ولم يجد الملك عبدالله أمامه سوى أن يتنازل عن الوادي الذي أصبح منذ ذلك الحين واقعا بسكانه العرب غرب الخط الأخضر الذي يمثل خط الهدنة بين الطرفين.
وبعد مرور 56 عاما على هذا التاريخ، يريد معظم الإسرائيليين التخلي عن هذا الوادي، وذلك بعد أن أصبح الهاجس الديموغرافي لديهم أهم من الهاجس الطوبوغرافي. فالإسرائيليون يعرفون أن دخول جيوش غازية من الدول المجاورة لهم عبر مواقع بعينها قد أصبح خطرا بعيداً مقارنة بخطر السكان العرب الذين يعيشون بينهم والذين تتزايد أعدادهم بشكل مطرد.
ومن المعروف أن وادي عارا يضم مدينة أم الفحم التي تعتبر ثاني أكبر مدينة فلسطينية داخل حدود إسرائيل التي كانت قائمة قبل حرب 1967.
ومن المتوقع أن يقفز موضوع مبادلة الأراضي إلى واجهة الاهتمامات الإسرائيلية بعد فك الارتباط مع غزة حيث إنه من المعروف أن السياسي اليميني أفيجدور ليبرمان يتبنى منذ مدة حملة تدعو إلى مبادلة الأراضي المأهولة بالسكان أو ما يطلق عليه الترانسفير الناعم والذي تقوم إسرائيل بموجبه بالتخلي عن المدن الفلسطينية الواقعة غرب الخط الأخضر مقابل الاحتفاظ ببعض الكتل الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهي فكرة تدور منذ زمن في أذهان بعض من كبار الساسة الإسرائيليين مثل شارون وإيهود باراك.
ولكن مسألة استبدال مجتمعات ومدن بكاملها بأخرى ليست سهلة التنفيذ. فعلى الرغم من أن أم الفحم مدينة عربية، إلا أنها تمثل جزءا لا يتجزأ من البنية السياسية للدولة اليهودية، كما تتمتع أيضا بالفرص الاقتصادية ومستوى المعيشة المرتفع الذي يتمتع به سكان إسرائيل.
لذلك فإن سكان أم الفحم أنفسهم، وعلى الرغم من اعتزازهم بهويتهم الفلسطينية وكونهم مركز الحركة الإسلامية في إسرائيل، قد يرفضون هذه الفكرة، بل إن عمدة المدينة العربي نفسه وصفها بأنها فكرة فاشية وغير مقبولة .
علاوة على ذلك نجد أن اليسار الإسرائيلي يحارب هذه الفكرة من جانبه، ويصفها بأنها فكرة غير عملية وغير أخلاقية .
ويرى اليسار الإسرائيلي أن تنفيذ تلك الفكرة سوف يفتح الباب لمطالب مماثلة من المدن والمناطق المسكونة بالعرب داخل إسرائيل، خصوصا إذا ما عرفنا أن الكثير من تلك المناطق لم تندمج بشكل كامل في الديمقراطية الإسرائيلية ، وهو ما يمثل جانبا من جوانب القصور التي تعاني منها إسرائيل منذ إنشائها. فإسرائيل مارست التفرقة دائما ضد العرب الإسرائيليين من ناحية التمويل وإقامة البنية الأساسية، كما أن التواصل بين المجتمعات اليهودية والعربية داخل إسرائيل لازال في أضيق نطاق ممكن بعد عقود من العيش معا.
والسبب الأساسي وراء ظهور فكرة وادي عارا هو الهاجس الديموغرافي. فالسكان العرب داخل إسرائيل يزدادون بمعدل أكثر من الإسرائيليين.. وإذا ما مضت الأمور على هذا النحو فإن معنى ذلك هو أن الإسرائيليين سيصبحون أقلية، وسيجدون أنفسهم مضطرين إلى المفاضلة بين استمرار إسرائيل كدولة يهودية، وبين استمرارها كدولة ديمقراطية.
وكان انهيار عملية السلام بين إسرائيل والعرب واستمرار الانتفاضة الفلسطينية سببين أقنعا الكثيرين من يمين الوسط في الطيف السياسي الإسرائيلي بفكرة أن الفصل بين الشعبين يحقق مصلحة إسرائيل.
وقرارا شارون الرئيسيان وهما بناء الجدار الفاصل، والانسحاب من المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة يهدفان في الأساس إلى معالجة اختلال التوازن السكاني بين العرب والإسرائيليين.
وقراره الخاص بالانسحاب من غزة على وجه التحديد سيسّرع من إيقاع السجال الدائر حول مستقبل الهوية الإسرائيلية داخل حدودها الحالية. وفي هذا السجال فإن الديموغرافيا وليس الطوبوغرافيا هي التي ستصبح خط التقسيم الجديد في دولة توجد بها أقلية غير يهودية يتزايد عددها باستمرار. وسوف يكون اليهود والعرب كذلك مطالبين في هذا السجال بتحديد إلى أي جانب من خط التقسيم ينتمون.
ألوف بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحرر الدبلوماسي لصحيفة هآريتس الإسرائيلية اليومية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست