يعد دير الفاروس من المكتشفات الأثرية الحديثة جداً في محافظة اللاذقية والذي يقع إلى الشمال من مركز المدينة على بعد كيلو متر واحد في موقع الحي السكني المسمى حي الفاروس وسط تل أثري يضم بقايا الدير الذي كان ضائعا إلى حد بعيد.
ويقول الباحث الأثري جمال حيدر رئيس دائرة آثار اللاذقية إن سورية كانت خلال الفترة البيزنطية مركزاً لحياة الرهبنة وقد أقيم فيها الكثير من الأديرة التي يعود تاريخها للقرون الرابع والخامس والسادس الميلادية وأهمها في الشمال إذ يوجد أكثر من خمسين موقعاً لمدن وقرى يبدأ اسمها بكلمة دير.
وفيما يخص دير الفاروس فلم يكن يوجد أي أثر له سوى انجيل الفاروس المحفوظ لدى مطرانية الروم الأرثوذكس باللاذقية وكتابات حوله لمؤلفين عرب وأجانب تعود للقرون الوسطى كل هذا حتى عام 2002 وبعد ذلك بدأت معطيات جديدة تناغمت مع أعمال التنقيب الأثري في الموقع.
ومن الناحية الجغرافية يشكل تل الفاروس هضبة صخرية بارتفاع 30 متر سطح وارتفاع 15 متراً عن محيطها دائرية الشكل قطرها حوالي 60 متراً وفي أعلاها شيدت منشآت مدنية أظهرتها أعمال التنقيب التي نفذتها في الموقع دائرة آثار اللاذقية.
وقد تحدث الرحالة والمؤرخون الكثير في كتبهم عن هذا الدير حيث قال عماد الدين الأصفهاني الذي رافق صلاح الدين الأيوبي عند فتح اللاذقية عام 1188م وبظاهر اللاذقية كنيسة عظيمة نفيسة قديمة بأجزاء الأجزاع مرصعة وبألوان الرخام مجذبة وأجناس تصاويرها متنوعة وأصول تماثيلها متفرقة أما فضل الله العمري فقد قال دير الفاروس على جانب اللاذقية شمالها وهو في أرض مستوية بناؤه مربع وهو حسن البقعة.
كما ذكر ابن بطوطة الذي زار اللاذقية عام 1332 م بخارج اللاذقية الدير المعروف بدير الفاروس وهو أعظم دير في الشام ومصر يسكنه الرهبان ويقصده النصارى.
وقد تم اكتشاف الدير مصادفة بينما كانت الآليات الثقيلة تؤسس لإشادة طريق عند المنحدر الجنوبي من تل الفاروس حيث أظهرت الحفريات معالم من الحجارة النحيتة القطع مع جزء من عمود ضخم وكسر فخارية وهذه المعالم تشكل أجزاء من عمارة قديمة بات من المؤكد أنها تشكل بداية معالم دير الفاروس الضائع الذي ذكرته كتب التاريخ كثيراً.
وأوضح حيدر أنه بناء على هذا الاكتشاف تم توقيف كل الأعمال الحديثة في محيط الموقع الأثري وتم تشكيل فريق عمل أثري من مديرية آثار اللاذقية وقام بتنفيذ عدة أسبار أثرية في محيط الموقع أسفرت عن اكتشافات هامة تجسدت في ظهور معالم لنسيج عمارة قديمة مشيدة بالحجارة النحيت مع طبقة قبور تركزت عند المنحدر الشمالي للتل وفي الجهة الشمالية الغربية تم اكتشاف معالم لمعصرة ضخمة مع خزان ضخم وجرة فخارية كبيرة الحجم مغروسة بالأرض خصصت لتخزين الزيوت أو الخمور.
كما أسفرت أعمال التنقيب الأثري عن اكتشاف مجموعة مهمة من القطع الأثرية التي يعود تاريخها للقرنين الخامس والسادس الميلاديين ما يشير بشكل واضح أننا أمام معالم تعود إلى دير الفاروس الذي عليه الباحث والمؤرخ اللاذقاني المعروف جبرائيل سعادة اسم الدير الضائع هذا وما زالت أعمال التنقيب والبحث في التل مستمرة إلى الآن لتحديد حدود الدير كاملة واستخراج كامل القى المطمورة بين طبقاته.
( ثناء شحرور -سانا)