آخر الأخبار

خير البلاد ما حملك ....... لا ما حمّلك .

يقول الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه):
" خير البلاد ما حملك " . " الغنى في الغربة وطن و الفقر في الوطن غربة ".

إنها علاقة جدلية قديمة بل دعني أقول إنها علاقة جدلية أزلية قائمة على مبدأ الوطن و المواطنة على أنها جملة " الحقوق و الواجبات ".

هذه العلاقة التي تشبه إلى حد بعيد , من وجهة نظر خاصة , مجموعة التفاعلات الحية المتوازنة و العكوسة التي تُنتِج عناصر لها طبيعة أخرى مُشكَله أصلاً من العناصر الداخلة في التفاعل الذي يتم في بيئات مختلفة و وسائط إبداعية خلاّقة لتحفيز هذه التفاعلات و زيادة تواترها و تناغمها و انسجامها و انضباطها أيضاً على إيقاع الحركية الطبيعية و التطور الحضاري الإنساني للفرد و المجتمع.

إن حدوث الخلل الكمي و الكيفي الشكلي أو البيئي في أحد عناصر أو مواد هذا التفاعل , سيحدث رهطاً أو فشلاً تفاعلياً يقود إلى بروز نتائج مغالِطة لجدليةالحقيقة و التاريخ . هذا ما نراه بكثرة ,في أيامنا هذه, من اضطرابات اقتصادية و اجتماعية . أخلاقية و فكرية . سياسية و دينية .
و من هنا , يمكن القول على أن أفضل العلاقات الجدلية بين إنسان و آخر , الإنسان و الجماعة , الجماعة و أخرى , الجماعة و الإنسان , الإنسان و خالقه( مع خصوصية هذه العلاقة بشكلها العامودي) , هي العلاقة الجدلية القائمة على الأخذ و الرد في تفاعل حي منتج يطلق عليه مجازاً تعبير " الحقوق و الواجبات".

" الحقوق و الواجبات " , التي تحملني و أحملها تبعاً لجدلية فكرية ثقافية , حضارية و إنسانية قائمة على نكران الذات و ارتقاء النفس إلى مستوى الاعتداد بحجم المنجزات التي حققتها الإنسانية في الإطار الجدلي الصحيح المبني على التناغمية في الفعل و الحركة للمجتمع و الفرد في مدارات المكان و الزمان المتبدلة دائماً على أنها الوطن الموصوف في مرحلة ما من تاريخ البشرية و جغرافيا أزاحت المقولات الجدلية خارج نطاق البحث و المداولة باعتبارها قدسية لا يرتقي للمساس بها كائن يحدد شكله( سلفاً ) خط الواجبات الأحمر لموضوع القداسة ذاته.

و عليه , فقد اختلفت هذه الحقوق و هذه الواجبات من مدار , في الزمان و المكان , إلى مدار آخر بوجود الكم المتراكم لحركية هذه الجماعة أو تلك و نمطها الفكري و الثقافي و السياسي و الاجتماعي . و بذلك , فقد حصلت نشأة العقل الأولى و التالية في ضوء هذا الفعل الحركي , نشأة و صيرورة حددت أطر هذه الحقوق و الواجبات عند شعوب و مجتمعات كرست مبدأ التجربة الحرّة مرة و مبدأ العقيدة مرة أخرى و مبدأ التبعية مرة ثالثة و هكذا...

فوصلت هذه الشعوب و المجتمعات إلى ما وصلت إليه من إرهاصات و تنابذات فيما بينها , ليست هي في حقيقة الأمر, إلا انعكاس حتمي للكم المتراكم للحركة الفكرية و الفلسفية الثقافية لهذه الأمة أو تلك في إطار زوايا الرؤية المختلفة لمضمون الحقوق و الواجبات مما ساهم كثيراً في انتاج مقولة اللحظة في " صراع الحضارات".

فمما لا يخفى على أحد , أن نوع الحقوق و ماهيتها , كما الواجبات أيضاً ,يختلف من مدار إلى آخر كنتيجة طبيعية للتربة و البيئة الثقافية لهذا المدار أو ذاك .

و من هنا تأتي أهمية إعادة التقييم الدائم للفعل و الحركة و نمط التفاعل و إجراء الاختبارات المستمرة و السبر العميق للمكونات كماً و كيفاً لتحريض الفعل و تحفيز الحركة ودفع التفاعل قدماً إلى الأمام .

إن أي اختلال في المبدأ القائم على الحقوق و الواجبات , ستنشأ عنه حتماً بؤراً نمت و ترعرعت على حساب المغالطات التاريخية و الفكرية , الثقافية و الاجتماعية , فتيسرت لها بيئة تطفلية ناجمة عن حدوث فعل المغالطة ذاته و اختلال موازين العدالة الإنسانية القائم على العلاقة الجدلية بين الوطن و المواطنة .

