يا أيها الشهداء الراحلون إلى السماء كنجوم أفلت قبل الوداع أما عيوننا ،شحبت الوجوه انتابها رعدة ،وكفت الكواكب عن الوميض .وثمة حشود متزاحمة في مسالك الشام ،تجلجلت الأصوات في آفاق سوريا ملاذ الشرفاء .خافت القبرات من صقيع الموتورين ،ففردت أجنحتها واندفعت تصرخ :
- يا حثالة ...سوريا للسوريين .
أمهات الشهداء يقفن ورؤوسهن غارقة في النحيب والزغاريد ،لأن المصاب جلل والحزن رهيب ،لكن شعلة سوريا لن تنطفئ ،لهذا سيبقى أسمها محفورا في تجاعيد الذاكرة ولن ننسى أبجدية أوغريت في كل زمان ومكان ونرسل عبر أبجديتها نشجينا المرّ.
شقت سوريا طريقها كمعجزة في المحال ،تجرج الجراح ،لون الدم ،يرسم رحيل أمة إلى سحيق الهاوية والموت المحتم ،هاوية أيلول الأسود فكان لحضور سوريا صوت الرعد ولعينيها الشاميتين وميض البرق ،ولأن الرعد والبرق يمثلان الغضب ،والخصب أيضا .
لم يفهم سوريا أولئك المتخمون المتخمون في قصور أوربا الدافئة ،وأسدلوا ستائرهم حقدهم الحريرية وسدّوا آذانهم بالقطن المعقم .
وإن الذين فهموا سوريا هم في الحقل والمعمل ينظرون في المدى البعيد ،فاستجابوا لنداء سوريا الوطن التي ترسل بقعة ضوء في هذا الكوكب لتعيد للفجر ابتهاج القبرات ،لبسوا من أبجديتها ريشا يقاوم هوج وزمجرة الإعصار ،وغذوا يراعاتهم من فيض أوغريت لكي يقطفوا حكمة نضجت في أرض المعرفة والتجربة .
كانت الطرق وعرة ،والمسالك شائكة ،ورغم المصاب سرنا على طريق الوطن نتعلم منه كبف نعجن رغفينا بالدم ،وكيف ننصف الأبناء ،ونقتات الحرية مع قطع الخبز بغية أن لا نهوي في مستنقع العبودية .
وشرعنا نشعل القناديل فبدت كالنجوم في ساحات الوطن ،إلا أن أصحاب العروش والكروش قد توضؤوا في حمامات الدم وحاولوا ابتلاع سوريا فكان لحضور الوطن حضور ملاك يرمي المعجزة ،واستطاع أن يغسل حزن الحاضر ويردم عفن الماضي،تجمعت قطرات لتعيد صياغتها من جديد تنفخ في الصلصال لكي تبقى سوريا .
رسمناك على مقاعد الدرس وفي قلب أطلس الوطن لأنك أخرجتنا من ليل المماليك إلى أرض البشر ،تؤكدين الحرية وكنت مرآة صقيلة أمامنا فأخذنا نستعيد ملامح سحناتنا فعرفناك القادرة على تحطيم صخرة " سيزيف " التي أرهقتنا عقودا وعلى يدك سقطت اسطورة التفوق الصهيوني كانت ترتسم أمام عيوننا ( كالغول والعنقاء وكل الأشكال الخرافية ) .اسطورة كانت تفترس كل أحلام الصباحات ،وحين شمخت تحطمت الأسطورة .فكان تشرين .
*لست عضوا في اتحاد الكتاب العرب .