لا يخفى أن ظاهرة غسيل الأموال والجرائم المالية قد تنامت في ظل العولمة ونمو فعالية أسواق المال الدولية، كما أدى التطور الالكتروني للعمليات المصرفية إلى تسهيل نقل الأموال والأرباح الناجمة عن عمليات الجريمة المنظمة وجعل هذه الأموال وكأنها ناجمة عن مصدر مشروع، وأصبحت حركة هذه الأموال تؤثر في الموارد المحلية والدولية وتهدد الاستقرار الاقتصادي وخاصة في البلدان الصغيرة ومنها موريتانيا وبقية الدول العربية وقد احتلت هذه الطاهرة أهمية كبرى على الساحة الاقتصادية العالمية خلال الفترة الأخيرة ، إدراكاً من المجتمع الدولي لآثارها السلبية المدمرة على الاستقرار الاقتصادي بشكل عام ، وعلى المناخ الاستثماري بشكل خاص ، وذلك على الصعيدين الدولي والمحلي.
و يمكن تعريف جريمة غسيل أو تبييض الأموال: بأنها مجموعة العمليات التي يتم من خلالها تحويل الأموال المتأتية عن أعمال محظورة إلى أموال شرعية . ومن الأمثلة على الأعمال والأنشطة المحظورة أو غير المشروعة : تجارة المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض واللصوصية والسطو والتزوير والتعامل بالبضائع المسروقة والابتزاز والاحتيال والتهرب من الضرائب. المراحل التي تمر بها عملية غسيل الأموال ثلاث هي : الأولى تتمثل بنقل الأموال من المصدر الذي يربطها بالجريمة، الثانية تتعلق بإخفاء المعالم التي يمكن من خلالها اقتفاء أثر مصدر الأموال. الثالثة تمكن مرتكبي الجريمة من استخدام الأموال بعدما أصبحت مغسولة أي أموالاً شرعية. وتأخذ عمليات غسيل الأموال وسائل مختلفة من أهمها الأتي:
1- التحويل والإيداع عن طريق البنوك: حيث يتم إيداع الأموال المشبوهة الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في بنوك إحدى الدول التي تسمح بذلك ومن ثم تحويلها إلى الوطن الأصلي للمودعين، وبذلك يكون البنك قد قام بغسيل تلك الأموال الناتجة عن عمل غير مشروع وجعلها تبدو كأي أموال مشروعة. 2- الصفقات النقدية: حيث يتم استخدامها من قبل غاسلي الأموال وذلك عن طريق تحويل العملة المحلية الضعيفة المتجمعة من الأعمال غير المشروعة إلى ذهب أو مجوهرات أو غيرها من الأصول التي يمكن بيعها في الخارج مقابل العملات الأجنبية وإيداعها في البلد الأجنبي حيث تكون تمت عملية غسيل الأموال. 3- إعادة الإقراض: حيث يقوم غاسلو الأموال بإيداع أموالهم في أي بلد خارجي تتوافر فيه العديد من المزايا منها عدم وجود ضرائب عالية على الدخل والاستقرار السياسي والنقدي، وتوافر وسائل الاتصال الحديثة، ثم بعد ذلك يتم طلب قرض من احد البنوك في بلد آخر بضمان تلك الأموال المودعة في بنك البلد الأجنبي مما يمكنهم من الحصول على أموال نظيفة في مظهرها تستخدم في شراء ممتلكات أو عقد صفقات تجارية أو ما يشابهها من النشاطات. 4- الفواتير المزورة: وتتم من خلال عمليات الاستيراد والتصدير، فصاحب الأموال غير النظيفة يقوم بإنشاء أو شراء عمل تجاري (إنشاء مشروع) في البلد الذي تجلب منه الأموال، ويقوم بعمل مماثل في البلد الذي تودع الأموال فيه، وتتمثل عملية الغسيل في هذه الحالة في شراء أو بيع السلع عن طريق عمليات صورية، حيث يشتري الغاسل للأموال سلعا من الشركة التي يراد تحويل الأموال إليها وذلك بإحدى الصور الآتية:ـ أ. رفع قيمة السلع أو الخدمات الواردة في الفاتورة ويكون الفرق هو المال المغسول. ب. إرسال فواتير مزورة فيكون المال الإجمالي المدفوع هو المال المغسول. 