آخر الأخبار

إذا كبر ابنك اعرف أنك هرمت

كبر جنكو ، وكثرت مطالبه ، لم تعد ألعاب الأطفال (تعبئ عينه) رغم أنه لم يتجاوز السبع سنوات إلى حتى الآن .
فبالإضافة إلى الدفاتر والكتب والأقلام .. والمواد المدرسية الأخرى ، يلح على شراء (Ply Steshen) و أفلام (Ply Steshen) ، يقعد بمواجه الكومبيوتر ولا يترك لي مجالا للكتابة ومنذ يومين طلب مني أن أشتري له لعبة اسمها (wi) ..
وعدته إذا نجح بتفوق أن (تكرم عينه) سأشتري ، لكن وعدي لم يفلح .. أصر ّ أن أشتريها بالحال ..
قلت له : (المصاري بالبيت) خليها لبعدين ، لم يسمع لكلامي ، بل نصحني أن أذهب للطبيب ، ليفحص لي درجة السمع لدي ..
لم يعد يعجبه العجب .. سقى الله أيام طفولتي ..
كان والدي رحمه الله يشتري لي الألعاب ، وكان يعدني بأخرى عندما أنجح في الدراسة ، أو عندما يحين عيد ميلادي ..يعني يمكن أن أقول : في المناسبات ..

كانت هناك حالة اجتماعية متميزة في الحي الذي أعيش فيه ، حالة من تضامن وتكافل ، قصص صراع ، وقصص حب ، وسياسة .. وشرطة ، وملاحقات فوق سطوح البيت والجيران حيث أن بيوت حي الأكراد كانت متلاصقة في محبة لا متناهية .
مظاهرات أحزاب وقوى متنوعة المشارب تمر يوميا بجانب بيتنا الذي كان قائما في ساحة مشهورة بالحي سميت بساحة شمدين آغا نسبة إلى شمدين آغا الأب الأكبر لآل شمدين ، الدقورية .
مظاهرات للرفاق الشيوعيين يتخللها شتم للنظام وللرأسمالية والمخابرات الأمريكية ، وأخرى لجماعة الشيخ كفتارو ، وأخرى للقوميين السوريين ، وبعضا من ســـكان الحي يهتفوا لعبد الناصر من خلال تنظيم الاتحاد القومي ..

وكان القوميون الأكراد عادة يساهموا بكل المظاهرات طالما هي ضد النظام ، كتظاهرات أولاد حارتي عندما كانوا يزفوا العرسان في الأعراس المتتالية بصياح يملأ بيوت الحي : صلوا على محمد .. كحيل العين .. وعزنا .. وبالصلاة صلوا عليه ..
سبحان الله بنفس الطريقة التي كانوا يشيعوا بها الشباب إن ماتوا .. أو ُأستشهدوا في الحرب يرفعوا التوابيت على الأكف حتى تكاد تطير في الهواء .. يطلقوا النار في وداعهم عند الموت كما يطلقوا النار عندما يرجع الحجاج من بيت الله الحرام ، وفي حفلات الأعراس عندما يزفوا إلى حورياتهم ..
كان لدى والدي رحمه الله من نوع كولد ستار مسدس ينقله سرا من مكان إلى آخر ، وبندقية صيد معلقة بالحائط ..
وعندما كنت في الصف الخامس الابتدائي وعدني أخي بمسدس حربي فيما لو نجحت من الابتدائية إلى الإعدادية .. السلاح هواية أولاد حارتي ، وكما يقال (كردي بلا سلاح ، إنسان بلا شرف) ... لكن والدي نهره خوفا من استعماله ضد جيراني من أهل الحي ..

الله ..!! كل شئ تغير ، أسلوب المخاطبة ، أسلوب العلاقات الاجتماعية وكيفية قضاء يوم الجمعة ، أو الأحد ..
كان يقول لي والدي : يا ولدي عندما تأوي إلى الفراش لا تنسى أن تحاسب نفسك قبل أن تنام .. انظر ماذا فعلت من خير وكرره ، وانظر سيئ عمل قمت به فابتعد عنه ..

نام وضميرك مرتاح ...

ذكرت ذلك لصديق نمساوي ، ضحك من فكرة أبي .. قال عليك أن لاتعود بالذاكرة إلى الوراء أبدا ً .
انظر إلى الأمام .. المستقبل بانتظارك ..

الكثير من أبناء جيلي تعلموا ليعملوا بعلمهم ، لكن اقتلاعهم من بلادهم ، جعلهم يرضوا بأي عمل حتى ولو لم يكن له أية علاقة بعلمهم وتعليمهم .. ذلك أن علومهم بلغة العلم الذي تعلموه شئ ، وتواجدهم في بلاد أخرى شئ آخر ..
ظلم يجبرهم على العمل أي عمل .. وقد يكون مهينا بعض الأحيان .. معارف كثر أعرفهم ، تعلموا وحصلوا على شهادات عليا ، وفي النهاية عملوا في مطاعم بيتزا ومكدونالد ..

أسأل ابني : ومع من لعبت اليوم ، يجاوبني : كل طفل بألعابه مشغول ..
دخلت ذات مرة قاعة الألعاب الخاصة بالصف الأول الابتدائي لأجد أن الأطفال يلعب كل واحد مع نفسه .. ألعاب كومبيوترية ، وألعاب خاصة ..
إلا الأجانب أمثالنا ، فهم مع بعضهم ، يلعبوا لعبة علي بابا والأربعين حرامي ولكن دون هرولة ، ولا تنشين ، ولا إطلاق رصاص خلبي ..
كل طفل منهم يحمل لعبة تمثل علي بابا ، وقراصنة ، وديناصورات ، وسوبر مان ، والوطواط ، وألعاب أخرى ، أهلهم يعلموهم أن : " الجار قبل الدار" ، وأن : " أحب لأخيك ما تحبه لنفسك " ، فيقدم بعضهم الحلوى للبعض الآخر ، وقنينة الماء التي تضعها أمهاتهم لهم في حقائبهم الصغيرة .. ومأكولات أخرى ..

اليوم في طريقنا إلى المدرسة طلب من أن أسرع أكثر من اللازم ، ولما عدت لآخذه مساء قال لي لم أعد بحاجة بك لتوصيلي .. سأعود في الحافلة وحدي .. فأنا لست (بيبي) .. !!

عرفت لحظتها أن العمر يمر ّ .. واني أكبر مع ابني يوما ً بيوم .. !!
فعلا ً ، إذا كبر ابنك اعلم أنك هرمت .