[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/l----------...
وأن يكسر حالة الجمود والرتابة والروتين الذي تعيشه المدينة بقية أيام السنة، ويرغمها في الدخول في حالة من الحركة الحيوية.
ولعل هذا ما دعا وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا أن يقول في حفل افتتاح الدورة السادسة لفعاليات المهرجان: أن مهرجان جبلة الثقافي استطاع أن يحيي ميتاً، فقبل سنوات لم تكن في مدرج جبلة الأثري أي حياة، لكن المهرجان أعاد له النبض والحيوية والحرارة وأعتقد أن مدينة جبلة عانت من الإهمال على الصعيد الثقافي سنوات طويلة، لكن هذا المهرجان يبعثها من جديد في مكانها الطبيعي واللائق على الخارطة الثقافية، فهي من أجمل المدن على شاطئ المتوسط، ولها تاريخ عريق، وفيها مستويات حضارية عديدة وتحتاج إلى المزيد من الدعم الحكومي والأهلي.
قدم المهرجان هذا العام جرعة ثقافية دسمة بما حمله من فعاليات متنوعة وغنية فكان الافتتاح بمجموعة من الرقصات الشعبية لفرقة الجمعية الخيرية الشركسية فرقصة «القافة» يعبر من خلالها الشاب عن إعجابه بالفتاة، أما «الشبرف» فهي رقصة لقبيلة «الوبخ» عاشت قديماً على شاطئ البحر، في حين «الوج» رقصة حب شركسية يعبر بها الشباب عن حبهم للفتيات ويسمح بهذه الرقصة بلمس الشاب ليد الفتاة التي يحب، و«رقصة الشيشان» وهي رقصة سريعة تعتمد وتظهر القوة البدينة للراقص الرجل.. وغيرها.
تحت السقف
وأتاح المهرجان الفرصة لجمهوره مشاهدة فيلم «تحت السقف» والذي قام بإخراجه نضال الدبس منذ حوالي خمس سنوات، ولم يعرض سوى مرة واحدة في سورية، بينما عرض أكثر من 25 مرة في مختلف دول العالم، وحاول المخرج عبر شريط الذكريات أن يغوص في تفاصيل غرفته المكان الذي عاش فيه أحلى أيام عمره، ويستخلص من كل ركن من أركانها الأحداث والحكايا التي خبأتها خلال سنوات عمره مع الأصدقاء والأهل والأحبة، والتي تستدعي بمحتوياتها وعبق رائحتها حيوية الشباب والحياة الجامعية وصراع الأفكار وتشكلها ومرحلة النضج، فهذه الغرفة تحمل أبعاداً أكبر بكثير من أبعادها الحقيقية فهي تنتقل من ذاكرة المخرج لتشكل ذاكرة جيل بأكمله.
غياب من دون اعتذار
ولإعطاء حيز أوسع للسينما خصص المهرجان ندوة خاصة للسينما بعنوان «الذاكرة والمكان في السينما السورية» لكن المشاركين سلاف معمار ورامي حنا وأمل عمران خذلوا الجمهور الذي ملأ قاعة المركز الثقافي بعدم قدومهم، حتى لم يكلفوا خاطرهم في الاعتذار واعتبر الجمهور هذا التصرف نوعاً من الاستهتار لا يليق بسمعة الفنانين ولا الجمهور، واضطر المخرج نضال الدبس المشارك الرابع في الندوة أن يسد الفراغ وأن يحمل عبء الندوة لوحده حيث تحدث عن فيلمه «تحت السقف» نموذجاً للذاكرة والمكان لكن الجمهور في كل سؤال كان يشده للحديث عن أزمة السينما السورية وقلة الإنتاج رغم سمعتها الطيبة في العالم ومشكلة التواصل مع المتلقي.
تخبط
أما المفكر اللبناني جورج قرم في محاضرته «تحديات الحداثة العربية» فلقد وضع الإصبع على الجرح لما يعانيه الوجدان العربي من تمزقات أمام ظاهرة الحداثة، والتي تثير شعوراً ملتبساً واضطراباً نفسياً، كما أثارت الجدلية والإشكالية في التخبط بين الأصالة والحداثة بينما شعوب أخرى تجاوزت الموضوع منذ زمن بعيد، وهذا أوصلنا إلى حائط مسدود وهو المسؤول إلى حد بعيد عن ظهور حركات عنيفة عبثية الطابع تكفيرية في معظم الأحيان.
