اهدي ذكرياتي و عملي هذا الى روح جدتي مريم التي أود ان اخاطبها و هي بجوار ربها لاقول : أماه سافرت و لم أكن في سورية و لم أكحل عيني بوجهك الملائكي اليك أهدي جهدي ووفائي.
- مقدمة -
فكرت مرات عديدة أن أروي للناس فيها تجربتي كأم و كزوجة وكمواطنة أحبت وتحب بلدها دون حدود . بالنسبة لي من المهم أن يستطيع الإنسان أن يروي للآخرين أي شيء .... أي شيء يرى فيه قيمة ما سامية ولذلك أفعل .
أريد أولا أن أقول للقارئ الكريم بأننا لم نولد وفي فمنا ملعقة من فضة وكافحنا بشرف في الحياة وأريد أن أصف بعض المعاناة التي يمر بها من كان مثلي وفي حالتي و أن أتضامن مع معاناة الناس حيثما كانوا من خلال ذكرياتي هذه خصوصا مع المرأة العربية بل المرأة في كل العالم حيث تتعرض للظلم الإجتماعي ولا تلقى في كثير من الحالات ثوابا حقيقيا لتضحيتها . كما أود أن أذكر في هذه المقدمة أنني أحب دمشق حباً جماً و أريد أن أهمس بأذنها أنني أحبها ، و قد تكون أحد أسبابي لكتابة ذكرياتي أن أحكي عن هذه المحبة لهذه المدينة الخالدة و أقول أنا التي سافرت إلى عدد من البلدان أنني لم أعشق مثل دمشق وقاسيون الذي يطل عليها منذ الأزل .
البداية
أنا من قرية جميلة في حمص تدعى / أم الدوالي /: قرية في الريف أهلها روحهم غنية ويحبون الغريب ويكرمون الضيف . كان والدي رحمه الله / كامل حسن أسعد / و هو من آل خضور شاعرا يقول وينغم الزجل وذو صوت شجي جميل يستدعى في الأفراح ليغني العتابا والميجنا كان الناس يسمونه الزجال وكان يحفظ القرآن الكريم ويرتله على الدوام في البيت وفي مناسبات العزاء والحزن حيث كان الناس يدعونه لترتيل القرآن .
أما أمي فكانت شابة صغيرة فوالدي كان يكبرها بعشرين عاما وكان اسمها-رحمها الله- (فهيمة فياض) وكانت لي جدة اسمها / مريم / وكنت أرى في وجهها ملاكا طاهرا فهي عدا عن النور الذي شع من وجهها كانت تحن علي حنانا جميلا وكنت أعشق النوم في حضنها . كنت في الثالثة عندما هربنا من ظلم الآغا الذي حاول إجبار والدي على شهادة زور فهربنا إلى لبنان ( طرابلس) كان أخي في السادسة من العمر . هناك في طرابلس عمل والدي في مكبس للخفان وكبرت في طرابلس في "بعل محسن "، طريق زغرتا في بيت صغير واستمر الأمر بنا هناك حتى داهم المرض أبي - رحمه الله - فقررنا العودة إلى قريتنا وقد صرت حينها في التاسعة صار أخي في الثانية عشرة، و عدنا للسكن عند جدتي . أثناء مرض والدي الذي كنت أحبه حبا جما ً توالى الأقارب من آل خضور على زيارته ومرت سنة على التقريب وهو راقد في سريره وذات صباح عرفت أنه غادرنا إلى دار الحق (رحمه الله) و أني منذ ذاك اليوم صرت يتيمة الأب .
في هذا اليوم الذي لن أنساه ما حييت تجمع عدد كبير من الرجال والنساء في بيتنا وكنت أنظر إليهم بعيون حائرة ولا أعرف ما الذي يخبئه الغد .
تولت جدتي رعايتنا وأخي وهنا صار الملاك / جدتي / هو الذي يرعاني وكانت تدللني كل دلال حتى بدأت فتيات القرية يغرن مني فجدتي كانت تخبئ بعض المال وصارت تشتري لي أجمل اللباس من تاجر جوال اسمه/ دغمان / كان يحضر اللباس والعطر وأشياء أخرى من لبنان الذي لا تبعد حدوده عن قريتي بضعة كيلومترات .
في سن الحادية عشرة رحلت مع وأمي وأخي إلى مدينة حمص وسكنا في حي الخضر في بيت المرحوم / يونس اللالي / الذي سأتزوج فيما بعد من ابن أخته عبد الله الأحمد .
بدأت أمي تبحث لأخي عن عمل فقال لها العم يونس أنا أشغله مع ابن أختي في معمل البلاط فأتى به وتعرفا على بعضهما وصارا رفيقين حيث قام عبد الله بتعليم أخي محمد الصنعة.
