آخر الأخبار

أدب الأمثال الشعبية عند الأرمن

القصص أو الأمثال الشعبية هي من أقدم فروع الأدب الشعبي ذات الانتشار الواسع وهي جنس أدبي صغير الحجم لـه مضمون وعظي غايته حث الناس على التحلي بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن الرذائل والخطايا.‏

هذا النوع من الفن الأدبي أبدعته الشعوب للتعبير عن فلسفتها في الحياة مدافعة دائماً عن الخير ومنكرة الشرّ وذلك لتوعية الناس وتوجيهها إلى الدرب الصحيح.‏

إلى جانب الإنسان تقوم الحيوانات والنباتات وحتى الأشياء الجامدة بأدوار البطولة، وهذا طبعاً بشكل مجازي لإخفاء المعنى الحقيقي وخاصة عند التعبير عن شكواها وسخطها على حكامها أو انتقادها لهم.‏

هذه القصص تشبه في قالبها قصص الأطفال، ولكنها تخفي بين سطورها فلسفات يستمتع بها القارئ ويتأثر بمعانيها.‏

لقد اشتهر الأرمن كاليونان بين القدماء والهنود والعرب بالأمثال الشعبيّة منذ العصور الغابرة والتي كانت إما موضوعة أو مقتبسة من شعوب أخرى.‏

من أشهر مبدعي هذه الأمثال وجامعيها بين الأرمن "مخيتار كوش" Mekhitar Gosh و"وارطان ايكيكتسي" Vartan Aykegtsi.‏

1 ـ مخيتار كوش‏

ولد العالم والمفكر ورجل القانون الأرمني مخيتار كوش حوالي عام 1120م في "كانتساك: في أرمينيا. دخل في سلك الكهنوت وهو شاب، وسافر إلى كيليكيا ليكمل دراسته لدى علماء الجبل الأسود ثمَّ عاد إلى موطنه.‏

ذاع صيته في حقل الفلسفة فتتلمذ بين يديه الكثير من طالبي العلم وذلك من شتى أطراف البلاد. أطلقوا عليه تسمية "الراهب الكبير" لمكانته المرموقة بين الناس وفي حقل اختصاصاته.‏

عمل مستشاراً في بلاط الأمراء. له العديد من المؤلفات في تفسير الدين والمواعظ، كما اشتهر مؤلفه "كتاب القوانين" (كتاب الأحكام) ومجموعة قصصه وأمثاله الشعبية التي كانت تهدف إلى هداية الناس إلى الطريق القويمة للمعاملة ومعاشرة الناس والابتعاد عن العداوات والمؤامرات وذلك من أجل خلق مجتمع يسوده الوئام والتآخي. كان ينصح الناس بإطاعة الحكام ويشير إلى الحكام بمعاملة الناس بالعدالة والدفاع عنهم أمام الأعداء والمستغلين.‏

تتألف مجموعة قصصه وأمثاله الشعبية من 190 قصة وضعت في ثلاثة أقسام وهي:‏

1 ـ أمثال حول الأخلاق، 2 ـ أمثال حول الأساطير، 3 ـ أمثال حول الإبداع، وهي جميعها منتظمة حسب موضوعاتها أو حسب أبطالها من الأجرام السماوية والنباتات والطبيعة والحيوانات والطيور والإنسان. ففي أمثاله عن الأساطير والإبداع يتحرك الأبطال بحيويّة كبيرة خلافاً للنباتات، فهنا الأمثال مستقاة من حياة الحيوانات والإنسان.‏

تعتبر مجموعة قصص وأمثال مخيتار كوش أول عمل أدبي وضع نثراً خلافاً لما سبق من الأعمال الأدبية الأرمنية التي كانت جميعها مكتوبة شعراً موزوناً، لذلك اعتبر مخيتار كوش مؤسس الأدب النثري الفني عند الأرمن.‏

طبعت أمثال مخيتار كوش لأول مرّة عام 1790 في مدينة البندقية بإيطاليا وترجمت إلى الفرنسية والروسية.‏

وإليكم بعض هذه الأمثال الشعبيّة:‏

اجتمعت النجوم مرّة. فقالت أكبرهن سناً:‏

ـ إننا كثر وعددنا كبير، فلماذا لا نستطيع أن نضيء النهار والليل مثل الشمس والقمر؟‏

