فوق أحد تلال وادي البقاع اللبناني وقف أربعة نسور إلى جوار طائراتهم الشراعية، فلسطينيان (لا يزال أسميهما مجهولا)،تونسي يدعى "ميلود نجاح" ، و سوري من حلب أسمه "خالد محمد أكر". كلهم كانوا يدركون أنها رحلة بلا عودة، كلهم أدركوا أنه عندما تحط طائراتهم في نقطة الوصول فما من وسيلة ستجعلها تقلع مرة أخرى. في الساعة الثامنة و النصف مساء أدى الطيارون التحية العسكرية لقادتهم في (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة) قبل أن يحلقوا مقلعين بطائراتهم الخفيفة. نتيجة صعوبات ميكانيكية فإن طائرتين اضطرتا للهبوط داخل الحدود اللبنانية ، بينما تحطمت طائرة التونسي "ميلود" في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها قوات "جيش لبنان الجنوبي" العميلة. أما خالد فقد استطاع السيطرة على طائرته و حافظ على تحليقه فوق منطقة الأحراش ليتفادى الرادارات الإسرائيليةو نقاط مراقباتهم. و نتيجة حجم الطائرة الصغير و التحليق الصامت و براعة الطيار، استطاع "خالد" أن يصل إلى منطقة الهدف: "معسكر غيبور" قرب "بيت هيلال". هبط بطائرة شراعية في معسكر غيبور ..أو معسكر الأبطال باللغة العبرية والذي كان مقرا قياديا للواء غولاني أفضل نشكيلات الجيش الصهيوني) وقتل وجرح عشرات الجنود... رجل واحد أمام معسكر من الجنود ..راح يصول ويجول بينهم كالشبح، يقتل هذا ويجرح ذاك ...يحرق تلك الخيمة بمن فيها ويعطب تلك الآلية، بينما غابة الجنود في ذهول تام بعدما شلتهم المفاجأة الصاعقة، ولم يستفيقوا إلا بعد 15 دقيقة بعد أن لقنهم الشهيد البطل دروسا في الرجولة والشجاعة والجرأة.
كان ذلك في الساعة 9.30 من ليلة الأربعاء - الخميس (25-26 تشرين الثاني / نوفمبر 1987)...في منطقة الجليل... وصفت صحيفة (روبابيلكا) الايطالية الشهيد أكر ب"رامبو الفلسطيني". ورأت صحيفة انترناشيونال هيرالدتريبيون ان الفارق بين اسطورة رامبو الاميركي والواقع الفلسطيني، أن:" رامبو الذي هو بدعة من إنتاج المخيلة السينمائية الأمريكية المصابة بوهم التفوق على شعوب العالم و إرادته ... و " الفلسطيني " القادم على ظهر شراع لانتزاع حقه التاريخي على تراب وطنه ... رغم تلك المسافة الفارقة بين الموقفين ، فإن الوصف يترك انطباعاً واضحاً على المدى البعيد الذي وصلت إليه العملية في تأثيراتها على مختلف الأصعدة". صحيفة "الاوبزرفر" رأت في العملية أنها المفجر للانتفاضة الاولى في 8.12.1987. والجدير بالذكر أن شاحنة اسرائيلية اجتاحت جماهير من غزة كانت عائدة من احدى منسبات التشييع وقتلت عدد من الفلسطينيين الامر الذي الهب الشاعر الفلسطيني واطلق الانتفاضة الاولى. ايهودا باراك قال:"إن الفدائي الفلسطيني ،الذي شن هذا الهجوم بالقرب من كريات شمونة ، سبق رصده حين كان ينطلق بطائرته الشراعية عند طرف ما تسميها إسرائيل "المنطقة الأمنية " في جنوب لبنان ، و ذلك قبل حوالي نصف ساعة من وصوله لهدفه ،كما أنه جرى تحديد هويته عدة مرات في المرحلة الأولى من طيرانه وجرى إرسال تحذيرات مبكرة للمستوطنات ولمعسكرات الجيش في سائر المنطقة و قال باراك أنه حين وقع الهجوم " جاءت النتيجة على غير ما كان متوقعاً من مجموعة من الجنود " .
اما اسحق شامير فانه اعتبر أن:"هذا الهجوم من أكثر الهجمات التي شنت على إسرائيل تطوراً منذ سنين ، كما أنه أكثرها جرأة و دموية. عندما انتهت المعركة..نقل جنود العدو جثة الشهيد خالد أكر إلى المستوصف الصحي في مستعمرة كريات شمونة ووضعوها خارج المستوصف قرب الباب وعندما وصل قائد غولاني ...ذهب إلى المستوصف فمر بجثمان الشهيد خالد ملفوفا ببطانية فأدى القائد الصهيوني التحية العسكرية أمام الجثمان، فهمس قائد المعسكر في أذنه: هذه جثة المخرب قائد الهجوم. فقال: إنه يستحق التحية.. صحيفة "الهيرالد تريبيون الأمريكية" علقت : (إذا قدر للفلسطينيين أن يفوزوا بدولة لهم فإن أول تمثال يستحقُّ أن يقيموه في الميدان الرئيسي لهذهِ الدولة هو تمثال الطائر الشراعي خالد أكر الذي عبر الحدود إلى "إسرائيل").
من رسالة الشهيد خالد أكر للرئيس السوري:أنا من مواطنيكم في سوريا , أثرت أن أذكركم وأنا في الطريق نحو فلسطين , لأنك قلت أن فلسطين هي الجزء الجنوبي من سوريا وقلت : لا إذعان أمام العدو . ,وأنا ماض في طريقي هذا , لا أحمل في ذاكرتي إلا كل ما هو رائع وعظيم عن شعبنا العربي , في دمشق والقدس في بغداد والجزيرة في لبنان والسواحل , في الأوراس والقمم . وأنا ماض في طريقي هذا , تغمرني ثقة لا تحد بأن تحرير الأرض وتحقيق الغلبة على العدو أمران لا بد آتيان, ولقد تعلمت ذلك من صمود قاسيون , من صمود قباب الكنائس ومآذن الله أكبر في القدس , من صمود يوسف العظمة وصالح العلي وعبد القادر الحسيني وعز الدين القسام .. اسمح لي أن أقول : أن شعبناوهو القادر على إعطاء الشهيد تلو الآخر , لابد وأن ينتصر بإذن الله . و هي ثورة حتى تحرير الأرض والإنسان .