في هذا المقال سأعود لما يتشدق به العربان عن "القيم العربية الأصيلة" فأتحدث عن إحدى هذه القيم و هي الكرم -و غالبا ما يتم ذكرها مرتبطة بالشهامة، فأوضح أن الكرم موجود عند الغربيين، لا عند العرب.
سينقسم مقالي لمقدمة تتحدث عن الكرم و ما هو، و ما الشهامة. ثم سأتحدث عن انعدامهما لدى العربان و أستشهد بشواهد، ثم أتحدث عن كرم الغربيين و شهامتهم و عظيم فضلهم على العرب و فأستشهد أولا بنابليون، ثم بالحرب الطائفية اللبنانية في منتصف القرن التاسع عشر، و أختم بالحديث عن دولة العلويين التي أقامها الإستعمار الفرنسي.
أولا: مقدمة: ما الكرم -و ما الشهامة؟
ليس الكرم أن يحرم الإنسان أطفاله الطعام كي يطعم ضيوفه: هذا هو الكرم الحاتمي، و هو يكاد يتطابق مع الغباء. لكن الكرم هو أن يطعم الإنسان أطفاله فإن بقي لديه فضل من الطعام أن يوزعه على المحتاجين.
و لعل قائل يقول أن مثل هذا الكرم يمكن وجوده على مستوى الأفراد لكنه لا يوجد على مستوى الدول، فما يقود سياسة الدول هو مصالحها، يعني أطماعها، فأقول:
هذا الكلام سليم! لكني أجد فارقا كبيرا بين دولة تحركها مطامعها فتبني في بلدي جامعة و تروح تنفق عليها، و بين دولة تحركها أطماعها فتروح تنفق الأموال لتسليح القتلة و مرتكبي التفجيرات في المدن!
و أما الشهامة، فهي من مشتقات الكرم: إنها تعني الجود بالذات احتراما للذات. إنها تعني الترفع عن الصغائر احتراما من الإنسان لنفسه. إنها تعني أن يقبل الإنسان بشظف العيش عوضا عن أن يقبل بتغيير آراءه. و لعل أبسط مثال نجده هو مثال العلويين الذين فضلوا شظف العيش في الجبال الوعرة على أن يقبلوا بالتخلي عن دينهم و اتباع دين الحكومة المركزية.
ثانيا: انعدام الكرم و الشهامة لدى العربان.
الكرم و الشهامة كانا موجودين لدى العرب قبل الإسلام، لكننا نعلم أن الإسلام -الإسلام الأموي المعاوياتي- حول العرب لشعب من العبيد المتكالبين على شهوات الحياة الدنيا و قتل كل قيمة سامية في نفوسهم. فلا نجد قيم الكرم، أو الشهامة، أو الصدق في القول إلا لدى من أفلت من حكم الإسلام -الإسلام الأموي السني.
ففي سوريا مثلا نجد هذه القيم لدى الأقليات الطائفية التي أفلتت من حكم الإسلام السوري: الدروز و العلويين، و أيضا لدى قبائل البدو الرحل و مشتقاتها من القرى النائية في صحراء سوريا.
دعنا نسأل سين سؤال: هل هناك من يخالفني إن قلت أن أكثر من يمثل قيم الكرم و الشهامة في تاريخ سوريا هو سيف الدولة الحمداني و سلطان باشا الأطرش؟
قلنا: الكرم هو أن يطعم الإنسان أطفاله فإن بقي لديه فضل من الطعام أن يوزعه على المحتاجين. فإن نظرنا للعربان من أتباع الدين السني، و أظن أني لا أخطئ إن قلت أن أكثر من يمثلهم هم صدام حسين و آل سعود، فإنني أسأل:
ما الذي فعله صدام حسين و آل سعود بالفضل من الثروات الهائلة التي تراكمت بين أيديهم؟
لقد حاولوا نشر الإسلام بمحاربة الشيعة و النصيرية و الشيوعيين الملحدين. فزرعوا القتل و الخراب بطول الأرض و عرضها، من أفغانستان لمصر، مرورا بالأزبكية و مدرسة المدفيعة.
نوجز: ليس لدى العربان كرم و لا شهامة.
ثالثا: كرم الغربيين، نابليون مثالا.
تم اختراع الطباعة عام 1462 من قبل جوتنبرغ. فمتى دخلت الطباعة للعالم العربي؟ عام 1798 بفضل حملة نابليون على مصر.
فإن علمت أن العالم العربي كان محكوما بالمسلمين -السنيين- من أيوبيين و مماليك و سلجوقيين و عثمانيين إلخ... خلال كل تلك الفترة...
أجروا عملية طرح بسيطة و استنتجوا أن الطباعة بقيت مرفوضة من قبل الحكومات المتدينة لمدة 336!
ثلاثة قرون و نيف (لعن الله الثلاثة و نيف!)!
ثلاثة قرون و نيف و حكومات الدين ترفض و بإصرار عجيب أن تدخل الطباعة بلادها!
حتى أدخلها نابليون عنوة و غصبا عن قرف رأسهم...
لو لم يكن لنابليون إلا هذا الفضل لتوجب على العربان أن يقدسوا اسمه و أن يتعبدوه حتى أبد الآبدين. لكن فضل نابليون لم يتوقف عندها... فهاكم تتمة...
تتمة في فضل نابليون، صلى عليه إلهي ما جرى القلم!