فأجابت إحداهن: لأننا لا نضيء بتوافق ووئام.‏

فقررت أولاً مطاردة الشمس وطردها، ولكن عندما طلع القمر وتغلب عليهن، قلن:‏

ـ إذا بهت ضوؤنا من شدّة ضوء القمر، فماذا سيحدث عندما تشرق الشمس؟‏

خمدت النجوم وأعلنت عن فشلها...‏

* * *‏

سأل أحد الحكماء الأشجار:‏

ـ لماذا تمتد جذوركن في باطن الأرض كلّما ازداد طولكن؟‏

فأجابت الأشجار:‏

ـ كيف لا تعرف وأنت الحكيم بأننا لا نستطيع مقاومة الرياح ونحن نحمل كل هذه الأغصان إذا لم تكن جذورنا في أعماق الأرض. ألا ترى تلك النباتات كيف تقتلعها الرياح لأنها لا جذور غائرة لها في الأرض.‏

* * *‏

أرسل الفيل ولده إلى أفلاطون ليتعلّم الحكمة، فحاول الفيلسوف في بادئ الأمر أن يعلمه كيف يركع في قاعة الدرس، ولكنه لم يقدر على ذلك. ثمَّ طلب منه أن يحني رأسه فلم يستطع أيضاً. فأرجع أفلاطون الفيل الصغير إلى والده قائلاً:‏

ـ يحق لولدك أن يكون واقفاً دائماً في البلاط الملكي وليس في قاعة الدرس عندي لأنَّه لا يعرف أن يركع أو يحني رأسه.‏

* * *‏

ضرب الرجل الجمل فغضب هذا الأخير وقال:‏

ـ لا تضربني أنا الحزين وإلا فإنني سأقتلك. وقال الرجل:‏

ـ كيف لي أن أعرف أنك حزين؟ ما هي العلامات؟‏

فردّ الجمل: عندما ترى شفتي السفلية متدلية وقوائمي الأربع لا تصدر صوتاً أثناء المشي، فاعلم بأنني حزين.‏

فقال الجمّال: وكيف لي أن أعرف ذلك، ما دامت شفتك السفلية متدلية دوماً وقوائمك الأربع لا تصدر صوتاً أثناء المشي أبداً؟...‏

2 ـ وارطان ايكيكتسي‏

أمَّا وارطان ايكيكتسي فقد ولد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي. وهو يذكر بأنه ولد في قرية "مارات" أو "ماراتون" القريبة من مدينة حلب وكانت آنذاك إحدى أقضية حلب.‏

وهذه القرية التي يسميها أهلها اليوم بـ"معرات" أو "مرعات" تقع إلى الشمال الغربي لمنطقة عفرين بحوالي 5 كيلومترات والتي تبعد عن مدينة حلب قرابة 60 كيلومتراً. هي قرية صغيرة جميلة تحيطها التلال الغنيّة بالمغاير التي كان الرهبان يستعملونها كصوامع للتنسّك للابتعاد عن الدنيا، كما تزدان هذه القرية بأشجار الرمّان والزيتون.‏

لو سألت أهلها حول تاريخ قريتهم، لردّوا عليك بكل فخر واعتزاز بأنها قديمة تعود إلى عهد الرومان والبيزنطيين، وهناك دلائل تثبت ذلك كالقبور والأحجار المنقوشة والمزخرفة والصلبان والكتابات اليونانية واللاتينية، كما أن بعض كبار السن في القرية يذكرون ما تناقلوه أباً عن جد، بأن حكيم قريتهم كان يسمى "وارطان وارطانوس" الذي كان يحكم هذه المنطقة قبل 800 سنة.‏

كان من المنطقي أن يسمى أديبنا بـ"وارطان الماراتي" نسبة إلى مسقط رأسه ولكن الرهبان في ذلك الوقت كانوا ينسبون أنفسهم إلى الأديرة التي كانوا يقيمون فيها، لذا سمي بـ"وارطان ايكيكتسي "نسبة إلى دير" آيكي" أو "آيكيك" ومعناها بالأرمنية البستان أو الكرم، حيث أمضى الكاتب فترة من حياته.‏

