آخر الأخبار

جندي أميركي عائد يروي المأساة في العراق

بجواره يقف ملازم يرتجف من البرد وهو يرفع المظلة عاليا بكلتا يديه ليغطي الجنرال من المطر المتساقط وكلاهما لا يعلقان على ملابسهما إشارة حربية, دلفت الى الصف من دون أن أحيي الجنرال أو أصافحه ويبدو أن هذا التصرف قد أصابه بنوع من الاستياء وعدم الرضا,

لقد كنت في هذا المطار قبل سنة من الآن لكن في تلك المرة كان هناك احتفال ولافتات وأعلام, إضافة إلى حشود من أهالي الجنود المغادرين, وهم يلوحون بأيديهم الى الطائرة المغادرة, في هذه المرة أعتقد أن الطقس البارد الممطر أجبرهم على البقاء في بيوتهم لقد انتهت الحرب وها نحن في وطننا مرة أخرى غادرت الى العراق في 12 فبراير 2003, أي قبل بداية الحرب ويتكون حرس فلوريدا الوطني الذي أعمل فيه بصفتي عسكريا متخصصا بشكل أساسي من قدامى جنود المشاة ذوي الخدمة الجيدة, أما البقية فهي كما نسميها «رجال الحراسات», طلبة جامعيون, أصحاب الحرف والمهن الصغيرة, ضباط شرطة,, مقاولون صباغون أو عاطلون عن العمل وهم عادة ما يلتحقون بالجيش لقضاء يوم عطلة واحد كل شهر, أي حوالي أسبوعين في السنة ويتقاضون أجورا كبيرة نظير ذلك, بدأت الامور تسير بشكل طبيعي ولم تكن هنالك أي شكاوى حتى انقضى شهر مارس وعبرنا الحدود الكويتية الى العراق, ومع مغادرة الوحدات القتالية المحترفة بدأ صبرنا في النفاد, وأصبنا بقدر كبير من الاحباط وبدأ أفراد مدفعيتنا من عهد فيتنام في تجهيز مدافعهم الرشاشة من عيار إم - 16 التي لم يلمسها أحد منذ عشرين عاما وعلي هذه الحال ومع انعدام الامدادات تعمق إحساسان بأنهم قد تخلوا عنا ونحن في عرين الاسد وعندما انتهت فترة خدمتنا بعد سنة ونحن على هذه الحال وتبدلت أزياؤنا الي أسمال بالية وكان الرجال الذين ترجلوا عن الطائرة في ذلك اليوم في هيترفيل, جورجيا لا يشبهون بأي حال من الأحوال أولئك الجنود الذين نراهم على شاشات التليفزيون يثيرون بأزيائهم العسكرية اللامعة الصدمة والرعب,, رغم أننا جنود عائدون الي الوطن ومنتصرون أو على الأقل يعترينا شعور بذلك في تلك الليلة التي أمضيناها في إحدى الثكنات العسكرية لم يغمض لي جفن حتى الصباح لأنني أصبحت مدمنا للمهدئات في بغداد في ذلك الظلام وأنا جالس على سريري المثبت الى الجدار أحسست بدرجه من الغثيان, هذا الشعور المرضي لم يغادرني رغم أنني بعيد عن تلك الديار,

بعد اسبوع من ذلك طلب مني أن ألقي كلمة وكان ذلك بعد انتهاء مناسبة الوداع بالأيدي وبعض التربيتات على الظهور عدنا مدنيين مرة أخرى بعد عدة شهور سمعت أنهم سيقيمون لنا عرضا عسكريا بمناسبة عودتنا لكنه لن ينقل على التليفزيون وكنت حينها ثملا فلم أذهب اليه, لقد تمكن بعض رفاق من تحقيق انتقال سلس أما أنا فقد حماني أحد الاصدقاء من محنة التشرد وجاد علي بسكنة في داره, لقد كان حالي كمن كان في حفلة راقصة ثم ذهب الى الحمام لمدة 15 شهرا ثم عاد ليحاول الاشتراك في السمر والمرح مرة أخرى, لقد تبدل كل الناس وكل الاشياء ولم يخاطبني أحد أو حتى يسألني مجرد السؤال, لقد وجدت العزاء في انتقاص الذات والشرب حتى الثمالة, و الوقوف عاريا في الحفلات واندهشت على ردة فعل الناس على مثل هذا التصرف لقد بلغ تسلسل الأحداث قمته عندما كنت أستيقظ من النوم وأحس بأنني مستلق علي أرضية حمام قذرة وملطخة داخل شقة أكثر اتساخاو لا تستغرب فأنا أحسن حالا من غيري,أحد رفاقي أدخلته الشرطة الي إحدى المصحات العقلية لأن حالته تفاقمت وأصبحت تشكل خطرا كبيرا على حياته, آخر أفاق في المستشفى بلا ذاكرة بسبب الضرب الذي تعرض له من الشرطة ليس لأنه أصبح يشكل خطرا على نفسه بل لأنه أصبح يشكل خطرا على كل إنسان, أحد الشباب أصيب بالتهاب في الرأس جعله يستيقظ كل صباح معتقدا أنه في العراق, إن قصص الحرب تبدأ عندما تحط الحرب أوزارها أو عندما يعود الجندي الى وطنه ويستقبله الناس بالابتسامات والتهاني ويتمنون في سرهم ألا يصبح عبئا علي المجتمع الذي قام هو بهذه الأعمال القذرة لأجله0,, تلك الأعمال التي يترفعون عن القيام بها,

وأنا مستلق علي أرضية الحمام القذرة اكتشفت شيئا واحدا: إن مشكلتي تتمثل في أنني كنت أحمل تعريفا خاطئا للوطن,, طوال حياتي تعلمت أنه «حيث يوجد القلب», أما الآن فإن الأمور تبدو أكثر وضوحا وسهولة «إنه مجرد مكان تستلم فيه بريدك»,