--------------------------
هناك شروط موضوعية لنجاح أية حركة احتجاجات من أهمها :
عدالة القضية , سلمية التحرك, الإجماع, وضوح الهدف, عدم استحضار الخارج, التمدد الأفقي وعدم الإنكفاء ...
وهذا للأسف لم يكن ما جرى في حركة الإحتجاجات التي بدأت في 15 آذار في سوريا , وما بدا أنه يبشر بقيام حركة مطلبية تجمع الشعب السوري بمختلف أطيافه وتوجهاته , انحصر جغرافيا وزمنيا في مكان واحد هو الجامع العمري .
إن الأخطاء التي ارتكبها المنتفضون في درعا أدت لتحول في وجهة الأحداث وأعطت السلطة
فرصة ذهبية لتصوير الأمر على أنه شغب واعتداء على الملكيات العامة يقوم بها (مدسوسون)وبدأت سلسلة من الأخطاء بناء على هذه القراءة.
فأعمال الحرق والإعتداء على الآليات والممتلكات العامة في اليوم الثالث , أخرج هذه الحركة المطلبية من إطارها السلمي والحضاري ,
وضاعت مطالب المحتجين وسط دخان الحرائق .
وأتت الأحداث في اليوم التالي ليبرز قبول (الوجهاء) وساطة وفد حكومي أتى ليرمم ما جرى
على طريقة شيوخ القبائل وتبويس اللحى .
ثم توالت الأخطاء إلى الإعتصام الأخير في المسجد العمري لحوالي500 شخص , وهذا أدى ل(حصر) الإحتجاج في هؤلاء الأشخاص,
عوض أن يكون ممتدا في الشارع كما كان في أول يوم وكما حدث في بقية البلدان العربية
وبدا أن الحركة لم تمتد لبقية المدن باستثناء البلدات المجاورة لدرعا(انخل, نوى,القنيطرة)
ما بدا أنه مطلب (إقليمي) يتعلق بمطالب (محلية) يستنهض حمية العشيرة والدم وليس وطنيا جامعا , وهذا ما ركزت عليه الهتافات (الفزعة يا حوران) ..وذهب بعض الشباب على الفيس بوك إلى اتهام الشعب السوري بالجبن لعدم تحركه وتجاوبه مع الحركة المطلبية .
وآخر هذه الأخطاءهو: الهتافات المعادية لإيران وحزب الله في إشارة مذهبية بغيضة,ما يشير لأدوات خارجية تستغل هذه الحركة واستحضار العامل الخارجي لحركة مطلبية داخلية.
وحين تمارس أية حركة مطلبية هذه الأمور,
فإنها تناقض نفسها وتناقض المطالب التي خرجت لأجلها , وتعطي السلطة المسوغ لتشويهها ومعالجة
الأمر على أنه خروج على القانون وحسب.
كم من هذه الأخطاء وليد الحركة نفسها أو سوء استغلال خارجي لها , هذا ما ستكشفه الايام القادمة .
ما بدا أنه حركة سلمية احتجاجية تطالب بمطالب نراها ويراها الجمهور السوري عادلة
ومحقة وهي تصلح لتكون بنودا في برنامج وطني للتغيير , تحول في يومه الثالث إلى أعمال شغب وحرق وانتقام
أدت لتحول مؤسف في وجهة هذه الإنتفاضة ورمتها في أفق مجهول ,مشرعة الباب أمام مختلف التفسيرات والتأويلات .
وإن الفشل في التمدد الأفقي عوض عنه المحتجون في تمدد شاقولي (وهذا أمر حتمي ) , برز في عنفية التحرك وأعمال الحرق والخطاب المذهبي والإقليمي واستحضار الخارج ..كحل أخير .
ولأن المطالب هي حق ولا يجب أن تقفز السلطات عليها , نؤكد أنها يجب أن تكون في أولويات المعالجة التي يجب أن تبدأ بها السلطات ,
ولا يجب أن تنظر بعين الرضى لطريقة معالجتها للأمر , فالناس تراقب ,و هناك من يستغل الأخطاء المتراكمة لتوجيه الحدث باتجاه معين ,
وتعتمد الوجهة التي ستسير بها الأمور في الأيام القادمة على طريقة مقاربة السلطات للأزمة من الناحيتين السياسية والإجتماعية بعيدا عن الإنتقام والتشفي ,
إن مقاربة الموضوع من ناحية أمنية فقط, سيعطي التحركات الجنينية نموذجا سيئا يقاس عليه وسيجعلها أكثر تشددا وأكثر فهما للدرس ,و سيصعب على السلطة بعدها أن تسيطر وتقنع .
إن درعا برغم كل هذا , قد قدمت درسا و(بروفة) لما ستكون عليه الأمور , ويكفيها شرفا وفخرا أنها قدمت من دم أولادها هذه العبر ,
يبقى أن يتم التقاطها وتحويلها لفعل إيجابي يحرك الراكد المتفسخ ويبعث في شرايينه ربيعا سوريا جديدا .
هذه المطالب هي أمور يتفق عليها عموم الشعب , وهي تشكل في مجموعها صمام أمان وشبكة حماية للبلد
في وجه عواصف تغيير لن تبقي الأمور كما كانت , وهي فرصة ليكون التغيير هذه المرة واعيا ومبرمجا بعد طول انتظار .
23-3-2011
info@jablah.com