5- الانترنت: حيث تلعب شبكات الكومبيوتر دورا بارزا خلال السنوات الأخيرة في تسهيل عمليات غسيل الأموال وذلك من خلال الانترنيت الذي يعتبر احدث طرق غسيل الأموال المشبوهة، خاصة انه أسهل استخداما وأيسر في التعامل مع البنوك بضغطة زر تفتح لك آفاق الدخول في حسابات وأنشطة مالية ومصرفية مع أي جهة أو مؤسسة تشاء من خلال تعاملات ذات صلة بالاستثمار. الأساليب التقليدية في جريمة غسيل الأموال :
1- تهريب وتبادل العملات : وتتم هذه العملية من خلال إيداع هذه النقود في حساب جار في أحد المصارف أو المؤسسات المصرفية التي تزاول مثل هذه الأعمال ليتم من بعد نقلها بحرية إلى حيث لا تطالها العدالة . 2- الجنات المالية أو الملاذات الضريبية . 3- استخدام الشركات الوهمية . 4- الصفقات الوهمية . 5- دور السمسرة . 6- دور القمار والكازينوهات . 7- شراء الأصول المادية والوسائل النقدية . الأساليب التكنولوجية المتقدمة في جريمة غسيل الأموال 1- أجهزة الصراف الآلي . 2- الخدمات المصرفية الإلكترونية . 3- بنوك الإنترنت . 4- النقود الالكترونية والتشفيرية . 5- الاتصالات الالكترونية . 6- البطاقات الذكية . دور البنوك في عمليات تبييض الأموال ( غسيل الأموال ) : 1- المؤشرات الدالة على قيام العميل بتبييض الأموال : هناك مؤشرات كثيرة تدل على قيام العميل بعملية تبيض الأموال نذكر منها مايلي: o وجود زيادة واضحة في الإيداعات النقدية في الحسابات الفردية . o طغيان التعامل المالي النقدي مع البنك من قبل شركة أو شخص سواء بالسحب أو الإيداع بدلا من أشكال التعاملات المصرفية الأخرى . o رفض العميل تقديم معلومات تخوله عادة الحصول على خدمات وتسهيلات مصرفية والتي يعتبرها العميل العادي ميزة إضافية . o العملاء الذين يكتشف في أرصدتهم أوراق نقدية مزيفة بمعدلات واضحة . o تورط بعض العاملين في المصرف في تسهيل عمليات تبييض ( غسيل ) الأموال ويتبين ذلك من خلال التغييرات الملحوظة والمفاجئة في المستوى المعيشي وظهوره بمظهر لا يتناسب مع حالته المادية . o رفض إتمام عملية الإيداع النقدية التي تصل إلى الحد المقرر في القانون من قبل المودع إذا علم أنه يجب التحقق من هويته . o العملاء الذين يتفادون الاتصال المباشر مع البنك ويستخدمون أجهزة الصراف الآلي لغايات إجراء الإيداعات أو السحوبات المالية الضخمة . 2- السياسات التي تتخذها البنوك محاولة لتفادي الوقوع في شرك عمليات تبيض الأموال : o اعرف عميلك o ضمان وجود آثار للعمليات حيث توجب هذه السياسة على البنك الاحتفاظ بنسخة من مستند إثبات الشخصية الذي قدمه العميل والاحتفاظ بقيود وسجلات خاصة حول العمليات المصرفية المشتبه بها لتمكين الجهات الرقابية وفي حالة تبين وجود عمليات غسيل للأموال من إعادة بناء العمليات المصرفية التي قام بها الغاسل وتتبع المبالغ المغسولة حيثما ذهبت . o الاجتهاد واجب حيث يتوجب على القائمين على المؤسسات المصرفية توخي الحذر في التعاملات التي تتم مع الأشخاص