عمر السعدي(فلسفة سنة رابعة)أنا أعمل مبرمج وامتلك خبرة خمس سنوات ومستعد أن أترك عملي الذي يؤمن لي مدخول شهري قدره 25000 ليرة سورية مقابل أن أضمن مستقبلي وحقوقي في عمل حكومي يمنحني 5000 ليرة، فالقطاع الخاص لا أمان له في لحظة يقول لك استغنينا عن خدماتك
يضحك زميله أحمد كيلاني مخاطبا عمر: وماذا ستمنحك الحكومة ألا تعلم أن الفلسفة قسم اللذين لا عمل لهم لا بل طلاب العلوم الإنسانية إجمالا أكثر الخريجين الجامعين الذي يعانون من عدم وجود فرص عمل لهم حتى أن هناك طلاب من قسم الفلسفة يعملون كموزعين لدى الصحف الإعلانية،والفرصة الوحيدة لنا للعمل هي كأستاذ علما أن ثقافة طالب الفلسفة أكبر من ثقافة أي طالب آخر
معاناة الطالبة سناء قسوم(سنة رابعة،تربية وعلم نفس)مع واقعها تجعلها تسعى: اليوم إلى تأمين فرصة عمل قد تبدو بالنسبة لي على الأقل حلم المستقبل لأضمن وجودي واستمر على صعيد دراستي وحياتي الاجتماعية فالفتاة في مجتمعنا أصبحت اليوم تعاني وبقوة من المجهول الذي ينتظرها لأن شبابنا على الأغلب بحاجة ليس إلى حبيبة وشريكة حياة وإنما لموظفة فقط لا غير، لكن سناء متفائلة لأن صديقتها قارئة فنجان ماهرة وهي التي قالت لها: أن نصيبها سيكون لشباب أمريكي
سامر يوسف تخرج من كلية العلوم الفيزيائية يقول: أليس غريبا أن نرى خريج الجامعة يعمل في وظائف لا تمت لما درسه طوال 16 سنة ودوائرنا الرسمية خير مثال على ذلك حاولت أن أكمل دراستي لكن الواقع لا يرحم فوالدي موظف تحمل أعباء دراستي أنا وإخوتي،لذلك أنا أعمل جديا كي أسافر وهناك عل الظروف الاقتصادية تسعفني وأكمل دراستي أو على الأقل تجعلني أضمن حياة كريمة أظن أن طموحي لن يتحقق في بلدي أكره السفر لكني مجبر
- نخاف العمل الحر:
تقول فريال خولي(سنة ثالثة أدب فرنسي) ساخرة من الواقع: يفائلوني كثيرا بأنه لن يوظف أحد على الإطلاق بعد سنتين وأن الوظيفة ستصبح حلم للخريجين تتابع فريال بحسرة: بشعة فكرة أن أكون طالبة جامعة ومعدلي مرتفع ولا خيار لي إلا أن أكون مدرسة قالت لها مجلة شباب اليوم:لماذا لا تتقدمين بقرض لدى هيئة مكافحة البطالة قالت: أنا حرة فيما أريد اختياره وعقلي ليس تجاري وتضيف ماذا سيقدم لي القرض هل أفتح معهد تعليم للغة الفرنسية،هذا صعب أنا أريد وظيفة مضمونة وراتب مثل العالم والناس
يقول السيد معتز ملكاش من المكتب الصحفي لهيئة مكافحة البطالة: فوجئنا أن النسبة الأكبر للمتقدمين بطلبات الحصول على القروض من الهيئة كانت من غير الحاصلين على شهادات جامعية أو دونها وهذا يدل على أن هذه الفئة تمللك روح المغامرة أكثر من سابقيهم سيما أنه لدينا شهادة حية لمشاريع ناجحة يديرونها كما أنهم يسددون ما يترتب عليهم للهيئة في المواعيد المحددة علما أن هذا الأمر كان مصدر خوف لنا وربما يعود الأمر إلى أنهم أصحاب مصالح حاولوا الاستقلال عن رب عملهم وسعوا كي يكون لهم مشروعهم الخاص ونجحوا في ذلك ويتابع السيد معتز بالرغم من أننا نضع الأولوية للخريجين الجامعيين في منح القروض لإقامة مشاريعهم الخاصة إلا أنه وحتى الآن لم يتوفر لدينا أي مشروع نوعي ناجح مع بعض الاستثناءات القليلة وربما كانت المشكلة كما يرى المكتب الصحفي بالضمانات التي تشترطها الهيئة فالخريج الجديد لا يملك ضمانات وهو ما يعيق حصوله على قروض الهيئة ولمعالجة هذه المشكلة اقترحت الهيئة أن تقوم النقابات بكفالة الخريجين
