبيده اليسرى كفوف بيضاء، وكان يرتدي لباسه العسكري وأوسمته ....
دخل الشيوخ فبدأ الزعيم بالترحاب بهم بحرارة ويذكر أسماءهم وبدأ يتودد إليهم ويمازحهم. وفي الساعة الحادية عشر وعشر دقائق تماماً رن الهاتف، وكان المقدم إبراهيم الحسيني على الخط، فأخذ الزعيم السماعة وقال: نعم مقدم إبراهيم. ماذا. ماذا. أنا لا أسمح بمثل هذه الأمور أخرجه من الزنزانة وأعدمه فوراً في ساحة سجن المزة. كان يحمل مسدساً أم موساً. لافرق موس أو مسدس أطلق عليه النار فوراً. أنا لا أسمح. لا أوافق أن يعترضني أحد. وضعت دمي على كفي أريد أن أصلح. أريد أن أطبق القوانين. لا أقبل بأي أمر من هذا النوع. افهمها. وأغلق السماعة بوجه المقدم الحسيني.
اصفرت وجوه الحاضرين. فقطع الزعيم صمتهم وقال: قبضوا على شاب معه مسدس. امرت بإعدامه فوراً. أنا سأربي هذا الشعب الذي علمه شكري القوتلي الاستخفاف بالدولة والقوانين ...
ثم أضاف بصوت جهوري: تفضلوا ماذا تأمرون؟ لم يتكلم أحد من المشايخ ... وبقي كل واحدٍ منهم ينظر للآخر. وبعد دقيقة جمود قال أحدهم جئنا لتهنئتك والله يوفقك والسلام عليكم، واندفع نحو الباب بدون أن يصافحه وتبعه البقية وكأن حريقاً وقع في الغرفة والشاطر من يخلي المكان قبل الآخر.
وعندما التقوا بسكرتير الزعيم وهم خارجون قال الشيخ "حبنكة" أعانك الله عليه ... إنه مجنون. كيف يعدم شخصاً بدون محاكمة فقد يكون المسدس الذي وجد معه للدفاع عن النفس. هذه مهزلة. وخرجوا وهم يحمدون ربهم بأنهم نفدوا بريشهم.
بعد ذلك دخل السكرتير "نذير فنصة" على الزعيم، فوجده مستلقياً على كرسيه ورجليه على الطاولة يضحك، ويمسح عينيه بمنديله من كثرة الضحك، ثم قال يا نذير:
"هيك شعب، بدو هيك واحد مثلي" .