آخر الأخبار

الكتابات التاريخية في مسجد إبراهيم بن أدهم

كنت قد ترجمت مادة (إبراهيم بن أدهم) عن الموسوعة الإسلاميّة الكبرى الإيرانية، ونشرت هذه الترجمة في العدد الرابع والعشرين من النشرة الثقافية (الراصد) التي تصدر عن المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت، والمادة المذكورة غنيّة شاملة موثّقة، إلاّ أنّها أهملت الحديث عن مسجد إبراهيم بن أدهم في مدينة جبلة... لذلك عمدت إلى الكتابات التأريخية المتناثرة على جدران المسجد من الداخل فنقلتها استكمالاً للبحث.

اللوحة الأولى:

على الحائط الخارجي لغرفة الضريح إلى يمين الباب، نصّ الكتابة فيها:

قد نال إبراهيم من ربّه

مانال أدهم من قبله

(بطل ) (شجاع)

والناس تأتي إلى بابه

ويطعمون الطعام على حبّه

إنّ كلمتي (بطل شجاع) تشكلان التاريخ الحرفي لبناء الغرفة، وهي طريقة كانت مستعملة قبل اعتماد التاريخ الشعري المعروف(1). وعلى هذا فالبناء يعود إلى سنة 415 هـ= 1024/ 1025 م. وليس في النص إشارة إلى اسم الباني أو المشرف على البناء...

كانت بلاد الشام في الفترة التي يشير إليها التاريخ السابق تعيش حالة فوضى سياسية، فقد تمكن المرداسيّون من السيطرة عليها، فدانت حلب لصالح، وبقية أجزاء الشمال لسنان، وفلسطين لحسّان، ثمّ دخلوا بعد مقتل صالح سنة 420هـ= 1029م في صراع مع الفاطميين. وكانت اللاذقية من قبل قد سقطت بيد الروم البيزنطيين، وتبعت جبلة إمارة بني عمّار في طرابلس. ولم يتمكن الامبراطور البيزنطي (حنّا تزمسكس) من الاستيلاء على طرابلس في حملته الشهيرة على الشام(2). وعلل خلفه (نقفور) فشل خطته - في رسالته التي أرسلها إلى ملك أرمينيا (آشوط)(3)- بصمود طرابلس في وجهه.

فمن الباني الأول إذاً؟!

بقي أن نشير إلى أنّ محمد غالب الطويل جعل هذه السنة سنة وفاة إبراهيم بن أدهم (4)... بينما تؤرخ وفاته المصادر التاريخية كلها بسنة 160هـ أو 161هـ أو 162 هـ وربّما سنة 163 هـ(5).

اللوحة الثانية:

وتقع في الجدار الشرقي المجاور لغرفة الضريح، ونص الكتابة فيها:

بحمد اللّه والهادي المعظّم

وأسرار الولي طرز معلّم

تكمّل ذا البنا في خير عام

ومتولّي المقام رقى مكرّم

وعبد القادر الراجي ثوابا

وغفرانا له واللّه أعلم

برمْضانَ المعظّمِ جاء تاريـ

خُ إتمامٍ لإبراهيمَ أدهم

تاريخ هذه الكتابة وفق التأريخ الشعري سنة 994هـ، وثمّة كتابات أخرى تُؤكد هذا التاريخ -سوف تذكر- وفيها إشارة إلى أنّ متولي المقام الحاج عبد القادر أنشأ أربع قباب لتشكل الجناح الثاني من حرم الصلاة. إلى جانب هذه اللوحة لوحة أخرى خالية من التاريخ وإنّما كتبت فيها الآية القرآنية التالية على ثلاثة أسطر.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

إنّما يعمر مساجد اللّه من

آمن باللّه واليوم الآخر

اللوحة الثالثة:

تقع في الجدار الشمالي، ونصّ الكتابة فيها:

وفي عام تسعين مع تسعمائة

وأربع سنين قد مضين تمام

مقام ابن ادهم قدّس اللّه سرّه

تكمّل في خير وحسن ختام

واضح أنّ هذه اللوحة إنّما هي تأكيد للوحة السابقة، لكنّ التاريخ ذكر فيها كتابة بدل طريقة التأريخ الشعري. إلى يسار هذه اللوحة مقابل باب غرفة الضريح قطعة رخاميّة مدورة مثبتة في الجدار، كتبت فيها كلمة (علي) مكررة أربع مرّات متداخلة بشكل هندسي(6)، وإلى جانبها كتبت العبارة التالية بخطّ الثلث المتداخل:

عمل المعلّم سيف الدين ابن المعلّم الزين.

وإلى يمين اللوحة أيضاً لوحة ثانية قريبة من الأرض إلاّ أنّ الكتابة فيها مطموسة تماماً.

اللوحة الرابعة:

لوحة رخامية غير مثبتّة في الجدار، موجودة في ركن من المسجد كتبت عليه العبارات التالية على ستة أسطر:

(اللّه حقّ)

(أنشأ هذه القباب الأربع في هذا)

( المكان الراجي عفو الملك المنّان)

(الحاج عبد القادر المتولّي بالمقام الشريف).

( ومباشرة الوكيل محمد بن إبراهيم الضعيف).

(سنة 994).