الجدد والآن الأمر متوقف عليهم وحتى الآن لم يجيبوا على هذا الاقتراح ويضيف السيد ملكاش حتى خريجي المعاهد المهنية والصناعية الذين من المفروض أن يكون لديهم جرأة أكثر في التعامل مع الحياة العملية لا يملكون تلك الجرأة وربما يعود السبب كما قال مدير التدريب المهني في وزارة التربية لأحد أعضاء المكتب عن الكيفية في أن اختيار الطالب لمهنته يتم حسب العلامات التي يحصلها الطالب خلال دراسته لا حسب حاجة السوق السورية
وإذا انتقلنا من الكلام النظري لهيئة مكافحة البطالة إلى لغة الأرقام نجد أن الهيئة منذ بداية تشكيلها وحتى 17/11/2004 لم تستطع تأمين إلا حوالي 15 ألف فرصة عمل في المشروعات الصغيرة التي يترواح قرضها من 100 ألف إلى 3 مليون ليرة سورية أي ما نسبته 3.64 % فقط من إجمالي الطلبات المقدمة للحصول على قروض والبالغ عددهم أكثر من 400 ألف متقدم وما نسبته 38.5% من أصل المشاريع التي وافقت الهيئة بالأساس على استلامها والبالغ أقل من 40 ألف طلب.
- الأرقام وتدني نوعية العمل:
سوريا كما يؤكد خبراء دوليون احتلت المرتبة السابعة لأقل ثماني دول من أصل ستين دولة في العالم من حيث حصة الفرد من الناتج القومي، لذلك فهي بحاجة إلى قفزة نوعية في اقتصادها تهدف إلى إيجاد ما بين 900 ألف ومليون ومائتي ألف فرصة عمل إضافة إلى 200 ألف فرصة عمل كل سنة جديدة وباعتبار أن كلفة إيجاد فرصة العمل الواحدة تبلغ 25000 ألف دولار فإن سورية بحاجة إلى استثمارات في حدود 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة أي 10 مليارات دولار سنويا لتحقيق التوازن
وحسب الوزير السابق والخبير الاقتصادي الدكتور مطانيوس حبيب فإن عدد العاطلين عن العمل يزيد على 3 ملايين شخص وهذا يشكل حوالي 54% من قوة العمل في سورية ونتيجة ذلك تزيد الخسائر على 11 مليار دولار سنوياً كما أن البطالة المقنعة في سورية تحتاج إلى توفير ما لا يقل عن 40 مليار دولار لتحديث الاقتصاد الوطني
أمام هذا الواقع جاء إعلان الحكومة الذي يهدف إلى تأمين 60 ألف وظيفة ستؤمنها موازنة العام القادم علما أنه ولثلاث سنوات سابقة كانت حصيلة فرص العمل التي أمنتها الحكومة أقل من 74 ألف من أصل مليون طالب عمل حسب الحصيلة الرسمية غالبيتهم من حملة الابتدائيّة وما دون
