آخر الأخبار

ما بعد النفط

ومثل ذلك الاتجاه اللامبالي هو - في النظرية الاقتصادية التقليدية - أمر طبيعي بل حتى صحي . ففي الاقتصاد الحر , يستجيب المستهلكون منطقيا للأسعار . فعندما يصبح النفط مكلفا بما فيه الكفاية ليسبب ألما , يمكن أن نعتمد على قوى السوق للتعامل مع ذلك . وسينخفض الطلب . وسنشتري مزيدا من السيارات الفعالة , أو نطور وقودا بديلا , أو نبدأ في ركوب الدراجات أو الحافلات العامة . وفي غضون بعض الوقت , سيولد اقتصاد طاقة جديد بالكامل - أكثر كفاءة وفعالية , وربما أكثر نظافة , وبالتأكيد أقل اعتمادا على أماكن مزعجة مثل فنزويلا او غيرها . وسيحدث هذا -في أفضل حال- ليس لأن الكونغرس أجبر ديترويت على تصنيع سيارات صغيرة ولكن لان ذلك له معنى اقتصادي .

وتلك - على الأقل - كانت هي النظرية الموجهة لصانعي سياسة الطاقة الأميركيين , الذين كانوا قانعين منذ أوائل التسعينيات بأن يدعوا الأسواق تحدد مدى سرعة وأي اتجاه يتطور فيه نظام نفطنا . وعلى الرغم من أن سعر 60 دولارا للبرميل يمكن أن يعني نهاية الطاقة الرخيصة , إلا أنه لا يعني نهاية نسقنا الحالي في استخدام الطاقة .

على أن هناك سبيلا أقل مواجهة للنظر في كل هذا . فحتى لو لم يكن سعر 60 دولارا للبرميل مرتفعا بالمقاييس والمعايير التاريخية المتوافقة مع التضخم , فإنه مرتفع جدا بما فيه الكفاية للإشارة إلى نظام إمداد عالمي مغالى فيه على نحو خطير . ومسألة أن المستهلكين يمكنهم أن يتحملوا تجاهل هذه المشاكل ليست بالضرورة علامة على عقلانية اقتصادية ولكنها دليل على أن الأسواق قد لا تكون واعدة عندما يتعلق الأمر ببناء مستقبل طاقتنا .

هناك ثلاثة أسباب رئيسية في أن أسعار النفط قد زادت بأكثر من الضعف منذ عام 2000, وأي منها لا يقدم سببا لاكتساب الثقة في السوق .

أولا , يتصاعد الطلب على النفط ,ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضا في الصين والهند , بأسرع مما كان أحد يتوقع . وفي الواقع , فإنه يتصاعد بالرغم من الأسعار المرتفعة , وهذا يرجع جزئيا إلى أننا ليس لدينا بديل سهل للنفط في قطاع النقل .

ثانيا , إن الإمداد يستنزف . فدول الأوبك , وروسيا وكبار المصدرين الآخرين للنفط يضخون بالفعل النفط بما يقرب من الطاقة القصوى . ويحاول السعوديون إلقاء اللوم في الأسعار المرتفعة على نقص المصافي أو معامل التكرير الأميركية لتحويل الخام إلى غازولين . ولكن المشكلة الحقيقية هي نقص الخام الذي يوضع في تلك المصافي .

ثالثا , وفي سوق بمثل هذا الإحكام , ليس هناك قدرة أو سعة إنتاجية احتياطية - فليس هناك آبار نفطية إضافية أو خطوط أنابيب أو حاويات نفطية يمكن جلبها وتحضيرها للعمل والإنتاج بسرعة في حالة حدوث انقطاعات في الإمداد العالمي . ومثل تلك الانقطاعات تصبح أكثر عرضة أو احتمالا للحدوث كل يوم . ومع استثناءات قليلة , فإن كل مصدر كبير للنفط تقريبا , من روسيا إلى فنزويلا إلى غيرها , أقل استقرارا سياسيا الآن عما كان منذ خمس سنوات مضت -ومن ثم أكثر احتمالا للمعاناة من أزمة تقطع الصادرات .

وبسعر 60 دولارا للبرميل , يراهن تجار النفط بشكل أساسي على أن انقطاعا في الإمداد النفطي هو الآن أكثر احتمالا عما كان من أربع سنوات مضت , عندما كان سعر النفط هو 24 دولارا للبرميل . كما يراهنون أيضا على مثل ذلك الانقطاع في الإمداد النفطي سيكون أكثر حدة , لأننا تنقصنا قدرة أو سعة احتياطية كبيرة لامتصاص الصدمة . وفي الواقع , فإن أي إزعاج تقريبا - قلاقل جديدة في فنزويلا أو تدهور متواصل للوضع في العراق - يمكن بسهولة أن يرفع الأسعار إلى ما فوق 100 دولار للبرميل .

فهل سيكون سعر 100 دولار للبرميل شيئا سيئا ؟! على أية حال , فإنه فقط عندما ترتفع الأسعار ذلك الارتفاع سيكون المستهلكون أكثر احتمالا لأن يبدأوا التحرك والتحول نحو اقتصاد ما بعد النفط , وهو الشيء الذي يعتقد كثير من الخبراء أننا سنحتاجه في نهاية المطاف ..

بول روبرتس

مؤلف كتاب نهاية النفط : على حافة عالم جديد محفوف بالمخاطر