آخر الأخبار

عيد الفصح .. وأحلام سورية أخرى

إن أية ديانة أو عقيدة أو حتى فلسفة، لا يمكن عزلها عن محيطها وحقيقتها الجغرافية، وبالتالي ضمّ السوريون الإسلام الآتي من شبه الجزيرة العربية خلال الفتوحات بحلته التي أتى بها ، ومن ثم أضافوا لهذا الرسالة الجديدة جوهر الوطن السوري من فكر وفلسفة وترجمات وأدب ورؤى روحية ومادية، ذلك أن الشام حينها كانت عاصمة الحضارة في العالم ،

وهو السبب المنطقي لانتشار الإسلام السريع، و للتقدم الحضاري المذهل الذي شعّ منها خلال حوالي 20سنة فقط، لينتشر الإسلام بعدها على جزء كبير من مساحة العالم القديم وقتها، وخلال هذه الفترة الوجيزة أصبحت عاصمة الإسلام هي( دمشق) ، طبعاً مع التأكيد على أن التطور الحضاري والفكري لأهل الشام لم يمسّ جوهر الرسالة التي أتى بها الرسول محمد ( ص )، بل زادها عمقاً في عقول من تلقاها، خالعاً عنها حلة الصحراء، ملبساً إياها الحلة المدنية بجوهرها المتنوع والذي لا يختلف بجوهره الروحي عن المسيحية أو عن أي ديانة توحيدية أخرى، هذا الجوهر الذي يقول بالإيمان برب العالمين الواحد وبيوم الدينونة (( الحساب )) مع حضوره الكامل ضمن هذا الجوهر وما يتفرع عنه من الدعوى إلى الأخلاق والعقلانية، شأن جميع الأديان الموجودة على اختلافها في الهلال السوري الخصيب عدا اليهودية . وهذا ما حدث أيضاً ولو بشكل مختلف مع رسالة السيد المسيح، والتي ظهرت في عهد الاحتلال البيزنطي لسوريا ، حيث كان هذا الاحتلال يسيطر على مقدرات البلد المادية كاملة، ويطلق أيادي الفساد ورؤوس الأموال التي لا يمكن لها أن ترى في الوجود غير مصالحها كما كان اليهود يفعلون في فلسطين الشامية ، والذين مايزال وجودهم في العالم مرتبط بهذا الأمر، وللإيضاح أكثر نقول أنه لم يكن لليهود وجود اجتماعي حقيقي في فلسطين عبر تاريخها، كما يحاول المشبوهون الترويج له، بل كان حضورهم يشكل بالنسبة للفلسطينيين ما يعادل 1من كل 100 فلسطيني، ولكن ما كان يظهرهم على العلن هو امتلاكهم للمال والسلطة نتيجة تحالفهم الكامل مع الروم البيزنطيين.

إن ظهور السيد المسيح في فلسطين الشامية هو الناتج الطبيعي (المادي الروحي) للاضطهاد البيزنطي اليهودي لنا، وما حمله السيد المسيح من رسالة، كانت الرد السوري على رسالة البيزنط واليهود، إنها رسالة المحبة والعالمية والتعاليم الأخلاقية التي تتجذر في مجتمعنا منذ آلاف السنيين، إنها الرد على واقع يمثله المحتلون واليهود بكل ما فيه من قسوة واضطهاد وقتل وفقر وضحالة في القيم والأخلاق، ولذلك لا عجب حين وبفترة ليست طويلة أن تنتصر المسيحية وحاملوها، وأن تحتل العالم القديم كله أخلاقاً ولغة وفكراً وروحاً، ولا غرابة حين تصبح هذه الرسالة هي الدين الأساسي لبلد المحتل روما، وتصبح لغة السيد المسيح السورية الآرامية هي لغة الثقافة والتجارة، ولا عجب بعدها أن يتوالى على عرش روما الكثير من الحكام السوريين كفيليب وجوليا دومنا وغيرهم...

إن قيامة السوريين حينها وانبعاثهم من الموت، كانت فعلياً تتجسد في قيامة السيد المسيح، ورسالتهم هي رسالته التي حملوها في عقولهم وقلوبهم منذ ما قبل التاريخ الجلي، حين كان التجسيد لهذا الحلم يقوم من خلال أساطيرهم التي تتحدث عن تموز الذي يموت ومن ثم يحيا ليبدأ الحصيد، وعشتار حبيبته وأمه هي ذاتها إنانا و أورنينا، وهي ذاتها تعامت آلهة العماء الأولى التي خرج منها كل الأرباب وما يحملونه من جوهر روحي وفكري لنا.

