ليس ثمّة وصفٌ دقيق لمكنون "العيب" حيث الكلمة هلامية تأخذ شكلها وفقاً لثقافات المجتمعات ،فما هو عيب لدى مجتمع ، قد يكون جائزا لدى الآخر. لذلك إذا تصادم الحق مع العيب فلا بد للأول أنْ يطيح الثاني خصوصاً إذا كان حقاً إنسانياً ودَعَت إلى صونه الديانات والتشريعات الدنيوية . ليس المقصود في هذا المقام العيب الذي يخدش حياءً أو يفتك بالخجل .
لعل المشرقيّين أكثر المجتمعات استسلاماً لحكم "العيب" الذي نرضخ له أحياناً أكثر ن أحكام الدين ، فنرانا مسيّرين وفقا له من دون مراجعة لهذا السلوك الذي يبقينا في قوقعة تغشي أبصارنا فلا نرى ما هو أكثر صلاحاً للبشرية . الأمثلة كثيرة ، لكنّ واحداً منها يشفي بيت القصيد.
لو تفاءلنا وافترضنا " فانتازيّاً " أن عالَمنا المشرقي مليء بالجهات المسؤولة والجمعيات التي يمكن "للأنثى" أن تلجأ إليها لتشكو أباً ضربها ، أو زوجاً أذاها . أول ما ستواجهه إذا فعلت ذلك ،هو كل ما أنجبته لفظة "العيب" من مرادفاتها ومِن معاني تنهال عليها ، من منطلق أنّ المجتمع لا يسمح لسلوك من هذا القبيل أنْ يسلك دربه ، وبالتالي هي تمردت وانتفضت على ما يسميه البعض "قيَما" . إنّ "قيماً" من هذا الفصيل ليست لها أية قيمة ، ما دامت لا تحفظ "للأنثى" إنسانيتها ولا تصون حقوقها .
أحكام "العيب" لدينّا ،للأسف، تفضل قهر "الأنثى" على جهر الشكوى ، لأن "الذكر" ،حسب معتقداتنا، هو المحق وهو الصائب لا المخطىء، وهو الذي يعي الصحيح من الغلط ، والجائز من العيب ، فلا يجوز لمن تعرضت للإهانة أو الأذى الجسدي أنْ تنبس ببنت شفة ، ويصبح من العار عليها أن تجهر بصوتها شاكية باكية لعل هناك من ينقذها من هَمّ لازمها وغمّ رافقها .
إنّ "العيب" الساكن فينا جعل منا طواغيت ذكرية محكومة بما تراكم من تقاليد مجتمعية يتعارض كثيرها ، أصلاً، مع المنهج الرباني والعقلانية الإنسانية ، وكان من الأجدى أنْ نتحرر منه صوناً للإنسان بجنسيْه . ولن يتحقق هذا التحرر إلا بالإنقلاب الأبيض على كل ما ورثناه من معتقدات وضعية هي وليدة أمكنة وأزمنة خلت ، وليست صالحة للمفهوم الإنسانيّ .
إذا تحقق هذا الإنقلاب الإنسانيّ فلن نعود نرى عاراً في شكوى "الأنثى" أباها إذا كان مضطِهداً لها ، أو زوجها إنْ كان يلطم خدها ويسبّ جَدّها .