ومما يزيد مأسوية الواقع إحصائية مديرية القوى العاملة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، التي أظهرت أن أكثر من مليون ومائة ألف عاطل عن العمل تقدم إلى مكاتب التشغيل خلال الفترة الواقعة من 1/3/2001 لغاية 30/9/2004 وظف منهم أقل من 64 ألف تفاقم فيها حملة الابتدائيّة لدى القطّاع العام على حساب الأكثر تعليما،حيث تمّ تأمين قرابة 22500 ألف وظيفة لحملة الابتدائيّة من أصل ما يزيد عن 345 ألف. أما خريجي الجامعة فلم يتم تعين سوى ما يقارب 6600 خريج من أصل أكثر من 61800 خريج مسجل لدى المكاتب وقد بين التقرير النهائي لمسح سوق العمل في سورية لعام 1998 بيّن أن 34.7 % لا يعملون في مجال دراستهم أو اختصاصهم مع العلم أن عدد طلاب الجامعات السورية وصل عام 2003 إلى /201689/طالباً وطالبة
- الدولة مطالبة بتأمين 1041 فرصة عمل يوميا:
لحل مشكلة البطالة في سوريا اتخذت الحكومة في الإجمال طريقان الأول مكاتب التشغيل والثاني تشكيل هيئة لمكافحة البطالة
تنتشر مكاتب التشغيل في المحافظات السورية ومهمتها كما يقول مدير القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية محمد ذياب لـ الشباب اليوم : هي تشغيل المتقدمين بطلبات عمل وفق حاجة القطاع العام لإملاء الشواغر المتاحة له مضيفا أن تشغيل طلاب الجامعات يخضع لطرق مختلفة فإذا كانت دوائر الدولة بحاجة إلى تعين بالتعاقد أو تعين خبراء فالأمر يتم عن طريق مكاتب التشغيل أو يتم تعيين الجامعيين عن طريق المسابقات ووفق الحاجة
يروي لنا ذياب ما قاله وزير التربية في إحدى ورشات العمل من أن هناك 6 مليون طالب في سوريا من الصف الأول الابتدائي لنهاية المرحلة الجامعية لذلك و خلال 16 سنة نحن بحاجة إلى 6 مليون فرصة عمل لهم يتساءل مدير القوى العاملة إذا أردنا أن نعمل منذ الآن بتشغيلهم فكم فرصة عمل نحتاج لتأمينها في اليوم، يجيب: علينا أن نوظف وسطيا في السنة375000 ويوميا حوالي 1041 فرصة عمل لهم.
ويرى مدير القوى القوة العاملة محمد ذياب أنه من المفروض أن نعرف حاجة سوق العمل في سوريا وأن يكون هناك تنسيق بين وزارات الدولة وهيئاتها والأهم من ذلك أن نوجه التعليم بناء عليها موضحا أنه يجب أن تكون الطريقة الأساسية لمكافحة البطالة هي دراسة النظام التعليمي وتوجيهه حسب حاجة سوق العمل
- السيد وزير التعليم لن يقابلنا،لأنه يؤمن بالأفعال لا بالأقوال
عندما كان وزير التعليم الحالي هاني مرتضى رئيسا لجامعة دمشق قال في العديد من المقابلات الصحفية أنه متفائل بالمستوى الجيد لخريجينا الجامعين من مختلف الكليات و الدليل على ذلك أنهم يُقبلون في الخارج ونفقدهم ويضيف أن أحد أسباب ما أفقدنا الكفاءات هو المغريات الاقتصادية هناك بالرغم من وجود قوانين صارمة تجبر على العودة .ويعتبر مرتضى أن هناك تجنيا على الجامعة عندما يقال إنها لا تؤهل بالشكل المناسب، بدليل كل الذين يلمعون في الخارج
والأهم من كل ما قاله الدكتور هاني مرتضى هو الاقتراح التالي برأيي يجب أن يقتصر دور الوزارة على وضع استراتيجية وطنية للتعليم العالي، دون التدخل والخوض في أمور داخلية ضمن الجامعات مستشهدا بالدول المتقدمة التي يوجد فيها مجلس لأمناء الجامعات يمكنه أن يقوم بكثير مما تقوم به الوزارة الآن
