لاتزال الأهزوجة الشعبية في شمال سورية تشكل إحدى الموروثات الشفاهية الشعبية وهي شكل من أشكال التعبير كما غيرها من الفنون الأخرى كالرقص والغناء التي تعكس طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية السائدة و تشكل رسالة دائمة تتناقلها الأجيال وتمتد جذورها في عمق الماضي.
وقال الباحث عبد الحميد مشلح إن الأهزوجة تعرف بالمحافظة بمصطلح "الهنهونة" وهي كلمة آرامية الأصل مشتقة من كلمة هونايا وتعني التهنئة الصغيرة حيث تتعدد ألوانها وطرق تقديمها وأدائها مشيراً إلى أن الأهزوجة أيضا كمصطلح جاء في "لسان العرب" لإبن منظور ومشتقة من "الهزج" أي الفرح والهزج صوت فني وقيل فيه صوت وقيل صوت فيه بحح.
وتتعدد أشكال الأهزوجة تبعا لنوع المناسبة الاجتماعية فعلى سبيل المثال الأهزوجة التي تطلقها النسوة أثناء الولادة تكون حاضرة بعد ولادة المرأة تعبيرا عن الفرح بسلامتها وقدوم المولود الجديد وما يقال بهذه المناسبة: "الحمد لله بالله..زال الهم إن شاء الله..وموسى ناجا ربه..وجانا الفرج من عند الله" وذلك ابتهاجا بهذه المناسبة كما يبادر أهل الزوج لتقديم التهنئة للكنّة "حمداً على سلامتها بالقول: "شعرك المدلى .. وخدودك المرايا والحمد لله ياربي ما خليتي من بين الصبايا" وأضاف مشلح أن الأهزوجة الشعبية تطلق في الخطوبة وعقد القرآن وفي طقوس متعددة من مراحل الزواج.
ففي مرحلة الخطوبة التي تتم بعد الاتفاق بين الطرفين وأهل العروسين على قيمة المهر ومعدله والمعجل والمؤجل وتبدأ أولى مراسم الخطوبة بحفل تلبيس "المحبس" من قبل العريس وغالبا مايرافق الخطبة تقديم قطع ذهبية تبعا للحالة المادية للعريس وعندها تنطلق النسوة من أهل العريس بالغناء والأهازيج والرقص حيث تكون معظم الأهازيج مدحاً بأبي العروس وأمها لأنه كما يقال: "ماتزال الحلاوة على النار" حيث تبدأ الأهازيج بالثناء على ضيافة أهل العروس لهم وذلك بالقول: "أبو العروس ضفنا منزلك وعمرك طويل ولا ينقص ولا يفنى" ثم تتقدم أم العريس و أم العروس وتقول لها: "روبي زيتي وعلقته ببيتي والله يخليكي يأم العروس على هالصبايا اللي ربيتي".
ومع استمرار حالة الفرح تقوم إحدى قريبات العريس وغالباً ماتكون عمته وتذكر أن أسباب خطوبة ابن أخيها بسبب مكانتهم الاجتماعية بقولها: "أهل العروس يانمل الشجر ويامنبوع ألمي من تحت الحجر وما عدمكم يا مقابلين الوزر"، ثم تتقدم شقيقة العريس أو إحدى قريباته بالأهزوجة التالية كناية عن فرحتها بالمناسبة بالقول: "كلل الندى وحط على فانوس وزلغوطة طويلة لأهل العروس"، مضيفاً أنه بعد ذلك تأتي مرحلة نقل الجهاز العروس من بيت أهلها بعد أن تكون النسوة قد قمن بترتيبه في فترة سابقة وتبدأ النسوة بإطلاق الأهازيج التي توصف العروس وتتغنى بجمالها.
ولحنة العروسين جوانب متعددة وطقوس مختلفة حيث كان سابقاً كانت تحني كف العريس اليمني وهو كناية عن الرجولة ويحمل دلالة أن اليد اليمني هي الساعد الأقوى عند الرجل في الحرب والقتال وحاملة للسيف أما بالنسبة للعروس فتحنّي يديها الاثنتين وتكون الدعوة لحضور الحناء من الأقارب وأصدقاء العروسين وما يقال من الأهازيج للعروس أثناء حنتها: "عروس ياعروس قومي نحنيكي.. عنا علالي مثل علاليكي سألت رب السما يحنن حنانيكي"، وما يقال لها أيضاً: "ياعروستنا وقفتك وقفة البنا..والنقش بكفوفك الحنا غنى..حطي القدم عالقدم مسامعنا له رنا ..وياريت جدودك مسكنن الجنة".
وتتعدد مظاهر التعبير عن الفرح من خلال الأهزوجة الشعبية من مرحلة الخطوبة وانتهاء بالزواج ويكون للرجال كلمتهم في مجال زفة العريس والتغني بكرم والد العريس وفي العديد من المناسبات والعودة من الحج والسفر.
واختتم مشلح بالقول إنه لابد من العودة إلى هذا التراث قبل أن فقد بريقه ويتلاشى أمام التطور التكنولوجي والتقني ودخولها حيث يشكل مهرجان إدلب للفنون الشعبية دعوة للعودة إلى هذا التراث. (تقرير: زياد طالب -سانا)