ولد ل / يونس الللالي / ولد جديد وقامت فرحة بهذه المناسبة وكنت في الثانية عشرة استدعتني الفتيات إلى الرقص وأثناء رقصتي وقعت عيناي على عيني عبد الله الجالس بين الشباب وأحسست من وقتها بهذا الشاب إحساسا غريبا .. لقد دخل إلى قلبي . بعد أيام جاءت خالة أمي وأخذتني معها إلى مصنع الحرير في حي عكرمة المملوك /لآل بشور / خير الله و بشور حيث تعلمت هناك ما كنا نسميه / حل الحرير / وعملت سنة ونصف هناك , .
مرت فترة و أتى عبد الله وطلبني من أهلي وكان برفقته كل من الشيخ محمد الحبيب والشيخ سليمان الحبيب وكان معهم علي الأحمد أبو عبد الله واستدعيت جدتي وجدي وكانت والدتي وتمت قراءة الفاتحة وكتب كتابنا بعد سنة تماما من هذا التاريخ , وأصبحت زوجة وأنا في تمام الخامسة عشر من العمر .
وبدأ موعدي مع الحياة برفقة أبو علي
أذكر أن عبد الله كان يحاول صنع طائرة أثناءها وكان يسمى في الحارة عدة تسميات / المخترعجي / أو / أبو الطيارة / وكان البعض ممن يغار من عبد الله ويريد أن يلحقني في الشارع / ملطشا / قائلا : هي خطيبة أبو الطيارة اللي بتكب عليها /شنينة/ بتطير ! والشنينة معروفة هي اللبن حيث كانت أم عبد الله تعمل في بيع اللبن وكانت سيدة مناضلة مكافحة ومن أشرف من عرفت النساء وما كان هذا الاستهزاء إلا ويزيدني ارتباطا وحبا لهذا الشاب غير الاعتيادي بل / العبقري / الذي سوف يثبت للناس فيما بعد هذه العبقرية .
كانت أيام الوحدة مع مصر عندما كان عبدالله يصنع الطائرة و في مرة
ذكر راديو / صوت العرب / مرتين اسم / عبد الله الأحمد / في نشرة الأخبار كشاب من الإقليم الشمالي يصنع طائرة وصار الناس يتجمهرون أمام بيتهم من كل حارات حمص حتى صارت أزمة كبيرة فلم يعد أهل الدار قادرين على العيش بحرية كان اعجابي به يزداد.
للأسف في ما بعد لم تساعد الدولة عبد الله بشيء بسبب بعض الأشخاص و ليس بسبب دولة الوحدة العظيمة وقد كتب هو بمذكراته تفصيلا في هذا الموضوع.
أصبحت أما لطفل عمره سنة وكان زوجي يبحث عن عمل حيث كانت مهنته بالأصل صب البلاط....
وأخيرا وجد عملا في دمشق مع السيد ألفرد زلحف وأخوته وهم عائلة محترمة جدا وسكنت قرب عمل زوجي , وكان أثناءها عهد الانفصال فبدأ نشاط حزب البعث العربي الاشتراكي وكان زوجي منظما منذ إل 16 عاما فيه .
بدأ بتنظيم حلقات للشباب المنتسبين لدينا في البيت وأستمر هذا الوضع سنتين ولقد ساهمت بتوزيع بعض المناشير الحزبية أثناءها في منطقة باب شرقي حارة الأرمن وعندما أكتشف رب العمل ذلك خاف حيث هو شخص مسالم /رحمه الله / فطلب من زوجي الرحيل عن المكان وترك العمل فبدأنا البحث عن عمل جديد , فأشتغل مع عائلة /كريم/ وهم دمشقيون من منطقة /زقاق الجن/ وسكنت في حي الطبالة , وهذا الحي كان فيه أناس من كل مشرب من القرى والبلدات ومن كل ناحية . سكنا مع عائلة من /دير عطية , بيت أم هيثم / كانت أم هيثم ربة منزل محترمة و زوجها يعمل على سيارة وصارت بيننا وبينهم ألفة كبيرة كانوا من: دير عطية ,النبك , صدد , السويداء , حمص ..... الخ
كانت السيدة / أم معروف / من النبك هي زعيمة الحارة وكان زوجها مقاولا وهو الذي بنى الحارة وأذكرها مثل زعيمة و الكل يأتمر بأمرها وكانت من أفضل من صنع الكبة النبكية ودعتنا ودعت الجارات وجلسنا ندق على الجرن ونشوي الكبة وكانت حفلة رائعة حضرها كل أهل الحارة كأسرة واحدة .
يتبع.....