آخر الأخبار

المصالحة المباغِتة..

كلنا تفاجأنا من سرعة توقيع حركتي فتح وحماس على الورقة المصرية للمصالحة، الفرق أن فريقاً تفاجأ وتحلّى برباطة جأش مصطنعة، وهم سياسيون ومحللون فلسطينيون، وفريقاً ثانياً تفاجأ ثم فغر فاه قليلاً محاولاً الاستيعاب، وهذه هي الفصائل الفلسطينية المجهرية، أما الناس فلم يعد هذا الموضوع يضيف إلى موائدهم أي جديد كي تنتابهم المفاجأة أصلاً من عدمها.

"محضر التفاهمات" الجديد، كما أطلق عليه، هو ذات الورقة التي قُتلت نقاشاً وتفاوضاً بين الفصيلين على مدار أربع سنوات أو يزيد، خضنا خلالها تراشقاً إعلامياً، وكبدتنا انقساماً اجتماعياً لم يعهده الفلسطينيون من قبل، وكلفتنا حرباً مع أنفسنا ومع عدونا راح فيها أبرياء كُثر. لكن، هل لهذه السرعة في التوقيع على هذه التفاهمات "الجديدة القديمة" من تحليل؟

حماس التي أمّنت حدود غزة مع مصر لحظة انهيار نظام مبارك، ومنعت المواطنين من الاقتراب منها، كانت تدرك أن في ذلك مكسباً سياسياً سيعزز علاقاتها مع أي نظام قادم لاحقاً، خصوصاً أن مؤشرات التقارب بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر باتت تلوح في الأفق.

أرادت حماس أيضاً أن تبدو كمن يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر شرفاً كانت تحجبه عن نظام مبارك الخصم، وتبارك من خلاله نجاح ثورة الشعب المصري، وتهنئ مجلس الحكم الجديد على طريقتها الخاصة، في خطوة لم تخلُ من المغازلة السياسية.

أما السلطة فلم تتأخر كثيراً هي الأخرى في تأكيد انسلاخها عن نظام الرئيس المخلوع الذي سلّمته مفاتيح القرارات الفلسطينية كلها، وكان أحد حلفائها الذين لا يمسّ لهم طرف، إذ كانت قرارات السلطة لا تحلق إلا بأجنحته.

طار أبومازن إلى القاهرة والتقى بالمشير محمد حسين طنطاوي لتأكيد إعلان الطلاق مع النظام السابق، وبداخله خوف من تبدل حال كان يخدمه ورحيل رجل كان دائماً يعضده، فلطالما كان مبارك يقف في صف السلطة ضد حماس لاعتبارات يتعلق أقلها باتفاق السلام مع إسرائيل، ورفض أي دعم لحماس "الإخوانية" بالأساس، والتي تهدد بأيديولوجيتها نظامه أصلاً، وفق ما كان يردد.

خشية أبومازن من أن تحظى حماس لدى المجلس بقدر أكبر مما يمكن أن تناله السلطة الفلسطينية دفعه للتحرك لكسب مساحة سياسية جديدة، لاسيما في ظل بحبوحة بات يعيشها الإخوان حالياً في مصر، وهو ما أعطى حماس - بلا شك - دفئاً بأن شيئاً ما بات يلوح في الأفق تجاه الاعتراف المبدئي بالجماعة التي كانت قبل أيام فقط توصف بـ"المحظورة".

أما المجلس العسكري المصري فلا أعتقد أنه كان في عجلة من أمره لجمع الطرفين، حماس وفتح، والتوقيع على المصالحة، بل كانت المصالحة بطلب من الفصيلين. المجلس بدوره، وإن كان في خاطره عقد المصالحة، إلا أن دافعه الأساسي كان التخلص من هذا الملف "الأمني"، ونقله من أدراجه إلى أحضان أصحابه، إذ لا مكان له في زحمة المشاكل الداخلية قبل الخارجية التي تتكدس يومياً في مكتب المشير.

هل كان للحملات الداعية إلى إنهاء الانقسام على "فيسبوك" والمستلهمة من الثورات في المحيط دور في تسريع التوقيع؟ لا أعتقد ذلك. والأهم، بالنسبة لإسرائيل والسلطة، وأبومازن تحديداً، كانت في الدعوة إلى انتفاضة ثالثة في الخامس عشر من الشهر الجاري. وتحرك فلسطيني مثل هذا يعني لإسرائيل ضرورة التخلص الفوري من أبومازن، في حين أن للرجل ولمصر مصلحة في أن يبقى مكانه، فهو وإن أسرع في توقيع المصالحة فقد أنقذ نفسه ومعه آخرون.

والقارئ لبنود "التفاهمات" يجدها جميلة، رغم أنه ليس فيها جديد، لكن أتمنى أن لا يكون هناك شيطان ما يختبئ في التفاصيل.

3 مايو 2011