أضفى منظر البحر وهواؤه العليل مزيداً من الجمال والرقة على أعمال النحاتين المشاركين في ملتقى النحت الثاني على كورنيش جبلة ، والذي أقامته جمعية عاديات جبلة في إطار مهرجان جبلة الثقافي الخامس ، بالتعاون مع مجلس المدينة ومعهد الفنون التطبيقية بدمشق ، وشارك فيه ثمانية نحاتات ونحاتين من مختلف محافظات القطر بإشراف الفنان أكثم عبد الحميد .
تكريم لأبطال جبلة
وفي ختام الملتقى في 18 من الشهر الجاري التقت تشرين مع الفنانين المشاركين وكانت البداية مع الفنان عبد الحميد والذي قال: إن هذا الملتقى الثاني بعد الملتقى الأول الذي كان في عام 2006 ، ويتميز بأن القطع الرخامية من الحجم الكبير والفنانون المشاركون من ذوي الخبرة المتميزة ولهم باع طويل بالنحت على الرخام وفي الهواء الطلق ولهم مشاركات دولية داخل القطر وخارجه وحصلوا على العديد من الجوائز العالمية .
ويأتي ملتقى النحت هذا العام تكريماً لأبطال مدينة جبلة ، الشيخ عز الدين القسام الذي قاد المقاومة في فلسطين ، وأبطال السباحة محمد زيتون وماهر صالح الذين رفعوا راية وعلم سورية في الكثير من البطولات والمحافل الدولية ، وتجسد الأعمال النحتية التي اشتغل عليها النحاتون شخصيات الأبطال من خلال اعتماد بعض العناصر والرموز ذات دلالات معينة تذكر بأعمالهم البطولية .و هذه الأعمال هي عبارة عن تحية لما قدموه هؤلاء الأبطال لمدينة جبلة ولسوريا. ، وكذلك كان هناك مجموعة من الأعمال الأخرى المستوحاة من وحي المكان الملاصق تماماً للبحر حيث انعكست زرقة مياهه وهوائه العليل على أعمال النحاتين وعلى نفسيتهم حيث لم تفارقهم الابتسامة والطلة البهية في استقبال أعداد غفيرة من الناس الذين توافدوا لرؤية الأعمال النحتية الجميلة التي تخرج من تلك الكتل الصخرية الضخمة والصماء والتي كل منها تحكي قصة مختلفة.
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/-----------... تحية
يسرى محمد جسدت بعملها تحية لرمز المقاومة الفلسطينية عز الدين القسام ابن جبلة والذي يمثل طائراً ذي جناحين كبيرين ومتواصلين من القاعدة إلى الأعلى أخذا شكل خريطة فلسطين وأعلى الجناح طيور صغيرة تمثل أطفال الحجارة التي ولدت من المقاومة التي أشعل فتيلها الشيخ عز الدين القسام ، و حركة هذا الطائر الكبير تمثل نشر فكر المقاومة واستمرارها بولادة أطفال الحجارة .
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/-----------...
أما السباح العالمي البطل محمد زيتون جسده الفنان أكثم عبد الحميد من خلال كتلة أفقية كبيرة في مقدمتها حركة متموجة بجسد رجل وشموخ للرأس يحيطه الأمواج وفي نهايته زورق كبير ،يعبر عن البطولة الكبيرة والعمل الشاق الذي تدرب عليه البطل من خلال جره لقاربين محملين بالناس ، وكان يتدرب على هذا العمل بشكل يومي ليصل بقوة إلى المشاركات الدولية ، ولا زالت الأرقام العالمية التي حطمها زيتون عصية على أي بطل عالمي .
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/-----------...
و مثل الفنان أنور رشيد البطل العالمي ماهر صالح من خلال طير كبير يمثل الصقر وفي خلفيته مجموعة من الطيور الصغيرة والتي تعبر عن استمرارية خلق الأبطال
وعمل عماد كسحوت يمثل طائر الفينيق الذي يحرق نفسه ويبعث من الرماد من جديد ويرمز للتضحية والسلام ، هذا الطائر الذي انطلق من الساحل السوري لينقل الحضارة والثقافة إلى العالم ، أدخل فيه رجل مع سنبلة وترمز لزراعة القمح في المنطقة منذ القدم، وكذلك أدخل عنزة وهي من حيوانات المنطقة إضافة لعمارة من البيئة تمثل تسلسل الحضارات التي مرت بها المنطقة .