انتقل وارطان من "مارات" إلى دير "أركاكاغين" في كيليكيا ليكمل دراسته ثمَّ رحل إلى مدينة "آمد" ولكنه لم يجد هنا الهدوء الذي كان ينشده فقرر ترك الدنيا وملذاتها واللجوء إلى الدير. وبمساعدة أمير كيليكيا آنذاك "ياغدين" انتقل إلى نواحي الجبل الأسود القريبة من أنطاكية، حيث كان الرهبان يمضون حياتهم في التنسّك.‏

نقرأ في إحدى رسائل وارطان إلى الأمير باغدين...‏

"أنا وارطان المغفور له، الجاهل بين العلماء... كتبت هذه الكلمات إلى الأمير باغدين سائلاً:.... في سنة الأرمن (ر.ك.أ) أي (1212) وكان ملك الأرمن ليفون روبينيانس يحكم كيليكيا..."‏

في عام 1220 يظهر وارطان في دير "ترازارك"، حيث بقي مدّة من الزمن وكتب الكثير من أمثاله وقصصه.‏

إن تاريخ وفاة وارطان ايكيكتسي غير معروف أيضاً، ولكنه يذكر في كتابه عن "غزو شعب غريب شرّير لأرمينيا" ويعني المغول "الذين دخلوا أرمينيا في أوائل عام 1220م. ثمَّ يتابع قائلاً "الشيخوخة والآلام الطويلة أعمت بصيرتي وبصري" فإذا قبلنا بفكرة عيشه حتَّى الشيخوخة البغيضة كما يصفها، فهناك أساس للافتراض بأنه توفي حوالي العام 1240م.‏

ليس من المستبعد أن تكون قصص وأمثال "إيسوب" اليوناني معروفة لدى الأرمن منذ القديم إلى جانب قصص الفيلسوف "فولبيانو" وذلك نسبة إلى المؤرخ الأرمني "توفما آرذروني" لذلك فمن المعقول جداً أنه كانت هناك كتب لمجموعة الأمثال والقصص الشعبية مثل مجموعات وارطان التي إما اختلطت فيما بعد بأمثال وارطان، أو بقيت على حالها ونسبت إليه.‏

كتب وارطان أيكيكتسي أكثر من 400 مثل وقصة. والشعب هو مؤلف هذا النوع من الأدب قبل أي كاتب، ولذلك تبقى شخصية الكاتب في المرتبة الثانية، ولكن قيمة هذا المؤلف كبيرة قبل كل شيء كجامع لهذه الأمثال وكمفكر قام بتفسيرها وتدوينها بأسلوب بسيط وجميل وصياغة أدبية بليغة.‏

حتَّى وإن كانت أمثال ايكيكتسي تحتوي على الكثير من المواعظ الدينية، إلا أنها تعتبر فلسفة دنيوية لا روحانية قبل كل شيء.‏

كتب وارطان ايكيكتسي يقول: "يا ويلي يا أبنائي الذين ستأتون إلى الدنيا من بعدي، لأنني أرغب برؤيتكم لكنني لن أستطيع، لأنني سأكون قد تحولت إلى تراب في قبري، لذلك سأتحدث إليكم بواسطة هذا الكتاب حتَّى خمسة أجيال أو سبعة وسأبقى معكم بروحي دائماً.‏

لقد صدق وارطان ايكيكتسي وبقي ذكره أكثر ممَّا كان يُتكهن ولاشك بأنه سيبقى أجيالاً وأجيالاً أخرى...‏

كان ايكيكتسي جريئاً في مواعظه، يوبّخ نسوة المدينة من فوق منبر الكنيسة قائلاً "إنهم يحببن التبرّج والتزين ومسح أعينهن ووجوههن بأنواع العقاقير والمساحيق لإثارة الشبان. إنهن يمنعن أنفسهن عن إنجاب الأولاد بأدوية شيطانية ويصفن هذه الأدوية لغيرهن من النسوة.‏

كان وارطان ينذر الذين يعطون الأموال بالفوائد ويستغلون الفقير والفلاح ويغشون في الأوزان ويخلطون الحليب بالماء... بنار جهنم.‏

لقد صدر هذا الكتاب تحت عنوان "كتاب الثعلب" لأول مرّة في أمستردام (هولندا) عام 1668، ثمَّ في مرسيليا (فرنسا) عام 1676 وعام 1683، وهكذا ففي النصف الثاني من القرن السابع عشر طبعت مجموعة الحكايا هذه أربع مرّات، بينما نشرت في أرمينيا السوفيتية مرّات عديدة.‏