والشركات والبنوك في البلدان التي لا تطبق نظما ومعايير خاصة متعلقة بمكافحة عمليات التبييض أو التي لا تكون هذه الإجراءات فيها غير ناجعة بما فيه الكفاية . وجوهر هذا المبدأ أنه لا يجوز للبنوك أن تغمض عيونها عن أي عملية منها أو إليها مشكوك فيها أو مشتبه فيها . o التقيد بالقوانين والتشريعات o التعاون الفعال بين البنوك والأجهزة الأمنية o إجراءات مناسبة للرقابة الداخلية . o البرامج التدريبية . التوصيات : إنه ومع تصاعد وتيرة هذه الجريمة في الآونة الأخيرة فإنه يتعين وضع القواعد والتشريعات الضرورية اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة ومنها على سبيل المثال :
1- إصدار قانون خاص بمكافحة عمليات غسيل الأموال المشبوهة بحيث يشتمل على مواد قانونية تعتبر المساعدة على غسيل الأموال جريمة يعاقب عليها القانون بالإضافة إلى تجريم القيام بغسيل الأموال بشكل عيني أو مصرفي. 2- في ظل نمو أسواق المال والعولمة الاقتصادية بات من السهل انتقال الأموال من دولة إلى أخرى وعليه فإنه يترتب على البنوك التعامل بشكل تام مع سلطات تنفيذ القانون لاكتشاف التدفقات غير المشروعة. 3- متابعة سلوكية العمليات البنكية المثيرة للشك لاتخاذ قرار بشأنها. 4- إعداد برنامج تدريبي متكامل للبنوك في هذا الشأن يتضمن احدث برامج التدريب المطبقة في المؤسسات المالية ذات الصبغة العالمية. 5- تطبيق إجراءات مجابهة غسيل الأموال على منتجات البنوك من عمليات الإقراض ونحوها وذلك من خلال التحري والحصول على البيانات اللازمة عن العميل طالب الإقراض والنقود بضمان ودائعه. 6- إلزام البنوك بان توافي البنك المركزي بالتقارير الخاصة بالعمليات أو العملاء الذين أثيرت حولهم شكوك ومبررات تلك الشكوك. 7- تطوير وتحديث القواعد المتعلقة بسرية العمل المصرفي وصولا إلى التوافق بينها وبين محاولات مكافحة نشاطات غسيل الأموال . 8- مراقبة التحويلات النقدية التي ترد أو تتم من وإلى الدول المعروفة دوليا أنها ملاذ آمن لغسيل الأموال وهي 31دولة حسب قائمة وضعتها (ftaf ) ومن هذه الدول جزر كايمان وجزر الفوكلاند التابعة لبريطانيا وموناكو وسويسرا وهولندا وجزر جرينادا وسنغافورة ومصر ولبنان. 9- اللجوء لاستخدام شبكة الإنترنت العالمية لتحقيق أواصر التنسيق وتوفير المعلومات عن المشبوهين أو المدانين بالقيام بثل هذه النشاطات على الصعيد العالمي . 10- وتوطيد عرى التعاون الدولي في مجال مكافحة غسيل الأموال لتضييق على غاسلي الأموال أو الهاربين بالأموال الناجمة عن ارتكابهم الجرائم . ونؤكد في الختام أن غسيل الأموال ، نشاط إجرامي تعاوني ، تتلاقى فيه الجهود الشريرة لخبراء المال والمصارف ، وخبراء التقنية - في حالات غسيل الأموال بالطرق الالكترونية - وجهود اقتصاديي الاستثمار المالي ، إلى جانب جهود غير الخبراء من المجرمين ، ولهذا تطلبت مثل هذه الجرائم دراية ومعرفة لمرتكبيها ولهذا تطلبت عملا وتعاونا يتجاوز الحدود الجغرافية ، مما جعلها جريمة منظمة تقترفها منظمات جرمية متخصصة ، وجريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن المسلم به أنه ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية أنشطة المكافحة.