آخر الأخبار

الوطن هو الإنسان وحرياته ..حوار مع أدونيس

* الجمهور كان في انتظار ما يقوله أدونيس..
- في لحظة.. الفرح يصل إلى الذروة، ويصل إلى الحزن، والحزن يكون ذروة فرح، شعوري مزيج من حزن وفرح،

فرح لأنني أزور منطقة حلمت بها من حوالي نصف قرن عندما كتبت قصيدة «الصقر»، وحلمت أن أشاهد المكان الذي عبر فيه صقر قريش الفرات، وهذا الحلم تحقق بعد حوالي نصف قرن، وحزن لأن ظروف حياتي الصعبة منعتني من تحقيق الحلم، اسمحوا لي شكر صديقين عجّلا بهذه الزيارة وغلّبا فرحي على حزني هما د.أحمد الحافظ والأستاذ حمود الموسى ـ مدير الثقافة.. أنا في الحقيقة آت حتى أتعرف وأتعلم وأستمع إليكم»..

ـ يعتبر الكثير من النقاد أن الشعر العربي يعيش أزمة... ما صحة هذا القول وما مظاهر تلك الأزمة؟.. ‏
* الشعر دائماً في أزمة، ومن أهم خصائص الشعر أن يظل في أزمة لأسباب عديدة تتجلى في مظهرين.. الأول: يتعذر على اللغة أن تستنفذ الأشياء التي تموت عنها، الشاعر يشعر أنه يقول ما يريد دون أن يصل إليه.. شبه مستحيل.. واكتشف شيئاً تجلى له، إن هناك أشياء أخرى كبيرة يحاول أن يكتشفها.. أما المظهر الثاني للأزمة: فعندما يقيس الشاعر نفسه داخل لغة معنية باللحظة الحاضرة بما أنجزه أسلافه وبما ينجزه الآخر. من جهة ثانية يكتشف أن عليه أن يعمل كثيراً ويجتهد كثيراً إلى أن يصل إلى المستويات الكبرى التي وصل إليها أسلافه ووصل إليها المبدعون في العالم، وذلك من مزايا الشعر العميقة أن يستمر في أزمة وأن يستمر الشاعر في خلق باستمرار وأن يجاوز نفسه.. هناك مظاهر ثانوية للأزمة هي علاقة الشعر بالقارئ، ويقال إن الشعر انحسر بشكل أو بآخر.. لكن لا أعرف معيار الانحسار (تاريخي أم إعلامي أم زمني) اليوم زمن الرواية والفن التشكيلي والغناء. لكن أظن أن وضع الشعر العربي جزء من وضع الشعر في العالم كله.. معارف جديدة وتقنيات جديدة، ونحن على أبواب انغلاق معرفي في العالم.. والشعر لم ينجز انتشاراً أفقياً أقل، إنما انتشاره العميق في ازدياد، ويبدو لنا أن ما يخسره الشعر أفقياً يربحه عمقياً، ومن مظاهر الربح العمق حتى يكاد الشعر والعلم يتقاطعان مثل الحدوث العلمية وبشكل خاص، علم الفلك وغزو الفضاء بوصفهما حدوثاً افتراضية خيالية، وأعتقد هنا أن الشعر لن يزول لأن الشعر مرتبط ارتباطاً كينونياً بهوية الإنسان مثل الحب والموت، وما دام الشعر موجوداً والحب موجوداً والموت موجوداً فالشعر بخير. ‏

* يصنف القصاد القصيدة الحديثة بأنها أدونيسية أو درويشية.. ما رأيك في هذا التصنيف؟ ‏
- السؤال يجب أن يطرح على القراء، أنا لا أتمنى أن يكون الشعر العربي أدونيسياً ولا أتمنى أن يحاكى أحد تقليداً.. تجربتي خاصة، وعلى الشعراء ابتكار طرق شعرية خاصة بهم.. فالشاعر يبتكر عالمه الخاص ولغته الشعرية التي يعبر بها.. الحافز الأساسي للشاعر الفرادة التي تميزه عن غيره تميزاً كاملاً وأن يبتعد الشاعر عن أية مرجعية بتجربته الشخصية لأنه التجربة الخاصة للإنسان والعالم.. وبإمكان الشعراء أن يسلكوا هذا المسلك. ‏

* قبل نصف قرن قلت قصيدة عن عبور صقر قريش للفرات.. ترى ما علاقة أدونيس بالمكان؟ ‏
-سؤال صعب.. صعب على الإنسان أن يتحدث عن نفسه وأنا من الأشخاص الذين يترددون عند الكلام عن شعرهم ورؤيتهم الشعرية لأن الشاعر دائماً باحث وما عنده يقينيات يستند عليها وما يخيل إليه من يقينيات هي وهميات.. لا توجد حقائق، يشرح الشاعر أفكاره وآراءه بالمكان والزمان. بعد مضي فترة على نتاجي أحاول أن أنفصل عنه وأنظر إليه كقارئ، علاقتي بالموت والحب والزمان طاغية، وبعد مرحلة بدأت أتذكر طفولتي لأنها كانت طفولة خاصة فقد وجدت نفسي أتذكر تلك الطفولة القاسية وهي مكان.. والذي أيقظ رغبتي الدفينة والكامنة هو الاهتمام بالمكان، هو طفولتي التي أحاول استعادتها شيئاً فشيئاً، إن سفري في العالم كله جعلني دائم المقارنة بين البلاد التي أنتمي إليها وهذه البلاد.. وهذا محاولة اكتشاف لا شعورية للمكان الذي أنتمي إليه فرغبتي عميقة باستقصاء المكان ولاسيما المكان الذي ولدت فيه. ‏

* بماذا تفسر أحاسيسك بالغربة فتقول إن اللغة العربية هي وطني؟ ‏
-الإنسان دائماً في أزمة ومفهوم الوطن بالنسبة لي مفهوم ملتبس لأنه محجوب.. فالوطن ليس جغرافيا وليس دولة. الوطن هو الإنسان وحرياته وحقوقه.. والحلم الدائم، أن يكون هناك تطابق بين الإنسان وحرياته، فاللغة ذاتها هي الوحيدة التي تخلق للشاعر التطابق ما بين ما يحلم به وما يعيشه عملياً، ولذلك أشعر أن وطني الحقيقي حيث يكون التطابق في اللغة ويتيح لي خلقه ولو خيالياً، وبلادي الحقيقية هي اللغة العربية التي أكتب بها. ‏

* إلى أي حد تساند تجربتك الشعرية مشروعك الشعري؟ ‏
-أريد الهروب من الكلام عن نفسي.. أنا بإخلاص كامل أشعر في هذه اللحظة وبعد تجربة /50/ عاماً في الشعر أنني لم أفعل شيئاً ولو كنت قادراً على أن أمحو كل شعري لما ترددت فعلاً. ‏

* في كتابك موسيقا الحوت الأزرق، تحدثت عن الحوار مع الأنا ومع الآخر.. ما مصداقية هذا الحوار؟ ‏
- الحوار مع الآخر هو الحوار مع الذات وهو ليس بالأمر السهل، بمعنى هل أنا صادق مع نفسي مئة بالمئة؟.. الجواب عن نفسي يستحيل في ظروف اجتماعية أن أكون صادقاً مع نفسي لأن الصدق مع الذات نوع من الموت