عندما نقارن وارطان ايكيكتسي بالكاتب الفرنسي المعروف "لافونتين" نجد أنفسنا أمام لغز!... لأنَّ أمثال وارطان كما أشرنا آنفاً قد طبعت في أمستردام بهولندة عام 1668 بعد أن قام اثنان من الرهبان الأرمن بترجمتها، ونحن نعلم من الأدب الفرنسي بأن لافونتين نشر أمثاله لأول مرة في نفس العام أي في 1668 وبعد ذلك وفي عامي 1678 و1694 طابع أمثالاً جديدة.‏

هناك الكثير من أوجه الشبه بين أمثال وقصص هذين الكاتبين. إنه من غير المعقول أن يكون وارطان قد استفاد واقتبس من قصص وأمثال لافونتين أنه ولد قبل لافونتين بأربعمائة عام على أقل تقدير.‏

لذلك فهناك أسباب للاعتقاد بأن العكس هو الصحيح، أي أن لافونتين هو الذي اقتبس ونقل من أمثال وقصص وارطان ايكيكتسي.‏

إن فرضيتنا هذه تتأكد وتتعمق ببرهان آخر ففي عام 1891 وصل إلى أرمينيا ولفترة بضعة أشهر، المستشرق الفرنسي الضليع في علم اللغة الأرمنية (أنطوان ماية) ومن هناك كتب بعض الرسائل إلى ابنة عمه في باريس. لقد طبعت هذه الرسائل مؤخراً (في عام 1987) باللغة الفرنسية في فيينا. وفي إحدى تلك الرسائل يقول "أنطوان ماية":‏

"استغربت حين سمعت من أفواه القرويين الأرمن في أرمينيا الأمثال الشعبية التي سمعناها وتعلمناها من لافونتين".‏

فمن غير المنطقي أن يكون القروي الأرمني قد تعرّف إلى لافونتين قبل مائة عام ولكنه من المعقول أنه سمعها من آبائه.‏

ترجم العلامة خير الدين الأسدي بعض هذه الأمثال إلى اللغة العربية وطبعت في أوائل الخمسينات من القرن الماضي في مدينة حلب. وإليكم مجموعة من قصص وأمثال "كتاب الثعلب" لوارطان ايكيكتسي.‏

* * *‏

سبب الحرب قطرة عسل‏

كان لرجل حانوت يبيع فيه العسل فوقعت قطرة من العسل على الأرض فجاءت ذبابة وحطّت عليها وهنا قام الهر وضرب الذبابة بقائمته، فجاء الكلب وضرب الهر فقتله فقتل صاحب الحانوت الكلب، وكان الكلب من قرية مجاورة، فعندما سمع صاحبه ما أصاب كلبه جاء وقتل صاحب الحانوت، عند ذاك خرج الفلاحون من القريتين وتحاربوا وقتل بعضهم بعضاً وبقي رجل واحد على قيد الحياة، وكان سبب كل هذا قطرة عسل.‏

* * *‏

الليث والثعلب والدب‏

مرض الليث، فجاءت الحيوانات جميعها لزيارته، ولكن الثعلب تأخر عن الحضور، فاستغل الدب فرصة غياب الثعلب وأخذ يتكلم عنه بالسوء ولكن الثعلب سمع كلمات الدب من فتحة الباب فأسرع بالدخول وألقى بنفسه عند قدمي الليث الذي سأله: لماذا تأخرت أيها البغيض. فقال الثعلب: لا تغضب أيها الملك العادل، أقسم برأسك على أنني كنت في زيارة كبار الأطباء بشأن مرضك، تعبت وشقيت كثيراً ولكنني عرفت دواءك.‏

أهلاً وسهلاً بك أيها الحيوان الذكي ـ قال الملك، مهللاً ـ وما هو ذلك الدواء؟. فقال الثعلب: إنه ذو فائدة كبيرة ومن السهل الحصول عليه. فقد نصحني الأطباء أن تقوم بسلخ فروة الدب وتلف به جسمك وهو ساخن فتشفى فوراً.‏

أمر الملك، فأمسكوا بالدب وأخذوا يسلخون فروته وهو يصرخ من شدّة آلامه. أمَّا الثعلب فقد قال للدب: هذا جزاؤك وجزاء المرائين أمثالك.‏

