مهرجان المونودراما باللاذقية بدورته السابعة "حكايات سورية"
لا يلعن الظلام بل يضيء الشموع
ويؤكد بأن حضور الفن والثقافة أقوى من الموت
أن تضيء شمعة خير آلاف وملايين المرات من أن تلعن الظلام،فها هو البيت العربية للموسيقى باللاذقية ليس لديه الوقت للعن الظلام لأنه منشغل بإضاءة الشموع من خلال النشاطات والفعاليات المستمرة التي يقوم بها والتي تشكل حراكاً ثقافياً مؤثراً على الساحة الثقافية باللاذقية ، واليوم يضيء الشمعة السابعة من عمر مهرجان المونودراما تحت عنوان "حكايات سورية"والذي يقام على خشبة المسرح القومي باللاذقية بالتعاون مع مجلس مدينة اللاذقية والمسرح القومي.
سوري بامتياز
أرادت إدارة المهرجان من خلال هذه الدورة أن يكون المهرجان سورياً بامتياز بمعنى أن تكون جميع الفعاليات والنشاطات لها علاقة بالحدث السوري وما يجري فيها من أحداث، ويقول مدير المهرجان الفنان ياسر دريباتي : المسرح هو محاكاة لما يجري في أي مجتمع يولد فيه ويعيش فيه والمحاكاة لا تعني نقل الواقع وإنما تعني إعادة صياغة هذا الواقع على خشبة المسرح، وهنا لا بد من الشغل على الواقع السوري ولا بد من التأثير للمشتغلين بالمسرح وبقية الفنون بما يحدث هنا ولذلك كانت " حكايات سورية"،لافتاً بأن رغم الظروف الصعبة المحيطة والتي تمر بها البلد إلا أن المهرجان يحمل تجارب مسرحية وفعاليات مهمة، مضيفاً بأن إقامة مهرجان للمسرح ضمن هذه الظروف هو تأكيد على أن الفن بشكل خاص والثقافة بشكل عام أقوى من الموت وحضورهما حاجة اجتماعية وإنسانية، فهذا يعزز السلم الأهلي ويخلق فرصة كي يلتقي الناس ويتبادلون شعورهم وشجونهم يتحاورون يتفوق ويختلفون.
وافتتح المهرجان نشاطاته بفقرة حركية هي نتاج المختبر المسرحي في المسرح الجامعي والذي عمل عليه طيلة شهر كامل الفنان المسرحي جهاد سعد وشارك في هذا المختبر 40 شاب وشابة من طلبة جامعة تشرين، وهذا العرض ينتج ست مونولوجات تشكل مدخلاً للاشتغال على عروض "one man show " وحكاياتها من الواقع السوري اليومي المعاش حالياً، ويرى دريباتي بأن المختبر أنتج عملاً مسرحياً حركياً قدم الشيء الكثير لشابات وشباب المسرح الجامعية وقدم فرجة جديدة للجمهور اللاذقاني، وأن المونولوجات الست التي عرضت هي مداخيل لست أعمال مونودرامية مسرحية ، لذلك يصعب الفصل أو القول بأن الإفتتاح لا علاقة له بالمونودراما.
ورشة رجالية
اليوم الثاني تضمن عرض"ورشة رجالية" لفرقة طائر الفينيق من طرطوس تأليف وإخراج فؤاد معنا وتمثيل سناء محمود ،والعرض يطرح وبجرأة مشاكل المجتمع الشرقي هذا المجتمع الذكوري الذي لا يقبل ولا يستطيع أن يرى الأنثى إلى من خلال جسدها، فماريا أحبت شخصاً سافر إلى الخارج ليؤمن مستقبله ، وتبقى أكثر من 20 سنة وهي بانتظاره لكنه لا يعود وتبقى تواجه المجتمع الذي يريد النيل من جسدها وروحها وتحويلها إلى بائعة هوى من خلال وجودها في ورشة رجالية لغسيل ثياب الرجال ، وتستمر وحيدة تصارع الذئاب التي ترى في جسدها خير ما يلبي رغباتهم وشهواتهم، جسد العرض الواقع في مجتمعاتنا الشرقية وكم هي مغتصبة بفكرها وثقافتها وحتى بإرادتها.
ولفتت الفنانة سناء إلى أن المخرج اعتمد في هذا النص على مرونة الجسد لتحقيق تشكيلات مع الاكسسورات والديكور والإضاءة على بساطتها والمؤثرات الموسيقية كحلول إخراجية لإحداث فكرة وحوار ومعنى دلالي كاستخدام الثياب التي تعاملت معها الشخصية الأساس وحولتها من شيء جامد إلى شخصية من لحم ودم.