هذه اللوحة هي تأكيد لكلّ من اللوحتين السابقتين الثانية والثالثة، وقد كتب فيها التاريخ بالأرقام، وفيها بيان لبناء أربع قباب، تشكل الجناح الثاني من حرم الصلاة، وفيها ذكر لاسم الوكيل المباشر للعمل محمد بن إبراهيم الضعيف... إلا أنّ قراءة كلمة الضعيف قراءة ظنّية لأنّها وقعت في طرف السطر وأصابها شيء من التلف.

اللوحة الخامسة:

وتقع في الجدار الشرقي للإيوان الشمالي المفتوح علىحرم الصلاة، والمجاور. لغرفة ضريح (إبراهيم بن بشّار؟!) (7)، واللوحة تقع أعلى الحائط، وفيها ستة أسطر بخط الثلث المتداخل، كتب فيها:

1- بسم اللّه الرحمن الرحيم إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً. أنشأ هذا المكان المبارك في

2- أيّام مولانا المقر الأشرف العالي المولوي الكافلي السيفي طرغاي الصالحي كافل المماليك الطرابلسية.

3- أعزّ اللّه أنصاره وذلك بإذن العبد الفقير إلى اللّه تعالى عزّ الدين أيبك بن عبد اللّه الداودار.

4- من ماله أثابه اللّه تعالى ابتغى به وجه اللّه والدار الآخرة سنة

5- ثلث وأربعين وسبعمائة

6- وتولّى عمارته الفقير إلى اللّه تعالى أبو بكر بن عثمان الهكاري.

يدّلنا تاريخ اللوحة على أنّ هذا الإيوان بني خلال حكم السلطان الناصر عماد الدين اسماعيل ونيابة طرغاي الصالحي عن طرابلسي... وكان طرغاي قد تولى نيابة طرابلس في شهر رجب من سنة 743 هـ (8) في السنة التي بنى بها هذا الإيوان ، ثمّ توّفي في السنة التالية(9).

اللوحة السادسة:

على العمود الغربي في حرم الصلاة، وفيها ثمانية أسطر، لكنّ قراءتها متعذّرة لما أصابها من تلف، ويمكننا باطمئنان أن نقرأ العبارات التالية.

1- بسم اللّه الرحمن الرحيم

2- أنشأ هذه البركة والبلاطة == واصلاح===

3- =========== الفقير إلى إحسان اللّه.

4-المقر العادل الأشرفيّ ===========

5- في مدة ===========

6- ==== المملكة الطرابلسية في شهر ربيع الأوّل.

7- =====إحدى و====== وتولى ===========

8- القيّم===========

تعود هذه اللوحة إلى العصر المملوكيّ، وفيها إشارة إلى وجود بركة ماء، في المسجد، وكان ابن بطوطة قد تحدّث عن بركة في زاوية إبراهيم بن أدهم عندما زار مدينة جبلة (10).

اللوحة السابعة:

تقع على الحائط الجنوبيّ قرب المدخل، وتحوي ثلاثة أسطر، كتب فيها مايلي:

1- بسم اللّه الرحمن الرحيم. أنشأ هذا المكان المبارك المعمور.

2- بذكر اللّه تعالىة مولانا الحاج أبو اسماعيل بن عزمت سدّد اللّه=====

3- وخلّد اللّه ===== في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وألف من الهجرة.

تعود هذه اللوحة إلى العصر العثماني، وإلى زمن السلطان محمد الثالث، أمّا الحاج أبو اسماعيل بن عزمت فلم أعثر في كتب التاريخ على مايشير إليه... وإنّ قراءة الاسم ليكتنفها شيء من الغموض.

الحواشي

1- انظر: تاريخ آداب العرب- مصطفى صادق الرافعي- دار الكتاب العربي- بيروت 1974م- الطبعة الثانية الجزء الثالث الصفحة 377.

وكذلك : الشعر المملوكي والعثماني- د. بكري شيخ أمين- دار الآفاق الجديدة- بيروت 1980م- الصفحة 167 ومابعد.

2- انظر : تاريخ الحروب الصليبية- ستيفن رنسيمان - ترجمة الدكتور الباز العريني دار الثقافة - بيروت- الجزء الأول- الصفحة 55 ومابعد.

وكذلك مدخل إلى الحروب الصليبية- الدكتور سهيل زكار- دار الفكر- الطبعة الثالثة- الصفحة 68- ومابعد.

3- انظر: تاريخ الحروب الصليبية- ستيفن رنسيمان- الجزء الأول- الصفحة 55 .

4- تاريخ العلويين- محمد أمين غالب الطويل- دار الأندلس- الطبعة الرابعة 1981 م- الصفحة 288.

5- انظر: الموسوعة الإسلامية الكبرى (دائرة المعارف بزرك إسلامي) - طهران المجلد الثاني- الصفحة 403 ومابعد.

6- أبحاث تاريخّية وأثرية- جبرائيل سعادة- ترجمة سلمان حرفوش- دار طلاس. للدرسات والترجمة والنشر- الطبعة الأولى 1987- الصفحة 248 الشكل (20).

7- حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني- بيروت 1987 م- الجزء السابع الصفحة 368.

8- لتتممة المختصر في تاريخ البشر -ابن الوردي- جمعية المعارف القاهرة 1285 هـ الجزء الثاني - الصفحة 336.

9- المصدر السابق- الجزء الثاني- الصفحة 339.

10- انظر: رحلة ابن بطوطة- دار التراث بيروت- 1968م- الصفحة 74.