وعندما توجهت شباب اليوم إلى وزارة التعليم العالي لتسأل الدكتور هاني مرتضى وزير التعليم عما تم معالجته من السلبيات السابقة التي عرضها عندما كان رئيسا لجامعة دمشق أجابنا مدير المكتب الصحفي: أنه ليس هناك إمكانية لمثل هذا اللقاء، والسيد الوزير لديه ضغط عمل وهو مشغول جدا كما أن السيد الوزير يؤمن بالأفعال وليس بالأقوال
- النظام التعليمي في سوريا يصادر العقل نسبيا:
وزيرة العمل الحالية ديالا حاج عارف شخصت واقع النظام التعليمي قبل أن يتم توزيرها إذ قالت: أن مشكلة الخريجين العاطلين عن العمل تتمثل في أنهم ليس لديهم ثقافة العمل الحر فقد خلق الاستعمار الجهاز البيروقراطي الذي كان صاحب سلطة ودخله أكبر من دخل العمل الحر وكان يؤمن الشعور بالأمان والاستقرار لأن رب العمل هو الدولة ولأن الدخل ثابت لا يمكن تخفيضه أو منعه ما حد من اتجاه الشباب إلى الأعمال الخاصة على اعتبار أن نسبة المخاطرة كبيرة والنتائج غير مضمونة وترى حاج عارف أن النظام التعليمي لدينا يخلق منفذين جيدين دون الاهتمام بتكريس المنهج الإبداعي الخلاق بمعنى أن العقل مصادر نسبيا ضمن معطيات المعلومة المقدمة من أجل حفظها واستذكارها دون تحليلها بهدف تطويرها ولذلك يتلاءم العمل الحكومي مع مثل هذا النوع من المخرجات
إذا مشكلة البطالة لدى الخريج الجامعي تكمن في أساس النظام التعليمي الذي يخلق تلك العقلية الاتكالية لتأمين فرصة عمل في الدول من دون التوجه إلى أن تكون له شخصيته المستقلة في عمل خاص له حيث تغيب عند شبابنا روح المغامرة والتحدي ولهذا أسبابه السياسية بالدرجة الأولى والاقتصادية بالدرجة الثانية خاصة وأن معدلات البطالة ارتفعت وفق التعريف الرسمي من 4.8 % عام 1981 إلى 11.7 % عام 2003 .
رئيس الوزراء محمد ناجي العطري قال خلال استعراضه لمبرارت الحكومة في اتخاذ قرار يلغي شرط التزام المهندس مع الدولة : الغريب أن البعض ينظر إلى الدولة على انه من واجبها تقديم التعليم المجاني وتخرج الكفاءات والكوادر وتؤمن لهم الوظيفة حتى ولو كانت هذه الوظيفة وهمية وليست فرصة عمل حقيقية أي أن مبدأ «الخطي والحرام» يسود معالجاتنا وتفكيرنا وسلوكياتنا. ويضيف: أذكر كيف كانت ردود الأفعال سلبية لقرار الالتزام مع الدولة من قبل نقابة المهندسين وكنا في مؤتمراتنا النقابية و أنا مهندس نعد المطالبة بإلغاء قيد الالتزام بالنسبة للمهندسين نضالا نقابيا فكانت هناك مطالبة مستمرة ودائمة تطالب بإلغاء القانون 49 الذي صدر 1976، واذكر هذا للحقيقة والتاريخ وكانت فروع النقابة تطالب بترك حرية العمل للمهندس في الدولة او لدى القطاع الخاص
أمام كل هذه الخطوات والإجراءات التي اتخذت أو التي لم تتخذ فإن الأرقام تفيد أن الخريجون أو الطلاب يستفيدون من كل الظروف المتاحة للمغادرة بلدهم بالرغم من كل القوانيين الصارمة التي تجبرهم على العودة كما عمل عن ذلك وزير التعليم العالي وعلى سبيل المثال تظهر احصائيات عام 1998 أن عدد الطلاب الموفدين خارج القطر من جامعة دمشق بجميع الاختصاصات لعام 1998 بلغ 332 طالبا بينما من عاد منهم كان 18 طالبا هكذا يستفيد الطلاب السوريين من فرص البعثات العلمية والايفاد للبقاء والعمل في الخارج