حوار تشكيلي
كما شهد مساء هذا اليوم في نادي الأوركسترا عرضاً لمجموعة من اللوحات الفنية التشكيلية، والتي كانت نتاج ملتقى الفن التشكيلي والذي أقامه البيت العربي للموسيقى وبالتعاون مع مديرية البيئة باللاذقية بداية الشهر الجاري حيث التقى مجموعة من فناني اللاذقية التشكيليين في صالة المعارض بمديرية البيئة وراحوا يرسمون ويشكلون لوحاتهم أمام الجمهور وبشكل مباشر يحكون فيها الحكايات والقصص التي يريدون أن يقدموها لتنسج هذه اللوحات بنهاية المطاف لوحة تشكيلية تعبر عن عنوان الملتقى وهو " حكايات سورية"
وقال الفنان علي الشيخ منسق الملتقى وأحد الفنانين المشاركين بأن الغاية من هكذا ملتقى هو خلق حوار بصري من خلال الأعمال التي قدمها الفنانون التشكيليون ، إضافة لكسر الروتين الذي تعيشه محافظة اللاذقية ضمن الساحة التشكيلية ، وخلق نوع من الحراك الفني رغم الظروف التي تعيشها البلد.
ويرى أغلب المشاركين بالملتقى بأنه تجربة عمل جماعية تم من خلالها تفاعل تجارب من مختلف الأعمار وبأساليب مختلفة ، وهو كان بمثابة حوار تشكيلي له أبعاده على المستوى الاجتماعي والثقافي والإنساني، وهو كسر لحاجز الانغلاق والعزلة لدى الفنان.
مطب تقليدي
كما أنقذت فرقة زواريب الموقف وملئت الفراغ الذي شكله غياب عرض " المطرود" من دمشق بسبب عدم قدرة فريق العمل من القدوم إلى اللاذقية بسبب الأوضاع الأمنية على الطرقات، حيث قدمت فرقة زواريب في اليوم الثالث من المهرجان أمسية موسيقية استمتع من خلالها الجمهور بالسماع إلى 11 مقطوعة غنائية 7 منها من تأليف وتلحين مروان دريباتي والباقي لجوزيف صقر وزياد الرحباني.
ويقول مروان بأن الأغاني التي قدمتها " ضربة حرية "، "حرية من ورق"،"متل الزعل"، "وطني حبيبي" ،"برأي وبرأيك ".... هي من المفردات التي نعيشها بشكل يومي ، وهي قراءتي للأزمة والواقع الذي نعيشه الآن.
ويرى مروان بأن الثقافة والفنون عموماً رد فعلها بطيء، تقرأ الشارع و الحياة والمجتمع برد فعل بطيء، لكنها تقرأ بتكثيف وانتماء للوطن وللإنسان بالعمق ، ويرى مروان بأنه باللغة والموسيقى يمكن جداً أن تجعل الناس يتخلصون من أسلحتهم وعصبيتهم وعقدهم وإشكالياتهم.
وحول سبب اختياره لبعض أغاني زياد الرحباني قال: لأن زياد كان قارئ حقيقي للواقع والحياة ومتنبئ للمجتمع العربي، والذي يمر به البلد الآن مشابه للأحداث التي مرت بها بيروت منذ عام 1976 وحتى اليوم ، والتي حكى عنها زياد في الكثير من أعماله.
وأشار بأن البرنامج الذي قدمه في المهرجان جاهز منذ خمسة أشهر وكان يريد عرضه على الجمهور لكن بعض العقليات في المؤسسات الثقافية حالت دون ذلك ، لافتاً إلى أن العديد من مؤسساتنا ما زالت تقع بنفس المطب التقليدي والذي كان موجوداً قبل الأزمة و الآن خلال الأزمة ، وما زالت بعض الإدارات الفاسدة التي تتحكم بمقاليد الأمور وليس لديها المقدرة على اتخاذ قرار ولا تعرف ما هو وطني وغير وطني ، وبعض الإدارات خائفة من اتخاذ قرار
اللاذقية بيتي
وكان أهالي اللاذقية صباح اليوم الثالث للمهرجان على موعد مع انطلاق مشروع " اللاذقية بيتي" وهو مشروع ثقافي اجتماعي تطوعي ، يهدف إلى جعل اللاذقية أكثر نظافة وجمالاً وأقيم بالتعاون مع مجلس مدينة اللاذقية ومديرية البيئة وجمعية طبيعية بلا حدود، واستهدف حي الشريتح باللاذقية ويشمل المشروع حملة تشجير وتنظيف للشوارع ووضع سلل للقمامة ودهان رصيف الشارع ، إضافة للتلوين والرسم على جدران مدرسة عماد ديب.
ويقول الفنان ياسر دريباتي بأنه تم تنفيذ جزء من المشروع حيث أعاق الطقس وأجواء الأمطار الغزيرة من متابعة إكمال المشروع ، والجزء الباقي سيتم تنفيذه خلال الأيام القليلة القادمة.