الرواية بين الذاكرة والمكان
وكذلك كان للرواية حيز مهم في المهرجان حيث خصصت لهذا الجانب ندوتان الأولى تحت عنوان «المكان والبنية الروائية» شارك فيها الروائي حيدر حيدر، والروائي خيري الذهبي بينما حال المرض دون مشاركة الروائي عبده خال من السعودية واعتذر قبل سبع ساعات من موعد إقلاع الطائرة نتيجة الوعكة الصحية التي ألمت به، وأدارت الندوة جمانة طه وأشار خلالها حيدر بأن المكان هو المسرح الروائي للشخصيات وهو غير محايد وغير منفصل عن مجرى العمل الروائي، فالعديد من الأعمال الروائية تحول المكان إلى جزء عضوي من العمل الفني فالمدينة أو القرية أو الحي والطبيعة تتناسج وتلتحم مع الشخصيات وكأنها واحدة من شخصيات العمل، بينما يرى الذهبي أن المكان ليس ديكوراً ولا زخرفة نضيفها إلى النص الأدبي بل هو فاعل أساسي في الرواية نفسها وهو يحرك شخصياتها ويأخذ ردود أفعالها، أما الندوة الثانية فكانت تحت عنوان «الذاكرة الشخصية في الرواية العربية الجديدة» كذلك اعتذرت علوية صبح من لبنان عن المشاركة بسبب المرض الطارئ في حين شاركت فيها كل من الروائية الشابة لينا هويان الحسن والروائية الشابة روزا ياسين الحسن وأدار الندوة د. حسان عباس، حيث ذكرت فيها روزا بأن الكتابة هي فن الذاكرة الصنعية، وأعتقد أني أصنع ذاكرة طفولتي القديمة بكتابتها، وأصنع الأشخاص بذاكرتي بكتابتهم، وأخلق المكان كما هو في ذاكرتي بكتابته، وأضافت بأن: الكتابة التوثيقية كانت تشكل لي تحدياً وصل إلى حد المأزق، أي استحضار الذاكرة بكل تفاصيلها وتعريتها وكشفها، ثم قتل ذلك العبء الذي يحمله السر المسكوت عنه، ولم تستطع لينا من الخروج من ذاكرة المكان في ديرة الشمبل حيث كان يعيش أهلها، وعندما تكتب تعود إلى ذاكرة الطفولة وفضولها العتيق حيث كانت تعيش حياة من طراز خاص، كان أقرباؤها يعززون ذاكرتها الشخصية بشتى القصص والسوالف، وتضيف بأنه في الذاكرة لا يمكن عزل الزمن عن المكان فكل كتاباتي ملتحمة بالمكان.
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/l----------...
غناء وطرب
وكان كل مساء من أيام المهرجان يختتم بأمسية موسيقية غنائية على المدرج الأثري وكان الحضور الجماهيري يعكس مدى حب وتعطش هذا الجمهور إلى سماع الطرب الأصيل، والذي كذب الاتهامات بأن الجمهور لم يعد يحب الحضور وكأن لسان حالهم يقول قدم لي عملاً جيداً يحترمني وستراني منتظراً على الباب فكان هناك أمسية غنائية لفرقة «كلنا سوا» وأمسية للفنان خالد الهبر قدم خلالها ألبوماً من الأغنية السياسية، وأمسية للفنان ابراهيم كيفو فاح منها عبق التراث حيث غنى وأمتع بما قدمه من أغان من تراث الجزيرة وبلغات عربية آرامية آشورية وكردية وشركسية، أما المفاجأة ومسك الختام فكانت أمسية ميادة بسيليس وفرقتها الموسيقية بقيادة سمير كويفاتي والتي سجلت أعلى نسبة جمهور خلال المهرجان والمهرجانات السابقة حيث غص المدرج بالآلاف من عشاق الفنانة ميادة والتي غنت مجموعة من الأغاني البسيطة والقريبة من قلوب الناس والتي تحكي بلسانهم وتعبر عن مشكلاتهم مثل «عادي» و «يا غالي» و«خليني على قدي» وغيرها والتي خلقت جواً تفاعلياً فريداً مع الجمهور.
مفارقة
أما المفارقة والغرابة في هذا المهرجان كانت في العرض المسرحي «الشريط الأخير» حيث اشترط المخرج الدكتور أسامة غنم وقبل أيام قليلة من موعد العرض أن يقتصر عدد مشاهدي المسرحية على 90 شخصاً كحد أقصى، وكان هذا الموقف أشبه بمبدأ «إذا ما بدك تزوج بنتك غلي مهرها» لذلك ولأن المهر كبير رفضت إدارة المهرجان واعتذرت عن تقديم المسرحية وأنقذت الموقف بمسرحية «الممثل» للمخرج لؤي شانا وتمثيل سهيل حداد وعبد الناصر مرقبي ومجد أحمد، ويحكي المعاناة التي يعيشها الممثل أو أي انسان صاحب مشروع جدي في هذه الحياة، وكانت هذه المسرحية عرضت في قاعة قصر المؤتمرات للأمم المتحدة في جينيف.
حوار مع بشارة
وفي لقاء حواري مع الدكتور عزمي بشارة أدار دفة قيادته الأديب الكاتب حسن.م.يوسف تحدث فيه بشارة عن العلمانية والتدين والذي فتح آفاقاً عريضة للحوار مع الحضور.
كما قدم المهرجان أمسيتين شعريتين لكل من الشعراء روز ماري أسبينوزا من المكسيك، ابراهيم المصري (مصر)، توفيق أحمد، حسين بن حمزة، جمانة مصطفى (الأردن)، دمر حبيب، فؤاد آل عواد، لينا شدود، إضافة لندوة حول تاريخية آثارية بعنوان «العلاقات الحضارية بين الساحل السوري وممالك شرق المتوسط» شارك فيها كل من د. بسام جاموس، د. ميشيل مقدسي، د.خزامى بهلول، م. ملاتيوس جغنون، م. ابراهيم خير بك.
وأخيراً
وفي الختام نلاحظ أن مهرجان جبلة الثقافي بدورته السادسة استطاع أن يقدم جرعة ثقافية غنية ومتنوعة رغم غياب العديد من المشاركين، وأن يعكر صفو السكون والرتابة والجمود في مدينة جبلة بجو من الفرح والبهجة والحيوية، وأن يعيد الألق والحياة لمدرجها الأثري، وخرج الكثيرون من المهرجان يتساءلون يا ترى ماذا سيحمل لنا المهرجان القادم..؟ هذا السؤال الذي يؤرق إدارة المهرجان من لحظة انتهائه في كل دورة
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/l----------...