* * *‏

الجندي الذكي‏

ذهب جندي ذكي إلى الحرب وهو يعرج برجليه. فقال له أحدهم: أيها البائس إلى أين تذهب؟ ألا تعلم بأنهم سيقتلونك لأنك لا تستطيع الهرب.‏

فقال الجندي: أيها الساذج، إني لا أذهب إلى الحرب كي أهرب بل كي أقف وأقاتل وأنتصر.‏

* * *‏

الملك والثعبان‏

كان للملك ثعبان يحبه كثيراً. ورزق بولد فأخذ يداعبه فوق العرش كل يوم ويرمي الثعبان على ولده وهكذا كان الطفل والثعبان يلعبان.‏

وفي أحد الأيام وعندما كبر ابن الملك أخرج سيفه أثناء اللعب وقطع ذيل الثعبان ورماه على الأرض، فغضب الثعبان ولدغ ابن الملك الذي مات. أمَّا الثعبان فقد ترك القصر وذهب إلى بلاد بعيدة.‏

عندما جاء الملك ورأى ابنه ميتاً، مسوداً من لدغة الثعبان وإلى جانبه ذيله، أدرك بأن ولده كان السبّاق في قطع ذيل الثعبان حتَّى لدغه الثعبان، فحزن كثيراً ودفنه في المقبرة.‏

بعد مضي زمن طويل، بعث الملك يطلب إلى الثعبان ويرجوه أن يعود إلى القصر قائلاً: أعرف أن ابني هو المذنب فقد قطع ذيلك ومن ثمَّ قُمت أنت فلدغته وقتلته، فتعال ننسى الموضوع وما جرى قد جرى فلنعش كالسابق على المحبة.‏

أجابه الثعبان: ليس الأمر كما تقول، لأنَّه كلّما نظرت أنا إلى ذيلي المقطوع ورأيت أنت قبر ولدك بقيت العداوة بيننا لذلك فمن المستحسن أن نبقى بعيدين أحدنا عن الآخر كي لا تكبر العداوة بيننا.‏

* * *‏

الأمير والأرملة‏

كان هناك أمير شرير يحكم مدينة تعيش فيها أرملة بائسة. وكان الأمير يضايق الأرملة مطالباً إياها بالضرائب الكبيرة، أمَّا الأرملة فقد كانت دائماً تصلي وتدعو إلى الله أن يطيل عمر الأمير.‏

ذهبت جماعة الأمير وقالوا له إن الأرملة تصلي من أجله بدلاً من الشكوى تجاه أعماله الشريرة ومضايقته لها. فذهب الأمير إليها وقال لها: لماذا تصلين من أجلي أيتها المرأة وإني لم أعمل خيراً لك؟‏

قالت الأرملة: كان والدك رجلاً شريراً لقد لعنته فمات فجئت أنت في مكانه فكنت أكثر شراً منه. وأخاف الآن أن تموت ويأتي ابنك من بعدك ويكون أكثر شراً منك ومن أبيك لذلك أصلي من أجلك.‏

* * *‏

اللصان الساذجان‏

صعد لصان سطح دار رجل غني وأرادا النزول إلى البيت وكان القمر يضيء في السماء. عرف صاحب البيت أن هناك لصوصاً على سطح المنزل فسألته زوجته: من أين لك كل هذه الثروات والذهب والأقمشة يا زوجي؟ فقال الزوج: كنت أذهب لسرقة بيوت الأغنياء في الليالي المقمرة كهذه الليلة وكنت أنزل من السطح إلى البيت محتضناً أشعة القمر ثمَّ أنطق بكلمة فتظهر لي كل الأقمشة الموجودة في الدار فكنت أجمعها وأربطها بأشعة القمر وأرفعها.‏

عندما سمع اللصان هذه القصة فرحا كثيراً ثمَّ احتضنا أشعة القمر وسقطا في فناء البيت وتكسرت أطرافهما.‏

* * *‏

الخيزرانة والأشجار‏

خرج الملك للتنزه في الجبال والوديان فرأى أشجاراً كبيرة مكسَّرة ومقلوعة من جذورها متناثرة على الأرض. وكانت هناك خيزرانة واحدة تقف منتصبة في مكانها، فسألها الملك: أيتها الخيزرانة كيف بقيت منتصبة في الوقت الذي تكسَّرت فيه كل هذه الأشجار الشامخة. فقالت الخيزرانة: أيها الملك عندما هبّت الرياح العاصفة وقفت الأشجار أمامها بكبرياء فكسرتها الرياح، أمَّا أنا فقد انحنيت وطأطأت رأسي أمامها ولم أزل منتصبة في مكاني.‏