ولذلك حين يحتفل العالم اليوم بعيد الفصح ، يحتفل بقيامة المسيح ، والاحتفال بهذا اليوم هو عودة إلى الاحتفال السوري بعيد الربيع ، وهو يوم ظلّ الاحتفال به قائماً لدى المسلمين في كثير من المتحدات السورية على اختلاف مسمياتها وأديانها، ويطلق عليه عيد الفصح لدى المسيحيين وعيد البيض وعيد المشايخ لدى بعض المسلمين، والاحتفال بعيد الفصح هو رمز لدى المسيحيين إلى الانبعاث ، انبعاث التحرر من الخطايا والذنوب، وقد استولى اليهود على هذا اليوم الذي كان الاحتفال به قائماً حتى قبل وجودهم ، ورمزوا له بتحررهم من فرعون نحو الأرض الجديدة ، والأرض الجديدة هي أرضنا التي يريدون الاستيلاء عليها كاملة، واليهود كذبة تاريخية طويلة بكل تراثهم الذي سرقوه من تراث الشعوب التي عاشوا في كنفها.

في عيد الفصح يتم تلوين وزخرفة البيض، وهو تقليد قديم يعود إلى ما قبل أكثر من ثلاثة آلاف عاماً، حيث كان يرمز بالبيض إلى ولادة العالم، والكنعانيون كانوا يظنون أن السنة الجديدة تولد من البيضة شأن الحياة منذ وجودها. والبيض في عيد الفصح هو رمز ودلالة لولادة وعودة المسيح إلى الحياة،

إن شخصية السيد المسيح، هي تحقيق لحلم المضطهدين السوريين والفقراء ، وهي حلم الفداء الذي رافق السوريين منذ وجودهم على هذه الأرض ابتداء من دموزي وآيل ومروراً بحدد وانتهاء بالمسيح، ذلك الرب والفادي السوري الذي يموت ويحيا من أجل أن يحيا الجميع، والذي يقدم جسمه رخيصاً من أجل أن يغسل خطايا الناس، والذي يتحدى قوانين الطبيعة ونواميسها ، فيمشي على الماء ويشفي المرضى ويقيم الموتى، ويقضي على الشر أينما كان، وهو البطل والمخلص السوري ذاته تموز، الذي يموت ويحيا كي يزهر الربيع، وهو التجسيد الإلهي لحلمنا بشخصية المسيح لنا نحن السوريون.. حيث يقول (( .. خذوا فكلوا هذا هو جسدي .. واشربوا كلكم فهذا هو دمي .. )) أنجيل متى 26 _ فيأكل الناس جسد السيد المسيح الذي هو الخبز، ويشربون دمه الذي هو النبيذ.

وإن البتول مريم أم المسيح هي تجسيد إلهي لأمهاتنا في سوريا جميعاً وللعالم فيما بعد، وهي امتداد لحلمنا السوري القديم ، حيث كان يسميها أسلافنا منذ 3500 سنة وأكثر عشتار وصولاً بتطور معانيها الى اسم (( رحم )) الكنعانية وهي السيدة الأولى البتول العذراء والتي دفنت ابنها بعل وبكت عليه وحين قام من الموت فرحت به وبنت له معبداً ,، وأمنا مريم أيضاً في الرواية المسيحية هي ذاتها البتول العذراء التي أختارها الله لتكون أماً للمسيح ، حيث تدفنه وتبكي عليه ومن ثم ترى قيامته...

إن المسيحية في بدايتها كانت نتاج إلهي لتطلعات ورؤى السوريين وأحلامهم، قبل أن تصبح ديانة للعالم أجمعين، ذلك أنها حملت في داخلها كل التوق السوري لتأسيس العالم على شكل روحي جديد، وهذا ما حصل بأمر الله..

والمسيح موجود في داخل كل سوري، إنه امتداد حلمنا في الخصب والمحبة والحياة الجديدة، وهو تألقنا الروحي في الفداء، وشخصيتنا العالمية التي انتشرت في كل العالم، شخصية السوري الذي اخترع الأبجدية وعلم العالم التجارة وعلم الفلك والهندسة وما تريد من علوم، هو المسيح الذي يمشي على الماء ونراه كل يوم يفعل ذلك، ويبتكر مقاومة جديدة كي لا يزول، وهو الإيمان الكامل في أن الانبعاث لا بدّ وأنه سيحصل طالما نحمل في قلوبنا حب الحياة ، ونحمل في أرواحنا وعقولنا حلم هذه الأمة المضرجة بدمائنا لنقدمها للبشرية في كل قيامة لنا .....
بالتعاون مع (أوروك الجديدة)