والغاية من إقامة هكذا مشاريع كما يقول دريباتي هو نشر ثقافة العمل التطوعي الأهلي ودفع الناس للاهتمام ببيئتهم وبشوارعهم وبيوتهم وحدائقهم. صرخة حب
وفي اليوم الرابع تابع الجمهور وباهتمام عرض " الثرثرة الأخيرة للماغوط" لفرع نقابة الفنانين باللاذقية تأليف القاصة كلاديس مطر، سينوغرافيا : هاشم غزال، إخراج فائق عرقسوسي وتمثيل سهيل حداد، وخصوصية هذا العرض تنبع من كونه يلامس نبض الشارع ويحكي وجع وحال كل مواطن سوري وينطبق على الأحداث الأخيرة التي تمر بها سوريا.
ويقول الممثل سهيل حداد بأن العمل بمثابة صرخة حب لهذا الوطن ودعوة للوقوف أمام الذات ولو للحظات لكل مواطن ليأخذ معه شيئاً من الفكر الذي نطرحه، وإذا اقتنع به يحاول أن ينقله لأولاده وأبناء حارته وجيرانه لينتقل بالعدوى من شخص لآخر، ونحاول من خلال العرض أن نقول للناس بأن الجراد السياسي أكل الأخضر واليابس ولم يدع شيئاً لا تدعوه يأكل عقولكم أصحوا وتطلعوا ما يجري حولكم.
عندما تتابع الممثل في هذا العرض لا تشعر به ممثلاً بل شخصاً يعيش الأحداث واللحظات بالواقع، وحاله كحال ذاك الطير الذي يرقص مذبوحاً من الألم، واستطاع من خلال النص أن يجسد الواقع الذي تعيشه سوريا وما يجري فيها من أحداث قتل وتدمير وتخريب وجوع وخوف نتيجة الأعمال الإرهابية التي تقوم به العصابات المسلحة والتي أدت إلى تمزيق الجسد السوري وإنتشار رائحة الموت والدم في كل مكان.
قوس قزح
وشهد أيضا هذا اليوم افتتاح لمعرض التصوير الضوئي تحت عنوان قوس قزح والذي أقيم في بهو المسرح القومي باللاذقية وشارك فيه أربعة من الشباب الهواة " بانا باخوس، حسام موسى ، طارق عيوش ، وسيم معروف" وعرض هؤلاء أجمل ما التقطته عدساتهم من صور والتي تنقلت مواضيعها بين أحضان الطبيعة وعبق التراث ومشاهد الغروب والبحر والحياة العادية للناس وغيرها من المواضيع .
وقال وسيم معروف بأن التصوير الضوئي هو فن استخدام الضوء والتحكم بالصورة ،وأضاف: بأن المعرض هو فرصة لنا نحن الشباب للمشاركة لأننا مازلنا هواة وتجهيزاتنا بسيطة.
وأشار معروف بأن المشاركين خرجوا في وقت سابق برحلة إلى الطبيعة لاصطياد الصور الجميلة التي سيشاركون بها بالمعرض ، فكان هناك تنافس ايجابي بين أفراد المجموعة ، حيث قام الجميع بالتصوير بنفس الموقع وبنفس الظروف وبنفس الوقت، والمفاجأة أن المواضيع واللوحات الناتجة كانت مختلفة ولا تشبه الأخرى ، ما يعني ذلك بأن فن التصوير الضوئي هو كبقية الفنون الأخرى، لكل بصمته ولكل فنيته وخبرته.
نشيد سوري
وختم المهرجان أعماله في اليوم الأخير بـ"نشيد سوري" للبيت العربيي للموسيقى وهو عبارة عن مسرحة وموسقة مجموعة من القصائد الشعرية، قام بصياغتها مسرحياً الفنان ياسر دريباتي ،والذي قال بأن هذا العمل هو عبارة عن صياغة مسرحية أو مشهدية مسرحية لمجموعة من القصائد الشعرية للشعراء " أدونيس ، نزار قباني ، غادة السمان ، ياسر الأطرش،محمود درويش ، فؤاد نعيسة ،محمد الماغوط ، رياض الصالح الحسن ، عبد العزيز الفاتح" .
ويضيف : بأن العمل محاولة لتقديم عرض تركيبي يجمع المسرح والموسيقى والشعر مع عناصر المسرح الأخرى من إضاءة وديكور.
والجدير بالذكر بأنه سيقام على هامش مهرجان المونودراما أسبوع طرطوس الثقافي بنادي الأوركسترا باللاذقية من الثاني والعشرين من الشهر الجاري ويستمر حتى السابع والعشرين منه ويتضمن يوم للموسيقى ، ويوم للسينما ، ويوم للأدب ، ويوم للفن التشكيلي، ويوم للتصوير الضوئي ، وجميع المشاركين في هذا النشاط من محافظة طرطوس.