في السابق، لم نكن نرى المحجبة في الأعمال الفنية العربية، سواء في الأفلام أو المسلسلات، و كان غطاء الرأس يظهر فقط في حالة ما إذا كان الدور لشخصية من الريف أو دورا لأم كبيرة في السن، أو خلال مشاهد الجنائز.
اليوم، ظهرت شخصية المحجبة في تلك الأعمال و لكن في شكل القديسة أحيانا، و أحيانا في دور المرأة الفاقدة لتوازنها و سعادتها، و كأن ظروفها السيئة لها علاقة بحجابها.
عودة الفنانات المعتزلات و المحجبات إلى التمثيل، خلق نوعا من أدوار البطولة تكتب لهن خصيصا، لتظهرهن في شخصية المرأة الملتزمة التي تنشر الخير فقط و تساعد الناس، و كأن تلك الأخلاق لا تكون إلا إذا كان الرأس مغطى، و كأن الفنانة المحجبة فعليا و الملتزمة في حياتها الواقعية، حرام عليها تمثيل دور المرأة الشريرة في أعمالها الفنية؟ !!
هي ليست مضطرة لتقديم دور الراقصة أو المومس، فالدعارة ليست هي الشر الوحيد الموجود في الحياة، يمكن أن تقوم بدور الحماة الماكرة، أو سيدة الأعمال المختلسة، أو الموظفة المرتشية، و يمكن أن تقوم بدور الأم العازبة في إطار محترم جدا.
لكن ما نراه في أعمال سهير رمزي، و سهير البابلي، و منى عبد الغني، و صابرين.... و أخريات، هو تقديمهن لأدوار الوعظ الأخلاقي، ألم يكن الأجدر بهن تقديم برامج وعظ مباشرة على قنوات الدين التي تكاثرت مثلما تكاثرت أيضا قنوات الغناء الهابط، الأولى تسطح الدين، و الثانية تجعل الفن شيئا تافها جدا تنطبق عليه فعلا صفة الحرام.
أعمال فنية أخرى، و من منطلق رفض الحجاب رفضا مطلقا من طرف كاتب العمل أو مخرجه، تقدم المرأة المحجبة في شخصية مهزوزة و معقدة أو متطرفة، غير راضية على نفسها و على حياتها العائلية، أحيانا قد يكون سبب ارتداءها الحجاب في هذه الأعمال هو الظروف القاسية التي مرت بها، و ليست الأعمال المصرية فقط من تقدم هذه الصورة، بل الدراما السورية أيضا في بعض أعمالها.
ربما عبلة كامل هي الممثلة المحجبة الوحيدة التي لا تقدم أدوارا مثالية وعظية، و تمثل كل الشخصيات.
و ما المانع من أن تقوم ممثلة غير محجبة في الواقع بتقديم دور بطولة لشخصية محجبة، ليست متطرفة، و ليس قديسة، متحجبة ككل نساء و بنات المجتمعات العربية، أغلبهن محجبات، بعضهن متخلقات، بعضهن شريرات، فاسقات، نمامات، ناجحات، فاشلات، خجولات، جريئات، هذه هي الحياة، و هذه هي نماذجها، لماذا الإصرار على تقديم نماذج طفولية للشخصيات تصلح أكثر للرسوم المتحركة، حيث نتعامل مع المشاهد الناضج كما مع الطفل المتلقي بمنطلق الأبيض و الأسود.
الحجاب في وقتنا هذا، أصبح لباسا لخروج المرأة و فقط، أكثر منه لباسا دينيا أو لباسا ذو خلفية إيديولوجية أو سياسية، ربما في سنوات ظهور موجة الإخوان و وصولها في الثمانينات من القرن الماضي، كان الحجاب للمرأة الإخوانية فقط، أما اليوم، فهو رداء لخروج المرأة و تنقلها، أصبح عادة و ليس عبادة. فمتى يفهم أصحاب القرار في عالم الفن العربي هذا الواقع؟
**ناشط اجتماعي جزائري
djameleddine1977@hotmail.fr