. أقول لا...وإن كان الجسد حاملها ..فنحن نلاحظ في بداية الرواية المسامحة وعتابا ،يتطوران ليغدوان هجوما على أكثر من محور .ولابد أن أذكر مقولة أستعيرها من الفكر الفلسفي الثوري وهي ( عندما تصدأ الأطر السياسية التي تتصدى لقيادة الجماهير ،يصبح رصد أفاق الجماهير ضربا من العمل الفردي ).
هذا ما اطلعنا عليه من خلال رواية الكاتبة الجزائرية ( أحلام ) في روايتها الأولى ( ذاكرة الجسد )تلك الرواية التي قيل أنها دوخت نزار.
1 - ثورة الجزائر أم مليون شهيد ليست جسدا تحمله أسفارنا...إنها فعلا قائما على تأسيس وعطاء،و لكنه أيضا فعل ثم استغلاله وتحويله من واهب كريم إلى آكل جشع ،/فالمناضل والشهيد ،افعالهما تمضي في بنائية الماضي ...وإن كان الثمن الشهادة والغيبة عن الواقع فإن الثمن الأكبر هو ما بعد الشهادة وما بعد النضال...هذه ابنة السي طاهر تصرخ ( ما حاجتي بكل هذا ) تعبر عن اغتيال طفولتها بسبب فقدان الأب.كانت تريد أن تعرف المزيد عن أبيها ،حين كل الناس تنكروا باستثناء جدتها العجوز ،وحدها كانت تتحدث عن أبيها ،ولكن حديثها كان ساذجا .
أرادت الكاتبة أن تشير إلى أن مثل هذه الحالة تتضخم في ثورات حركة التحرر الوطني التي تقودها برجوازياتها .
وإذا كان النضال الوطني لا يقتصر على طبقة بحد ذاتها...بدافع أن الوطن ملكا لجميع أبنائه ...ولكننا نجد أن عم الفتاة والذي كان رفيق الأب ،يتحول بعد الاستقلال إلى منتفع تأتيه الأموال من كل حدب وصوب ،إذن فالثورة الوطنية تقودها برجوازيتها تختلف عن الثورة الوطنية التي تقودها الطبقات الشعبية ،وإذا كان ثمة من يدافع عن الدين في الثورة الوطنية فالكاتبة أخبرتنا أن الدين لم يكن هو المشكلة بل الطبقة التي تقف وراءه أيضا .فسرعان ما بدأ كل يعمل من أجل الثراء يغطي كل ذلك بالايدلوجية الدينية المزعومة.وإذ نفاجأ ببطل الرواية أنه لم يكن البطل الفرويدي ) كما أشار فرويد ( البطل رمز للأب الذي يدافع عن أولاده ،وهي إشارة للضعف البشري ،ولم يكن مقداما أو متفائلا أو مازوشيا أو ساديا ولا هو متقاطعا مع فرويد ومختلفا عنه ،ولم يكن البطل الذي أراده نيتشه الذي يبغي التفوق .ولكنه البطل الذي أراده لشعبه أن يتحرر من الاستعمار الفرنسي .وهذا هو البطل الماركسي ،فالماركسية لا تربط حركة التاريخ بالأبطال حسب تعبير بليخانوف بل تترك رصيفا يتسع أو يضيق حسب العملية التاريخية .
فالبطل خالد كان يحمل وجهان في الرواية ...الوجه الأول الانتماء الماركسي ،حين كان في المعترك وقبيل ذلك ...ولكنه حين ميزه الكم الفارغ تحول إلى بطل وجودي فقد بدأ التأزم عنده منذ قال له الطبيب السوفيتي الذي تتطوع لمعالجة الجرحى في الثورة الجزائرية ...يمكن أن نرسم...لا يهم الموضوع...المهم أن نفعل شيئا.هذا القول يفيدنا بأنه قول الخلاص ( لا يهم من يحكم بعد الثورة المهم هو الخلاص من الاستعمار الفرنسي.
هذه الإشارة التي أرادت أن تصنع منها الكاتبة رواية وهي أزمة الجسد..
هذا بالنسبة للفرد...كما في الأيديولوجيا الوجودية،لكنها في العام هي جسد الجزائر ...
هذا الربط بين العام والخاص الإشارة إلى أن اليسارية شلت تماما قبيل الاستقلال.أي ثمة مؤامرة وقعت داخل الثورة للانفراد بالسلطة،و تشكيل طبقة جديدة كان على رأسها عمها الشيخ .
فما أن تم إخبار السي طاهر بولادة طفلة له في البلد العربي المجاور تونس حتى بترت ذراع خالد.حدث ذلك قبيل نجاح الثورة على الأبواب الاستقلال...وهي إشارة إلى شل اليسارية في الثورة الجزائرية .
كلف خالد من قبل قائد السي طاهر وهو محمولا على حمالة الجريح أن يسجل طفلته في دار البلدية ( النفوس )،واعتبر خالد نفسه أنه مازال في المعترك ،وأن المهمة نضالية مثلها كأية مهمة على الجبهة .
حين وصوله أخذ أسواره أمه ليقدمها هدية كما هي العادة في الولادات في كل أنحاء الوطن العربي .
هذه الهدية لم تكن عادية ،...إنها
أسواره أمه المصنوعة على يد صاغه جزائريين ومعدن الذهب الجزائري وهو إشارة إلى (المانيفاكتوريه )الجزائرية التي كانت سائدة قبيل الاستعمار .و(المانيفاكتورية )هي الحركة الأولى لتطور أية صناعة في العالم ...أي أن فرنسا صادرت التطور الصناعي الجزائري .
في هذا التطابق وتلك الإشارات ينفصل البطل خالد الماركسي ( اليسار المشلول ) وينتهي خالد كبطل من أجل الشعب ليتحول إلى بطل فردي لإثبات وجوده ،وهذه الإشارة إلى انقسام البطل في الثورة الوطنية .
هذه كانت طريقة الكاتبة أحلام لإبراز الأيدلوجية وتأثيرها في الثورة .
بعد عشرين عاما ..يتحول البطل إلى رسام ...يفتح معرضا في باريس ...تزور معرضه فتاة في معصمها سوارة ذهب من صنع جزائري .فكأن الكم الفارغ و الأسوار كافيان لنبش الآلام ،ووضعها جميعها أمام ثورة أخرى هي ثورة الجسد النائم بسبب التشوه الذي أحدثه فقدان الأب بالنسبة للفتاة .فأين التعويض ؟..
اندفع خالد نحو صديقتها قالت :( أرى فيك ملامح زوربا )
واندفعت الفتاة لتتزوج من رجل غير خالد في التباس يهدم المقدس عند الإنسان العربي .
هذه الثورة الجزائرية التي شابهت الفتاة التي تعيش على السندويش ،وهي إشارة إلى نقص في عاطفتها ...فالثورة الجزائرية كانت ناقصة ،وقد تنكرت لكل شيء وتحولت بسبب الطفيلية إلى آكلة أبنائها .
وهذا ما هو رائع في ذاكرة الجسد ،وليس كما جاء في بعض الدراسات التي توجهت إلى الشكل وليس إلى المضمون .فقد وجدنا الثورة الجزائرية ،وما آلت إليه في نهاية القرن العشرين .
*قاص وروائي سوري.