آخر الأخبار

المونديال: تحمُّل المسؤولية، والكراسي العربية

ولأنها ثقافة في العالم الغربي فليس مستهجَناً أنْ تمس مختلف أنماط المسؤولية سواء السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الفنية ، وحتى الرياضية . ولعل انقلاب الموازين في مونديال 2010 أبلغ دليل ، حيث خارت قوى "مونديالية" تاريخية أمام منافِسات لها لم تكن في السابق تصل إلى ما وصلت إليه هذه السنة إلا البعض منها.

تعظم الخسارة بعظمة قوة الخاسر ، ويحلو طعم الفوز أكثر لمن تجرع الخسارة كثيراً. لذلك جاءت تداعيات خسارات منتخبات قوية مثل الأرجنتين والبرازيل وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا على نحو متسق مع تداعيات إخفاقات مثل تلك الدول في مناحٍ أخرى ، لأنها ببساطة ثقافة تحمُّل المسؤولية وإتخاذ إجراءات إما ذاتية أو منْ قِبل من هم في مناصب أعلى.
فمدرب المنتخب الأيطالي استقال بعد الهزيمة النكراء التي لحقت به، والاتحاد البرازيلي لكرة القدم أقال الجهاز الفني للمنتخب البرازيلي بعد خسارته ألتي ربما أبكت أعين العرب "المتبرزلين" أو مجرد مناصرين أكثر من البرازيليين أنفسهم .

أما مارادونا فإنه سيتشاور في ما إذا كان سيستمر مع المنتخب الأرجنتيني بعد سحقه من قبل المنتخب الألماني بشكل موجع جدا، بينما البرلمان الفرنسي عقد جلسة خاصة لمساءلة مدرب ومسؤولي المنتخب الفرنسي عن أسباب هزيمته في المنازلة المونديالية، والنتيجة إقالة المدرب ريمون دومينيك وتعيين لوران بلان بدلا عنه ، والأمر ذاته يحصل مع مدربي ومسؤولي منتخبات أخرى.

سواء كان الأمر استقالة أو إقالة ،فهذا نابع من مبدأ تحمل المسؤوليات ، وتشكيل لجان تحقيق ومن ثم اتخاذ إجراءات مناسبة من دون البحث عن أكباش فداء رغم أن الامر متعلق بمسائل رياضية وليس بمسائل مصيرية وقومية أو تمس أرواح الناس أومعيشتهم.

إنّ مقارنة بسيطة بين النهجين الغربي والعربي في مسألة الإخفاقات والمساءلة حولها ، تجعل المرء يدرك حجم البوْن بينهما . في عالمنا العربي نحوّل الهزيمة إلى نصر كي تبقى هناك مبررات لبقاء المسؤولين عن الهزيمة في أماكنهم باعتبارهم حققوا النصر لشعوبهم فلا يجوز، إذنْ، مسُهم . ويُخيّل للمرء أنه لو أخفق مدير بنك عربي في تحقيق الأرباح ، لقام بفصل كل الموظفين من البنك باعتبار انهم المسؤولون عن ذاك الإخفاق فيبقى متكئا على أريكته كما لو ثُبّت عليها بالغراء .

لقد شهدت أصقاعنا العربية الكثير من المأسي والخسائر والإخفاقات ، ولم نسمع أن المسؤولين عنها استقالوا أو أقيلوا إلا من رحم ربي ، وكأن من يتحمل المسؤوليات هم الضحايا أو أبناء السبيل. فلم يدْهمْ أذهاننا أن مسؤولاً أمنياً استقال بسبب فشله في منع عملية إرهابية ، بل إنه يعقد المؤتمرات الصحافية متوعداُ بملاحقة المسوؤلين عن العملية ، وتناسى أنه مسؤول عن هذا الإخفاق . ولم يردْ إلى مسامعنا أن وزير اقتصاد استقال لإخفاقه في منع ثورة جياع باحثين عن الخبز، ولم يحقق كرامة العيش للفقراء .

إنّ المعادلة في العالم العربي بسيطة، وهي أن المسؤول عن أي إخفاق يجب أن يظل في منصبه لأنه تجرع مرارة الفشل ،فلا ضرر ولا ضرار أن يتجرعها في حلقات فشل لاحقة رحمة بمن لم يتجرعْها بعد.

mohammad.abuobeid@mbc.net