آخر الأخبار

صلصة ثقافية

هل نكون منصفين إذا أخذنا بعين الاعتبار الأسماء المُكرّسة في عالم الأدب سواء عن طريق الاعلام أو عن طريق النشر، ألا توجد الكثير من النصوص التي تقبع في الأدراج منذ سنوات و تنتظر فرصة و هو ما يعني قتل المراحل في تجربة الكاتب؟
ما قيمة الملتقيات الأدبية إذا لم تكن نافذة على المواهب الحقيقية في البلاد بقطع النظر عمن يأخذ الجائزة، أليس النص الجيد حقا للبلاد و الشعب بقطع النظر عن الحق الأول لصاحبه الذي أنتجه؟
أسئلة طالما فرضت نفسها على تفكيري و أنا أتأمل تجربة الأدب التونسي من بدايات القرن الفارط إلى عصرنا، ما الذي تغير سوى أن وباء الارتزاق قد تفشى في هذه المنظومة و أن الفرص صارت أقل بكثير لأصحاب المواهب الحقيقية و لمن يريد أن يقول شيئا مختلفا، مالذي تغير سوى أن البوليس الثقافي ازداد شراسة بعد أن استفاد من السلطة و صار رقيبا مباشرا داخل المنظومة الرقابية الواسعة؟
ما الذي تغير سوى أن دُور النشر التي كانت نادرة الوجود صارت متفشية كالفطريات لتمتص ما تبقى من دم الكُتّاب و تستثري على حسابهم و تقسم معهم حتى الجوائز إن وُجدت.
ما الذي تغير سوى أن الجوائز التي كانت نادرة و باُجتهادات خاصة (في التمويل) لتشجيع النصوص الجيدة صارت تحت إشراف لجان تحكيم غير نزيهة تزيد الغني غنى و الفقير فقرابِحُكم العلاقت الخاصة؟
ما الذي تغير سوى أن الاختلافات الفنية و الفكرية التي كانت تُلهِب الملتقيات تحولت إلى حالة من الاتفاق على كل شيء حدّ الجمود و صمت رهيب لا يقول شيئا و ليس لديه ما يقوله؟
ما الذي تغير فينا؟ لماذا لم نعد قادرين على الخيال؟ لماذا تقوقع كل كاتب على نفسه و نصّه و لم يعد يرى كاتبا غيره؟ ألأنه لا وجود لتشجيع حقيقي للمواهب فحسب أم لأن البوليس الثقافي قتل الخيال و دفع بالمبدع إلى العزلة كالنار التي تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله فلم يعد الكاتب يستفيد من تجربة نظيره (إلا بالسطو أحيانا) الذي صار يُكِنّ له نوعا من الخوف المتبادل؟
لقد فقدت الصلصة الثقافية التونسية معظم توابلها و لم نعد نذكر سوى أبي القاسم الشابي و محمود المسعدي و لكن أليست الأرض التي أنبتت هاتين الموهبتين بقادرة على انتاج غيرهما أم أن هذين الرجلين قد أخذا أسرار الصلصة معهماّ؟
متى يقوم اتحاد الكتاب التونسيين بدور حقيقي في علاج الساحة الأدبية من أمراضها؟ متى تستيقظ لجان التحكيم على رؤساء يتمتعون بالنزاهة الكافية ليصفعوا الرداءة و يُعْلوا شأن الكلمة الجديدة و الفكر الجيد؟ متى يتصالح مستهلك الكتاب مع مُنتجه التونسي و يعلم أن الكاتب -للأسف- هو الحلقة الأضعف في هذا الواقع البيروقراطي العاصف و أن عليه أن يكون تاجرا أوّلا ليجد نفسه في هذا العالم الغريب؟ و متى يتمتع الكاتب الحقيقي بالتفرغ للكتابة عوض أن يبدأ الصلصة من زرْعِ الطماطم بنفسه حتى إطعام الأفواه الجائعة؟

11نوفمبر 2009