* * *‏

الخمر‏

كان لملك ابن وحيد فأمر نوابه باصطحابه بالتناوب وتكريمه. وذات يوم كان الابن بصحبة أحد النواب. وعند المساء أعاده النائب إلى القصر وتركه ورحل وكان ابن الملك مخموراً جداً فوقع في المزبلة ومات.‏

فأمر الملك بإغلاق بساتين الكروم في مملكته وتحطيم كافة الدنان. ففعلوا كما أمر.‏

وكان لأرملة ولد وحيد وقد أخفت محصولها وكانت تقدم صباح مساء كل يوم طاسة من الخمر لابنها بعد الطعام.‏

وفي ذات يوم خرج ابن الأرملة ليلاً وقتل سبع الملك فأعلن الملك في صباح اليوم الثاني أن الذي قتل سبعه إذا جاء إليه وروى له كيف قتله فلن يعاقبه. جاءت الأرملة مع ابنها إلى الملك فسأله كيف قتل السبع. فرد الصبي قائلاً أنه خرج ليلاً وصادفه وقتله. أمَّا الأرملة فقد أضافت أنها كانت تسقيه الخمر وروت له كيف كانت تسقيه.‏

حينذاك أمر الملك بغرس الكروم وبشرب الخمر على أن يقتل شاربه السباع ولا يموت في المزابل.‏

* * *‏

حساب الشعير‏

كان رجل ينقل الشعير على حمارته إلى بيته وكان الجحش الصغير يمشي إلى جانب أمه ويلتفت إلى الوراء بين الحين والآخر.‏

وفي البيت الذي كانوا ينقلون إليه الشعير كان هناك خنزير مربوط يطعمونه ليسمن بالشعير المتوفر أمامه دائماً سأل الجحش أمه: لماذا يأكل هذا الخنزير الشعير الذي ننقله بمشقة دون أن يعمل ونحن الذين نتعذب ونشقى يطعموننا مرة واحدة في اليوم؟‏

فقالت الأم: اسمع يا بني انتظر أسبوعاً واحداً وسترى بعينيك ثمَّ أردّ على سؤالك.‏

بعد أسبوع وبينما الحمارة وصغيرها يعودان إلى البيت بالحمل وكان الصغير يسبق أمه، سمع صوتاً، فقد كانوا يذبحون الخنزير، فارتعد الصغير وركض فاقترب من أمه، فسألته أمه: ماذا جرى لك يا بني فخفت وأصابك الذعر؟ لا تخف من الخنزير، إنهم يطالبونه بحساب الشعير.‏

وذات مرة.... عادت الحمارة وصغيرها من الحقل بعد نقل الشعير ولما وصلا إلى البيت رفع الجحش حافره وقال: انظري يا أمي إلى حافري، أخاف أن تكون حبة شعير عالقة به فيطالبونني بها كما فعلوا بالخنزير.‏

* * *‏

القاضي الحكيم‏

كان لرجل زوجة شريرة، تشاجرت معه ذات يوم قائلة: هل تظن أن أولادك الثلاثة منك؟ الواحد فقط منك أمَّا الاثنان الآخران فإنهما غير شرعيين. فسألها الرجل: أي واحد منهم ابني؟ ولكن الزوجة لم تجبه على سؤاله.‏

وفي أحد الأيام عندما كان الزوج على فراش الموت قال: أترك كل ثروتي لولدي الحقيقي، ومات.‏

فأخذ الأخوة الثلاثة يتقاتلون وكل واحد منهم يدَّعي أنه الابن الحقيقي والوريث الشرعي. ذهبوا إلى قاض حكيم ليحكم بينهم بالعدل فأمر بإخراج جثة أبيهم من قبره وإطلاق السهام على الجثة ومن يستطيع أن يصيب الجثة فهو الابن الحقيقي.‏

استطاع اثنان إصابة الجثة بسهامهما أمَّا الابن الثالث فقد استل خنجره وهجم على أخويه ليقتلهما ثمَّ بكى وأعاد الجثة إلى القبر.‏

عند ذاك عرف الجميع أنه الابن الحقيقي فأعطوه ثروة والده.‏

الآداب الأجنبية
ت.أكوب ميخائيليان