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/665_144_0cb...
المرأة تطوع الصخر
أما نسرين الصالح أرادت أن تعاند البحر وتخرق قانون الطبيعة وتخرج الأسماك من سجنها لتبحث عن الحرية فمثلت بعملها سمكة هاربة من البحر ، وهي ذات وجهين الأول يعبر عن سمكة بخطوط بسيطة ومتموجة ، والوجه الآخر عبارة عن موج البحر يتلاطم بالصخور ويتلاشى بالهواء . وتقول :الهدف من المشاركة كنحتات هو أن نخرق نمطية التفكير عن المرأة الملتزمة بالمنزل وتربية الأولاد وأنها قادرة على تحدي الظروف وتحمل التعب والإرهاق والعمل المتواصل تحت الشمس لتخرج من هذه الصخور أعمالاً جمالية تتحدث عن نفسها .
سماح عدوان تعشق الإبحار وركوب الأمواج فصنعت من صخرتها شراعاً وصارية ، وعلى الصارية رموز وأحرف فينقيه تمثل الأبجدية وتعني البحر والشراع والموج .
وقال الفنان محمد بعجانو : أنه قدم من خلال عمله الثور ما يرمز له من قوة وخصوبة وارتباطه بالأرض والعمل، وأشار أنه عندما يركز على حيوان ما بأعماله فهو يعبر بذلك عن ضرورة حفاظ الإنسان على الكائنات الحية لأنها تمثل سلسلة لتكوين الحياة ، كذلك يمثل العمل قوة الكائن واستعداده للدفاع عن نفسه كما يرمز للدفاع عن الوطن والمبادئ .
وأشارت جيهانا سعيد أن عملها عبارة عن برعم وردة يمثل الولادة الجديدة لجبلة ، وتركيز الأضواء على جمالية هذه المدينة وإحيائها من جديد, وأضافت أن مشاركة المرأة بالعمل النحتي هي عملية تحدي للصورة الضعيفة المأخوذة وأن لديها طاقة كبيرة قادرة بأناملها الناعمة أن تنحت وتطوع الصخر،بدل أن كانت المرأة هي مادة للنحت .
ثقافة بصرية
ويقول الفنان عبد الحميد بأن فكرة الملتقيات النحتية تخلق ثقافة بصرية مهمة لدى أهالي المدينة وزائريها من خلال الزيارات المستمرة والمتابعة اليومية للكتل الرخامية التي تتطور على أيدي الفنانين لتأخذ مسارها التشكيلي والجمالي الأخير ، فالناس تعودوا على مشاهدة الفن والنحت في المعارض والمتاحف والبرامج التلفزيونية ، أما هنا فسوف يتعايشون مع تطور الكتل وسيخلق لديهم ثقافة بصرية تساعدهم في قراءة الأعمال الفنية ، إضافة للقيم الجمالية تزين بها ساحت وشوارع مدينة جبلة.
وأضاف : ولتوزيع القطع النحتية الثماني قمنا بدراسة لوضع كل قطعة بالمكان المناسب للمحيط بها، إضافة لوضع قواعد تلاءم كل قطعة وتضيف جمالاً لها ، وستوزع بالأماكن التي تخص الشخصيات المذكورة آنفاً بالإضافة لبعض الساحات ومدخل المدينة الشرقي ، بحيث عندما يشاهد الزائر هذه المنحوتات تعطيه فكرة عن مضمون أهالي المدينة ومدى عمقهم الثقافي والجمالي .
حديقة للنحاتين السوريين بإسبانيا
وأخيراً نأمل تحقيق حلم النحاتين المشاركين بأن يتحول هذا الملتقى إلى ملتقى دولي يشارك مجموعة من الفنانين العالميين المتميزين كي تصبح مدينة جبلة مثلها مثل المدن المتموضعة على البحر الأبيض المتوسط والتي تحتضن منحوتات لأهم الفنانين العالميين، وإقامة حدائق نحتية في المدن السورية كما أقام فريق النحاتين السوريين المذكور أعلاه في مدينة المونيكار الإسبانية والتي أطلق عليها "حديقة النحاتين السوريين " والتي تضمنت أعمالهم على مدى أربع ملتقيات نحتية .