حين قام نابليون بحملته على مصر، فإنه اصطحب معه ثلة من خيرة علماء فرنسا. بكلمة واحدة: لقد أراد نابليون أن يدخل العلم و الحضارة لمصر كما أدخل الطباعة. و كان من هؤلاء العلماء مونغ، و برتوليه، و فورييه... و لعل الأخير هو الوحيد الذي يعرفه طلاب البكالوريا في سوريا: ذلك أنهم يعرفون "تحويل فورييه"، لكن الآخرين لا يقلان عنه عظمة في تاريخ الرياضيات. و لم يقتصر عدد العلماء في حملة نابليون على ثلاثة (تبارك الثلاثة)، بل كان هناك العشرات من العلماء ممن بقوا أقل شهرة من الثلاثة (تبارك الثلاثة) أعلاه، لكنهم لم يقلوا عنهم عملا و جهدا لنشر العلم و الحضارة في ربوع هذا المشرق الجاهل...
فقارن فتح نابليون لمصر بفتح عمرو بن العاص لها... و بإحراقه مكتبة الإسكندرية بأمر من الفاروق عمر بن الخطاب... و ستكون لنا عودة!
ستكون لي عودة لأتحدث عن الحرب الطائفية في لبنان و عن دولة العلويين، فأوضح عظيم فضل، و عظيم كرم، و عظيم شهامة هذا الغرب... و هي كلها صفات معدومة لدى العربان من أدعياء الدين .
و سأكتب ذلك بشكل تعليق على هذا المقال نفسه، حين يتم نشره
رابعا: كرم الغربيين، حرب 1840 الطائفية في لبنان.
أسباب تلك الحرب معروفة و لن أعود إليها إلا بأقصى الإيجاز: لقد أعطى ابراهيم باشا للفلاحين الموارنة حقوقا معينة تجاه الإقطاعيين الدروز، و حين هزم ابراهيم باشا أمام تحالف دولي كبير و اضطر محمد علي أن يسحب جيشه من لبنان، لم تجد الخلافة العثمانية خيرا من أن تعد الإقطاعيين الدروز بدعمها إن أرادوا إعادة النير لأعناق الفلاحين الموارنة.
أستغل هذه المناسبة كي أسخر أن الخلافة العثمانية وقتها اكتشفت -و يا لهول ما اكتشفت!
اكتشفت أن الدروز مسلمين...
و بالمقابل فدولة البعث في سوريا ما زالت تصر إلحاحا أن أي درزي يرغب بالزواج من فتاة "مسلمة" فعليه أن ينطق بالشهادتين...
فواسخريتي و واسخرية الساخرين من "علمانية" البعث المزعومة!
ما علينا...
الذي حصل وقتها هو أن البلدان الغربية "تدخلت بحجة حماية المسيحيين" كما يقول كتاب التاريخ بتاع الصف السادس (على أيامي)...
هاه؟
هاظا كان تدخلا... و الإحتلال العثماني الذي سفك دماء السوريين بالملايين... هاظا وش كان؟
المهم، ماذا كان تدخل البلدان الغربية "بحجة"؟
لقد قدمت هذه البلدام لمسيحيي لبنان الأموال، و فتحت المدارس، و استقبلتهم في ديارها، فحولتهم لخلق و بشر بعد أن كانوا حميرا من بين الحمير.
و كانت نتائج ذلك أن المسيحيين، مسيحيي لبنان تحديدا، كانوا قادة النهضة العربية.
أقول: أهلا و سهلا و ألف مرحبا بمثل هذا التدخل، حتى و لو جاء من ابليس اللعين نفسه (طبعا أنا أفضل لو أنه جاء من إبليس اللعين، لكن المشكلة هي أن إبليس اللعين هو كائن خرافي مثله مثل الله و يهوه و الجن و العفاريت).
أصلا... لماذا لم يأت مثل هذا "التدخل" من قبل الخلافة العثمانية؟
لماذا اقتصر تدخل الخلافة العثمانية على المجازر و ذبح البشر و منع المطابع؟
إن في ذلك لأسئلة لقوم يعقلون!
خامسا و أخيرا: كرم الغرب، دولة العلويين.
حين احتلت فرنسا سوريا قسمتها لدول عديدة. الدولة الوحيدة التي بقيت حتى تاريخه هي دولة لبنان، في حين اتحدت بقية الدول لتشكل "الجمهورية العربية السورية".
إحدى تلك الدول كانت دولة العلويين. و حتى اليوم يصر السوريون -معظمهم- على اعتبار إنشاء فرنسا لدولة العلويين تطبيقا لسياسة "فرق تسد".
الحقيقة ببساطة هي أن الإستعمار الفرنسي كان أول حكومة، و منذ انهيار دولة الحمدانيين، يتعامل مع العلويين بصفتهم بشرا، و كان إنشاء دولة العلويين خطوة أولى لتأهيل العلويين بصفتهم بشرا، لإعطائهم الحقوق البشرية!
هاظا كان "فرق تسد"؟ حبيبي، عيوني، ظناي أنتا:
ألف أهلا، و مليون سهلا، و مليار مرحبا بالتفريق و السيادة الأجنبية إن كانا يعنيان معاملة البشر كبشر، و ليس بصفتهم "دماؤهم و أموالهم حلال" كما يقول ابن تيمية!
أصلا... السؤال: لماذا لم تحاول الخلافة العثمانية تطبيق مثل هاذا الفرق التسد؟ لماذا كان الفرق التسد الوحيد بتاع العثمانيين هو المذابح الجماعية بحق العلويين؟
لاك حاجي علاك! حاجي علاك فاضي كرمال الرب !)
--------------------------
--------------------------
باستعراض كل ما سبق أعلاه يمكن لنا أن نستنتج أن الكرم هو من طباع الغربيين: إنهم يمتلكون الأموال ثم يتفضلون بها على المحتاجين.
بالمقابل فالحقد و الدناءة من طباع العربان: إنهم يستخدمون أموالهم لنشر الذبح و الدمار.
ألا هل بلغت؟
ألا هل بلغت؟
ألا هل بلغت؟ (قالها ثلاثا)
شيطانم فاشهد!