فكيف يتم إذاً العبور الآمن و اليسير إلى بناء علاقة جدلية نموذجية فيما بين الوطن و المواطنة؟

يتم الأمر بالمرور الحتمي عبر بوابة " المساءلة المتوازية "
و الإيمان العميق بها على أنها الحارس الأمين على مبدأ "الحقوق و الواجبات " في ضوء المسؤوليات المناطة بجميع مكونات المجتمع و مركباته . مساءلة حول جميع المسائل المصيرية و الحياتيه التي تحدد الخطوط العريضة و الغايات العليا للوجود الإنساني.

" المساءلة المتوازنة" بآلياتها التي ترسم أطر و عناوين المفردات المتداولة المفهومة البعيدة عن جهل الفعل و خطأ القصد و سوء التقدير و الإرتجال.

إن آليات " المساءلة المتوازنة " , هي الجديرة حقاً بأن تكون الضابط لإيقاع الفعل المجتمعي و البشري في ضوء مقولة " الحقوق و الواجبات "

فأين نحن من من آليات " المساءلة المتوازنة " إذاً ؟

بمسح بسيط و سريع لحركية مجتمعاتنا و مكوناتها المختلفة , نرى أن هنالك خللاً واضحاً في مبدأ المساءلة القائم على شرط التوازن . أي ضمانة حق الجميع بإجراء عملية المساءلة لتحقيق شرط التوازن .

و به , يحق لأي إنسان في إطار المواطنة (على أنها المفردة التي تضم مختلف الشرائح و الأطياف و الفئات التي تنضوي تحت لواء المواطنة), أن يُسائل أي إنسان آخر في إطار المواطنة ذاتها , عن مسائل لها صفة النفع العام في إطار الوطن ( على أنها مفردة المدار في الزمان و المكان الذي حددته نسبية التاريخ و الجغرافيا ).

إن إجراء استطلاعات حقيقية حول مبدأ ( المساءلة المتوازنة) , يشبه إلى حد بعيد , عملية العد العكسي أو التنازلي لحدوث انتقال قسري من مدار و فضاء إلى مدار و فضاء آخر.

فامتلاك البعض , دون غيرهم , لآليات المساءلة , بصرف النظر عن طبيعة و ماهية هذه الآليات , يجعل الأمر أشبه بالنزالات القائمة سلفاً على غلبة فريق على فريق .
فالفريق المغلوب , عاجز عن إجراء عملية المساءلة في ضوء خلو يديه من أية آليات تعينه على ذلك .

فالآليات التي تملكها بعض المؤسسات الوطنية ( على أنها جزء من مفردة الوطن ) , لا تتوانى لحظة عن مساءلة رعاياها ( على أنهم جزء من المواطنة ) , عن واجبات وطنية مستَحقة و استحقاقات مالية و اقتصادية و ثقافية و فكرية و حياتية وجب تحصيلها و جبايتها مساهمة في تحصين مناعة الوطن و رفع قدراته.
و من هنا , فهل بإمكاننا تصور حدوث عكس المعادلة أي القدرة العكوسة للمواطن بمساءلة المؤسسة عن طبيعة و نوع و مستقر و مآل هذا النوع من الجبايات أو ذاك ؟

لا اعتقد أن الأمر يتحقق بسهولة و بساطة . بسبب الغياب الجزئي أو الكلي لروح مبدأ ( المساءلة المتوازنة) .

و من هنا تولد عند المواطن الغير مؤمن بمبدأ ( المساءلة المتوازنة) , شعور غياب الحقوق في ضوء تراكم الواجبات.
و بالتالي غياب الشعور الحقيقي بالمواطنة الحقة قولاً و ممارسة و فعلاً . و هبط لديه مستوى الوعي و الإدراك بحجم المسؤوليات المناطة به في ضوء غياب هذه الحقوق. فيضيع الوطن و تبهت معالم صورته و ألوانه ليتحول فيما بعد إلى قصاصات ورقية صغيرة معنونة بإيصال مالي و براءة ذمة و جباية مالية و إخراج قيد نفوس و دفتر عائلة و هوية و إيصال ماء و كهرباء و هاتف و جواز سفر مدون عليه عبارة صغيرة : " يرجى تسهيل المرور لحامله !.
و أخيراً و ليس آخراً ...... لا حكم عليه!!

فإن كان جل ما حمّلني إياه وطني , قصاصات ورق أزهقت الروح و أتلفت الجسد و دمرت الأيام , فإنه لن يحملني إلا روحاً نازحة و جسداً نازفاً و أحلاماً مقتولة .
"فخير البلاد ما حملك ... لا ما حمّلك "